ولدت امرأتي غلامًا أسود وإنا لم يكن فينا أسود قط

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

---

الحديث:

عن ابن عمر أن رجلًا من أهل البادية أتى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله! إن امرأتي ولدتْ على فراشي غلامًا أسود، وإنا أهل بيت لم يكن فينا أسود قط. قال: «هل لك من إبل؟» قال: نعم، قال: «فما ألوانها؟» قال: حمر، قال: «هل فيها أسود؟» قال: لا، قال: «فيها أورق؟» قال: نعم، قال: «فأنى كان ذلك؟» قال: عسي أن يكون نزعه عرق. قال: «فلعل ابنك هذا نزعَه عِرقٌ».

---

1. شرح المفردات:

● أهل البادية: سكان الصحراء، البدوي.
● غلامًا أسود: طفلاً أسود البشرة.
● حمر: جمع أحمر، أي الإبل الحمراء اللون.
● أورق: الإبل التي لونها بين السواد والبياض، أو الرمادي.
● نزعه عرق: أي جذبه ونقله إليه سلالة أو صفة وراثية من الأجداد.

---

2. شرح الحديث:

جاء رجل بدوي إلى النبي ﷺ يشك في نسب ولده لأنه أسود البشرة، بينما هو وأهله بيض، فاستبعد أن يكون الولد منه. فلم يوبخه النبي ﷺ أو ينهره، بل استعمل أسلوبًا حكيمًا في التعليم والتوجيه، فسأله عن إبله وألوانها، ليبين له أن الصفات الوراثية قد تظهر بعد جيلين أو أكثر، وقد تكون كامنة ثم تظهر فجأة.
فسأله: هل لديك إبل؟ فأجاب: نعم. ثم سأله عن لونها، فقال: حمر. ثم سأله: هل فيها أسود؟ فقال: لا. ثم سأله: هل فيها أورق (وهو لون بين السواد والبياض)؟ فقال: نعم. ثم سأله: كيف جاء هذا اللون فيها مع أن أصلها أحمر؟ فأجاب الرجل: ربما بسبب عرق (أي سلالة وراثية) من الإبل السوداء. فقال النبي ﷺ: "فلعل ابنك هذا نزعه عرق" أي ربما جاءت سمرة ولدك من عرق (سلف) في أسلافك كان أسود.

---

3. الدروس المستفادة:

● الحكمة في الرد على الشبهات: النبي ﷺ لم يغضب أو يتهكم، بل استعمل التشبيه والتقريب ليفهم الرجل الأمر.
● علم الوراثة: الحديث يظهر إعجازًا نبويًا في الإشارة إلى قوانين الوراثة، حيث أن الصفات الوراثية قد تنتقل عبر الأجيال وتظهر فجأة.
● الرد على الشكوك في الأنساب: نهى الإسلام عن التسرع في اتهام الأعراض والشك في الأنساب دون بينة.
● التأدب مع النبي ﷺ: الرجل لم يشكك في النبي، بل جاء يستفتيه، وهذا أدب مع العلماء والدعاة.
● التقريب بالأمثلة المحسوسة: استعمل النبي ﷺ مثال الإبل لأن الرجل بدوي والإبل هي أهم ماله، فقرب له الفكرة بما يعرفه.

---

4. معلومات إضافية:

- هذا الحديث أصل في علم الفرائض والوراثة، وفيه دليل على أن الطفل قد يأخذ صفة من أجداده وليس فقط من والديه.
- فيه رد على من ينكر إمكانية ظهور صفات وراثية غير موجودة في الوالدين مباشرة.
- الحديث يربي المؤمن على الثقة في حكمة الله وقدرته، وأن اختلاف الألوان والصفات من آيات الله.
- استدل العلماء به على تحريم التسرع في اتهام الزوجة بالزنا أو الشك في الولد دون دليل قاطع.
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا الفهم في الدين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.