معنى الولد للفراش وللعاهر الحجر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه (رقم 2053) والإمام مسلم (رقم 1457) وغيرهما، وهو من الأحاديث التي تُعدُّ من أصول الفقه الإسلامي في مسائل النسب والأحوال الشخصية.

---

أولاً. شرح المفردات:

● الولد: المقصود به النسب والحقوق المترتبة عليه من إلحاق النسب وحقوق النفقة والميراث وغيرها.
● الفراش: هو الزوجية الشرعية الصحيحة، أي الزوج الذي تُعقد المرأة عليه بعقد صحيح.
● العاهر: هو الزاني، من العهر وهو الفجور والزنا.
● الحجر: هو الحرمان من النسب وكل الحقوق المترتبة عليه، وقيل هو الرجم بالحجارة (عقوبة الزاني المحصن)، والأظهر في هذا السياق هو المعنى الأول.

---

ثانياً. شرح الحديث:

معنى الحديث النبوي الشريف: أن الولد يُنسب ويلحق بمن كان فراشاً لأمه (أي زوجها الشرعي) عند حصول الحمل، ويُحرم منه الزاني (العاهر) ولا حق له فيه، بل هو محروم منه ومحجور عليه.
وهذا الحكم يقوم على عدة قواعد شرعية مهمة:
1- إلحاق النسب بالزوج: إذا كانت المرأة تحت زوج بعقد صحيح، فإن أي ولد تلده يلحق بنسب هذا الزوج، ويُعتبر ولداً شرعياً له، وذلك صوناً للأعراض وحفظاً للأنساب من الضياع، ودرءاً للفساد.
2- نفي النسب عن الزاني: لا يلحق الولد بالزاني مطلقاً، حتى لو ادعاه أو اعترفت به المرأة، وذلك زجراً عن الفاحشة وعقوبة للعاهر على معصيته.
3- سد الذرائع: هذا الحكم يمنع أي محاولة لإضفاء الشرعية على العلاقات المحرمة، أو الادعاء الكاذب في النسب.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة منه:

1- حكمة الشريعة في حفظ الأنساب: فالشريعة الإسلامية جاءت بحفظ الأنساب وصيانتها من الاختلاط والضياع، وهذا من مقاصد الشريعة العظيمة.
2- الزجر عن الفواحش: حرمان الزاني من نسب ولد الزنا هو عقوبة رادعة تمنع من الوقوع في هذه الجريمة.
3- العدل والإنصاف: إلحاق الولد بالفراش (الزوج) يحقق العدل والاستقرار للأسرة، ويجنب الأبناء ويلات التشكيك في أنسابهم.
4- تقديم النص الشرعي على الشبهات: فالنسب يثبت بالفراش الشرعي ولو مع وجود احتمال آخر (كأن يكون الزوج غائباً أو أنكر الحمل)، عملاً بالقاعدة الأصولية: "اليقين لا يزول بالشك".

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل من أصول الفقه في باب النسب، وقد أجمع عليه العلماء.
- يستثنى من هذا الحكم حالة الإقرار: فلو أن رجلاً أقر بأن هذا الولد منه (وهو من زنا) فلا يلحق به النسب، ولكن قد يترتب على إقراره بعض الحقوق الأخرى كالنفقة بشروط.
- إذا تزوج الرجل امرأة ووجد بها حملاً، فإن الولد يلحق به إذا أمكن أن يكون منه، ولو لم يَدَّعِه، عملاً بقاعدة "الولد للفراش".
- الفرق بين "الفراش" و"العاهر" هو الفرق بين الحلال والحرام، وبين ما شرعه الله وما حرمه.
نسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يبصرنا بحكمته وشرعه.
والله أعلم.