لا يجوز لرجل أن ينتفي من ولد وُلِدَ على فراشه

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا وإياك بالعلم النافع.
هذا الحديث الشريف رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو يتعلق بمسألة عظيمة من مسائل النسب واللعان، وسأشرحه لك مفصلاً بحول الله وقوته.
### أولاً. نص الحديث وروايته
الحديث الذي أشرت إليه جزء من حديث أطول رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وفي بعض الروايات أنه جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: "يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاماً أسود"، وهو يشك في نسبه. فأمره النبي ﷺ باللجوء إلى "اللعان" إن كان صادقاً في شكه، وإلا فالولد له ويُلحق بنسبه.
### ثانياً. شرح المفردات
● وُلِدَ لي غلام أسود: أي أنجبت زوجته طفلاً أسود البشرة، وهو يشك في نسبه لأنه يختلف عنه في اللون.
● أن ينتفي من ولد: أي ينفي نسب الولد عنه ويرفض الاعتراف به.
● وُلِدَ على فراشه: أي ولد من زوجته التي بينه وبينها عقد نكاح صحيح، وهي ساكنة معه في بيته.
● يزعم: أنه رأى فاحشة: أي يدعي أنه شاهد زوجته ترتكب الفاحشة (الزنا) مع رجل آخر.
### ثالثاً. شرح الحديث
يُبيّن هذا الحديث الشريف حكماً عظيماً من أحكام الشريعة الإسلامية في مسألة النسب واللعان:
1- أصل الحكم: الأصل أن الولد يلحق بالرجل إذا ولد على فراشه (أي من زوجته)، وهذا من قواعد الإسلام العظيمة في حفظ الأنساب وصيانة الأعراض. فلا يجوز لأي رجل أن ينفي ولداً ولدته زوجته بمجرد الشك أو الاختلاف في الصفات (مثل لون البشرة).
2- الاستثناء الوحيد: لا يجوز نفي الولد إلا في حالة واحدة فقط، وهي إذا ادعى الرجل برؤية العين أن زوجته قد زنت، وشاهد الفاحشة بنفسه. عندها يشرع له "اللجوء إلى اللعان" (وهو حكم مفصل في الإسلام)، وإلا فالولد له ويجب الاعتراف بنسبه.
3- حكمة التشريع: في هذا الحديث حكم عظيمة:
- حفظ الأنساب من الضياع.
- منع التهم الباطلة والأوهام التي قد تدمر الأسر.
- تقرير أن اختلاف الصفات (مثل اللون) بين الآباء والأبناء أمر طبيعي قد يرجع إلى عوامل وراثية (من الأجداد مثلاً)، وليس دليلاً على نفي النسب.
### رابعاً. الدروس المستفادة
1- وجوب حفظ الأنساب: من أهم مقاصد الشريعة حفظ النسل، والولد من أعظم النعم، فلا يجوز نفيّه إلا بيقين وبالطريقة الشرعية.
2- تحريم التهمة بدون بينة: لا يجوز اتهام الزوجة أو نفي الولد بمجرد الشكوك أو الظنون.
3- العبرة بالفراش لا بالشبه: النسب يثبت بعقد النكاح الصحيح والفراش، لا بمجرد الشبه في الشكل أو اللون.
4- العدل والرحمة في التشريع: شرع الله اللعان طريقاً للتحقق من الشكوك مع صيانة الأعراض، فإما أن يثبت الزنا باللعان، أو يثبت النسب وينتهي الشك.

---

خامساً:

معلومات إضافية
● اللعان: هو حكم شرعي مفصل عندما يتهم الرجل زوجته بالزنا، فيشهد أربع شهادات بالله أنه لمن الصادقين، ثم الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين. وتقابل الزوجة بمثل ذلك إن كذبت عليه.
- هذا الحديث أصل من أصول أحكام النسب في الفقه الإسلامي، وهو متفق على معناه بين العلماء.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.