فرق رسول الله بين المتلاعنين وألحق الولد بالأم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم من صحيح البخاري وغيره، يوضح حكمة النبي ﷺ العظيمة في فصل النزاع الزوجي، وحفظ حقوق الضعفاء، وخاصة الأطفال. وإليكم الشرح الوافي:

---

الحديث بلفظ صحيح البخاري:

عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن رجلاً لاعن امرأته في زمان رسول الله ﷺ، وانتُفِيَ من ولدها، ففرق رسول الله ﷺ بينهما، وألحق الولد بالمرأة".

---

1. شرح المفردات:

● لاعنَ: اللعان هو الحلف بالله مع التبرؤ والإنكار. وهو إجراء شرعي عندما يتهم الرجل زوجته بالزنا دون بينة (أربعة شهود).
● انتُفِيَ من ولدها: أي أنكر أن يكون الولد منه، وتبرأ منه.
● فرَّقَ: أي حكم بالتفريق بينهما، فصارا مفترقين، ولا يحل لهما العودة إلى بعضهما.
● ألحق الولد بالمرأة: أي حكم بأن الولد يتبع أمه في النسب والحضانة والنفقة، وينتفي نسبه من الأب.

---

2. شرح الحديث:

في عهد النبي ﷺ، جاء رجل إلى مجلس القضاء وشكا أن زوجته قد زنت، وأن الولد الذي في بطنها (أو ولدته) ليس منه. ولما لم يكن لديه بينة (أربعة شهود) على اتهامه، طبق النبي ﷺ حكم اللعان، وهو ما شرعه الله في سورة النور: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ * وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ} [النور: 6-9].
فأمر النبي ﷺ الرجل أن يحلف أربع مرات بالله أنه صادق في اتهامه، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان كاذبًا. ثم أمر المرأة أن تحلف أربع مرات بالله أنه كاذب، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان صادقًا.
وبعد إتمام اللعان، حكم النبي ﷺ بما يلي:
● التفريق بينهما: فلا يحل لهما أن يعودا إلى بعضهما أبدًا، ويصبحان مفترقين فرقة أبدية.
● إلحاق الولد بالأم: أي أن الولد ينتسب إليها، وتكون هي وأهلها مسؤولين عن نفقتة وتربيته، ولا حق للأب فيه.

---

3. الدروس المستفادة:

1- حكمة الشرع في حفظ الأعراض: شرع اللعان طريقًا لإنهاء النزاع الزوجي عندما لا توجد بينة، مع التحذير الشديد من الكذب فيه.
2- حماية الطفل: إلحاق الولد بأمه يحميه من الضياع، ويضمن له الرعاية والنسب، لأن الأم غالبًا أحرص على ولدها.
3- قطع النزاع: التفريق بينهما يمنع استمرار الشقاق والضرر بين الزوجين.
4- العدل والرحمة: حكم النبي ﷺ يظهر عدله ورحمته بالمرأة والطفل، خاصة في مجتمع كان يهمش حقوقهما.
5- تحذير من التهمة بلا بينة: اللعان فيه ترهيب شديد من الكذب، لأنه يستدعي لعنة الله وغضبه.

---

4. معلومات إضافية:

- اللعان لا يثبت به حد الزنا (الرجم أو الجلد) لأنه ليس بينة، بل هو طريق للفرقة فقط.
- إذا حصل اللعان، فلا تجوز العودة بينهما أبدًا، كما قال الله: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ} [النور: 6] الآيات.
- هذا الحكم من النبي ﷺ كان تطبيقًا عمليًا للقرآن، وهو من دلائل نبوته ﷺ.
- الفقهاء أجمعوا على أن الولد يلحق بالأم بعد اللعان، ولا يرث من الأب، لكنه يرث من أمه وأقاربها.

أسأل الله أن يفقهنا في ديننا، وأن يرد كيد الكائدين، وأن يحفظ أعراض المسلمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.