ولدت امرأتي غلامًا أسود

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه:

---

الحديث:

عن أبي هريرة قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي ﷺ فقال: إن امرأتي ولدتْ غلامًا أسودَ. فقال النبي ﷺ: «هل لك من إبل؟» قال: نعم. قال: «فما ألوانُها؟» قال: حمر. قال: «هل فيها من أورق؟» قال: إن فيها لورقًا. قال: فأنى أتاها ذلك؟ قال: «عسى أن يكون نزعه عرق». قال: «وهذا عسى أن يكون نزعه عرق». وزاد في رواية: «ولم يرخّص له في الانتفاء منه».

---

1. شرح المفردات:

● بني فزارة: قبيلة عربية معروفة.
● أسود: أي ذو لون أسود.
● إبل: جمل، والمقصود هنا الإبل التي يملكها الرجل.
● حمر: جمع أحمر، أي لونها أحمر.
● أورق: جمع ورِق (بكسر الراء)، وهو اللون الذي يميل إلى السواد أو البياض، أو هو اللون المختلط، وغالبًا ما يُقصد به لون غير لون الأبوين.
● نزعه عرق: أي جذبه عرق، والمقصود أن الصفة انتقلت له من أصل أو جد قديم.
● الانتفاء منه: أي إنكار نسبه وتركه.

---

2. شرح الحديث:

جاء رجل إلى النبي ﷺ يشك في نسب ابنه لأنه ولد أسود اللون، وهو وزوجته أبيضان، فاستنكر ذلك وتعرّض لشك كبير في نسب الولد. فلم ينكر النبي ﷺ عليه سؤاله، بل قاده بحكمة إلى الجواب عن طريق التشبيه بما يعرفه الرجل من أمور الدنيا.
سأله النبي ﷺ: هل لديك إبل؟ فأجاب: نعم. ثم سأله عن لونها، فقال: حمر (أي حمراء). ثم سأله: هل فيها لون آخر غير الأحمر؟ فقال: نعم، فيها أورق (أي فيها ألوان مختلطة أو سوداء). فسأله النبي ﷺ: كيف جاءها هذا اللون؟ فأجاب الرجل: ربما جاءها من عرق قديم (أي من سلالة سابقة). فقال النبي ﷺ: وكذلك هذا الولد، ربما جاءه سواد اللون من عرق قديم في أسلافك أو أسلاف زوجتك.
وفي رواية أخرى: "ولم يرخّص له في الانتفاء منه"، أي أن النبي ﷺ لم يُجِز له أن ينفي الولد أو يتبرأ منه؛ لأن الشبه في اللون وحده لا يبرر إنكار النسب.

---

3. الدروس المستفادة:

● حكمة النبي ﷺ في التعليم: استخدم التشبيه المادي المحسوس ليفهم الرجل المسألة المعنوية.
● عدم إنكار النسب لمجرد اختلاف اللون: لأن الصفات الوراثية قد تظهر بعد أجيال.
● تحريم التبرؤ من الأبناء بدون دليل شرعي قاطع: كالشهادة على الزنا أو اللعان.
● التثبت في الأمور وعدم الاستعجال في الحكم: خاصة في قضايا النسب والشرف.
● العلم بالوراثة: الحديث يشير إلى حقيقة علمية وهي وجود الصفات المتنحية التي قد تظهر في الأبناء بعد عدة أجيال.

---

4. معلومات إضافية:

- هذا الحديث أصل في مسألة "شبه الولد بأحد الأقارب" وهو ما يعرف في علم الوراثة بـ"العرق" أو "الجين المتنحي".
- العلماء استدلوا به على أن الولد يلحق بالزوج ما لم يثبت الزنا بشهادة أو لعان.
- فيه رد على من يتسرع في اتهام النساء أو إنكار الأبناء لمجرد اختلاف اللون أو الشكل.
- الحديث يربي في المسلم الثقة بالزوجة والاحتياط للأنساب وصيانة الأعراض.

أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا الفهم في الدين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.