اللاعن بين عويمر وبين امرأته

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل سهل بن سعد رضي الله عنه:

---

نص الحديث:

عن سهل بن سعد أن رسول الله ﷺ لاعن بين عويمر وبين امرأته. فقال عويمر: إنْ انطلقتُ بها يا رسول الله، لقد كذبتُ عليها. قال: ففارَقَها قبل أن يأمره رسول الله ﷺ فصارت سنة المتلاعنين.

---

1. شرح المفردات:

● لاعن: أجرى عملية اللعان بين الزوجين وفق الشريعة الإسلامية.
● عويمر: هو صحابي جليل، واسمه عويمر العجلاني.
● كذبتُ عليها: أي أن الزوج ادعى براءة زوجته مما نسبه إليها، واعترف بأنه كاذب في اتهامه.
● فارَقَها: طلقها وانفصل عنها.
● سنة المتلاعنين: السنة الشرعية التي يجب اتباعها في حالات اللعان.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث يتعلق بحادثة اللعان التي وقعت بين الصحابي عويمر العجلاني وزوجته. واللعان هو عملية شرعية تُجرى عندما يتهم الزوج زوجته بالزنا دون أن يأتي بأربعة شهود، فيقسم بالله أربع مرات أنه صادق في اتهامه، ثم الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان كاذبًا. وتقسم المرأة أربع مرات بالله أنها بريئة، ثم الخامسة أن غضب الله عليها إن كان صادقًا.
في هذه القصة، اتهم عويمر زوجته بالزنا، فجاء إلى النبي ﷺ ليجري اللعان بينهما. ولكن أثناء عملية اللعان، تراجع عويمر عن اتهامه وقال: "إن انطلقت بها يا رسول الله، لقد كذبت عليها"، أي اعترف بأنه كاذب في اتهامه لها. ثم طلقها قبل أن يأمره النبي ﷺ بالفراق، لأن اللعان يوجب الفراق بين الزوجين.
فأقر النبي ﷺ فعل عويمر، وصار هذا سنةً يُقتدى بها في حالات اللعان، حيث يجب على الزوجين الفراق بعد اللعان، سواء أمر به القاضي أم لا.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- وجوب التثبت في اتهام الآخرين: خاصة في قضايا العرض والزنا، لأن التهمة الخطيرة تحتاج إلى بينة واضحة.
2- التوبة والاعتراف بالخطأ: كما فعل عويمر عندما اعترف بكذبه على زوجته، وهذا من شيم المؤمنين.
3- حكمة الشريعة في حفظ الأنساب والأعراض: فشرع اللعان لحماية الأعراض من التهم الباطلة، وحفظ الأنساب من الاختلاط.
4- الفراق بعد اللعان: يبين الحديث أن اللعان يوجب الفراق بين الزوجين، ولا يجوز لهما البقاء في الزواج بعد ذلك.
5- السنة العملية: أن أفعال الصحابة التي يُقرها النبي ﷺ تصير سنةً يُقتدى بها.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- اللعان مذكور في القرآن الكريم في سورة النور، الآيات 6-9.
- يشترط للعان أن يكون الزوج عاقلًا بالغًا، وأن يتهم زوجته بالزنا دون بينة.
- بعد اللعان، تبرأ المرأة من الحد (العقوبة)، ولكن يجب الفراق بينهما.
- إذا تراجع الزوج عن اتهامه بعد اللعان، فإنه يُعاقب بقذف المحصنة (80 جلدة)، لأن الاعتراف بالكذب يعني أنه قذفها بغير حق.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يردنا إلى سنن نبيه ﷺ ردًا جميلًا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.