فرق النبي بين أخوي بني العجلان وقال الله يعلم أن أحدكما كاذب

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله ﷺ.
أهلاً بك أيها السائل الكريم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث الذي ذكر حديث عظيم، فيه حكم شرعي مهم يتعلق بالعلاقة الزوجية وحكم القذف بين الزوجين. سأشرحه لك جزءاً جزءاً بحسب الطريقة التي طلبتها، مستنداً إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

أولاً. شرح المفردات:

● قذف امرأته: أي اتهمها بالزنا أو نسبها إلى الفاحشة.
● فرق النبي ﷺ بين أخوي بني العجلان: أي أقام حد القذف وفصل بين الزوجين بحكم اللعان.
● أخوي بني العجلان: هما رجل من قبيلة بني العجلان وامرأته.
● أبيا: أي رفضا وامتنعا عن التوبة والرجوع.
● قال الرجل: مالي؟: أي سأل عن حقه في المهر أو المال.
● فهو أبعد منك: أي المال غير مستحق لك بل هو بعيد عنك.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يروي سعيد بن جبير أنه سأل الصحابي الجليل عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - عن حكم الرجل الذي يقذف زوجته (أي يتهمها بالزنا). فأجابه ابن عمر بقصة واقعية حدثت في عهد النبي ﷺ، حيث جاء رجل من بني العجلان إلى النبي ﷺ واتهم زوجته بالزنا (وهو ما يسمى في الفقه "القذف").
فأمره النبي ﷺ باللعان، وهو الحكم الشرعي الذي شرعه الله في مثل هذه الحالة في سورة النور، حيث يقسم الزوج أربع شهادات بالله أنه لصادق في اتهامه، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان كاذباً. وتقسم الزوجة أربع شهادات بالله أنه لكاذب، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان صادقاً.
ولكن النبي ﷺ بدأ بنصيحة الرحمة، فخاطبهما ثلاث مرات قائلاً: «الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب؟» أي أن الله يعلم الحقيقة وأن أحدكما كاذب في هذه الفرية، فهل منكما من يتراجع ويتوب عن هذه التهمة الباطلة؟ لكن كليهما أصر على موقفه ورفض التراجع.
فلما أصرا على ذلك، أقام النبي ﷺ بينهما حكم اللعان كما أمر الله، وبعد إتمام اللعان فرق بينهما تفريقاً أبدياً، فلا يجوز لهما العودة إلى بعضهما أبداً.
ثم ذكر أيوب أن عمر بن دينار أشار إلى جزء آخر من الحديث وهو سؤال الرجل: «مالي؟» أي ما حقي في المهر أو المال الذي دفعته لها؟ فأجيب: «لا مال لك إن كنت صادقا فقد دخلت بها، وإن كنت كاذبا فهو أبعد منك». والمعنى:
- إن كنت صادقاً في اتهامها بالزنا (وبالتالي كانت الزوجة غير عفيفة عند العقد) فأنت لا تستحق استرداد المهر لأنك دخلت بها واستمتعت بها.
- وإن كنت كاذباً في اتهامها (وهي بريئة) فأنت أبعد الناس عن استرداد المهر، لأنك ظلمتها وفرقت بينكم بغير حق.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة:

1- عظمة الشريعة الإسلامية في حفظ الأعراض والأنساب، وبيان حكمتها في حل النزاعات الزوجية.
2- الرحمة النبوية: حيث قدم النبي ﷺ النصيحة والتوبة قبل إقامة الحد، مما يدل على شفقته على أمته.
3- تحريم القذف: وهو من الكبائر، قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" [النور:23].
4- حكمة اللعان: وهو حكم عدل يحمي الأعراض ويقطع النزاع، ويحفظ حقوق الأبرياء.
5- عدم استرداد المهر في حالة اللعان: سواء كان الزوج صادقاً أو كاذباً، فلا حق له في المهر، وهذا من العقوبة الرادعة للقاذف.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث المتعلقة بأحكام اللعان.
- اللعان خاص بالزوجين فقط، ولا يقبل في غيرها من العلاقات.
- بعد اللعان يحرم على الزوجين العودة إلى بعضهما forever، وتُحرم المرأة عليه أبداً، ويُثبت النسب إذا كان هناك حمل.
- الفقهاء استدلوا بهذا الحديث على أن المهر لا يسترد في حالة اللعان، سواءٌ أكان الزوج صادقاً أم كاذباً.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يحفظ أعراض المسلمين، وأن يرزقنا العمل بشرعه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.