الولد للفراش وللعاهر الحجر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم رواه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، وهو من الأحاديث التي تُعدُّ من أصول الفقه والقضاء في الإسلام، خاصة في مسائل النسب والأحوال الشخصية.

---

أولاً. شرح المفردات:

● الوَلَدُ: الابن أو البنت، والمقصود هنا نسبه وحكمه الشرعي.
● لِلْفِرَاشِ: الفراش هو الزوجية الشرعية، أي الزوج الذي يباشر زوجته في حال صحتها واختيارها.
● وَلِلْعَاهِرِ: العاهر هو الزاني، الذي يقارف الفاحشة.
● الْحَجَرُ: هو الحجر المعروف، وهو كناية عن الحرمان وعدم حصوله على شيء، أي لا نصيب له ولا حق.

---

ثانياً. شرح الحديث:

معنى الحديث النبوي الشريف يتلخص في قاعدتين عظيمتين:
1- "الوَلَدُ لِلْفِرَاشِ": أي أن الولد يُنسب ويلحق بمن كان فراش أمه (أي زوجها الشرعي) عند وقت الحمل، ولو كان هناك شبهة أو احتمال أن يكون من غيره. هذا حكم ثابت لحماية الأنساب وصون الأعراض، ودرءاً للفساد والشكوك. فإذا كانت المرأة متزوجة زواجاً صحيحاً، فالنسب يكون للزوج بكل تأكيد، ولا ينتقل عنه إلا بلعان (وهو حكم خاص إذا أنكر الزوج الولد بشروط معينة).
2- "وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ": أي أن الزاني المحض (الذي ليس له علاقة شرعية بالمرأة) لا حق له في الولد ولا يُنسب إليه أبداً، بل هو محروم منه، كمن يريد أن يمسك حجراً فلا ينفعه. وهذا عقاب له على معصيته وتجرئه على محارم الله، وحماية للمجتمع من اختلاط الأنساب.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- حكمة التشريع الإسلامي: شرع الله هذا الحكم لحماية الأسر من التفكك، وصون أعراض النساء، والحفاظ على أنساب الناس من الاختلاط والضياع، وهو من مقاصد الشريعة الكبرى (حفظ النسل).
2- العدل والرحمة: هذا الحديث فيه عدل عظيم، حيث يحفظ حق الطفل في النسب والرعاية والانتماء إلى أسرة، ويحميه من التشرد وضياع الحقوق.
3- الزجر والردع: فيه زجر شديد عن فعل فاحشة الزنا، حيث أن العاقبة هي الحرمان من أي حق في الولد حتى لو كان من صُلبه بيولوجياً، فهو عقاب دنيوي وأخروي.
4- إبطال دعاوى الجاهلية: كان في الجاهلية ينسب الولد أحياناً للعشيق أو من يدعيه، فأبطل الإسلام هذه العادة ووضع ضوابط صارمة للنسب.
5- ثبوت النسب بالفراش الشرعي: وهو أصل من أصول الفقه، حيث يثبت النسب بالزواج الصحيح، ويُقدم على أي دعوى أخرى أو حتى على البينة أحياناً، درءاً للفساد.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل في باب النسب، ويعمل به القضاة في المحاكم الشرعية إلى يومنا هذا.
- المقصود بالفراش هو الزوج الذي له علاقة شرعية قائمة بالمرأة، ولو كان العاهر (الزاني) هو نفسه الزوج (أي زنى بامرأة ليست زوجته)، فالولد لا ينتسب إليه بل لفراش أمه إن كان لها زوج.
- يستثنى من ذلك حالات محدودة جداً ينقطع فيها نسب الولد عن الفراش، كحالة "اللعان" إذا أنكر الزوج الولد وحلف الأيمان المخصوصة، فحينها ينتفي النسب ويُدعى الولد لأمه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
هذا والله أعلم.