حديث: تسمعون يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما لقي رسول الله ﷺ وأصحابه من المشركين بمكة من الأذى

عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشًا أصابت من رسول الله ﷺ، فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يومًا في الحجر، فذكروا رسول الله ﷺ، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفَّهَ أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا: قال: فبينما هم كذلك، إذ طلع عليهم رسول الله ﷺ، فأقبل يمشي، حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفًا بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فلما مر بهم الثانية، غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، ثم مر بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها، فقال: «تسمعون يا معشر قريش! أما والذي نفس محمد بيده! لقد جئتكم بالذبح»، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم! انصرف راشدًا، فوالله! ما كنت جهولًا، قال: فانصرف رسول الله ﷺ، حتى إذا كان الغد، اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك، إذ طلع عليهم رسول الله ﷺ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به، يقولون له: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول رسول الله ﷺ: «نعم، أنا الذي أقول ذلك»
قال: فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمعٍ ردائه، قال: وقام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دونه يقول وهو يبكي:؟ ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾؟ [سورة غافر: ٢٨] ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشًا بلغت منه قط.

حسن: رواه أحمد (٧٠٣٦) عن يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق قال: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه عروة، فذكره.

عن عروة بن الزبير، عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال: قلت له: ما أكثر ما رأيت قريشًا أصابت من رسول الله ﷺ، فيما كانت تظهر من عداوته؟ قال: حضرتهم وقد اجتمع أشرافهم يومًا في الحجر، فذكروا رسول الله ﷺ، فقالوا: ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل قط، سفَّهَ أحلامنا، وشتم آباءنا، وعاب ديننا، وفرق جماعتنا، وسب آلهتنا، لقد صبرنا منه على أمر عظيم، أو كما قالوا: قال: فبينما هم كذلك، إذ طلع عليهم رسول الله ﷺ، فأقبل يمشي، حتى استلم الركن، ثم مر بهم طائفًا بالبيت، فلما أن مر بهم غمزوه ببعض ما يقول، قال: فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، فلما مر بهم الثانية، غمزوه بمثلها، فعرفت ذلك في وجهه، ثم مضى، ثم مر بهم الثالثة، فغمزوه بمثلها، فقال: «تسمعون يا معشر قريش! أما والذي نفس محمد بيده! لقد جئتكم بالذبح»، فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم رجل إلا كأنما على رأسه طائر واقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه بأحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم! انصرف راشدًا، فوالله! ما كنت جهولًا، قال: فانصرف رسول الله ﷺ، حتى إذا كان الغد، اجتمعوا في الحجر وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه فبينما هم في ذلك، إذ طلع عليهم رسول الله ﷺ، فوثبوا إليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به، يقولون له: أنت الذي تقول كذا وكذا؟ لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم، قال: فيقول رسول الله ﷺ: «نعم، أنا الذي أقول ذلك»
قال: فلقد رأيت رجلا منهم أخذ بمجمعٍ ردائه، قال: وقام أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه دونه يقول وهو يبكي:؟ ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾؟ [سورة غافر: ٢٨] ثم انصرفوا عنه، فإن ذلك لأشد ما رأيت قريشًا بلغت منه قط.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده، وغيره، يحكي لنا جانبًا من صبر النبي ﷺ وتحمله للأذى في سبيل دعوته إلى الله تعالى، وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا بإذن الله.

أولًا:

شرح المفردات:
● أصابت: أي بلغت وأوصلت من الأذى.
● الحِجْر: هو الجزء الشمالي من الكعبة المشرفة، وهو مكان معروف عند العرب يجلسون فيه للتشاور.
● سفَّه أحلامنا: أي وصف عقولنا بالسفه والحمق.
● غمزوه: أي أشاروا إليه بإيحاءات ساخرة أو كلمات جارحة.
● كأنما على رأسه طائر واقع: كناية عن الخوف والذهول، حيث يصبح الإنسان ساكنًا لا يتحرك كأن طائرًا وقف على رأسه.
● يرفؤه: أي يلاطفه ويداريه.
● بمجمع ردائه: أي بمكان تجميع الرداء عند الصدر أو العنق.

ثانيًا. شرح الحديث:


يبدأ الحديث بأن عبد الله بن عمرو بن العاص يسأل عن أشد ما رأى قريشًا تفعله بالنبي ﷺ من الأذى بسبب عداوتهم له. فيجيب بأنه شهد يومًا تجمع أشراف قريش في الحجر، وهم يتذمرون من النبي ﷺ، ويعددون شكاواهم منه: أنه يسفه أحلامهم (يستهزئ بعقولهم)، ويشتم آباءهم، ويعيب دينهم، ويفرق جماعتهم، ويسب آلهتهم. وقد صبروا على كل هذا، لكنهم وصلوا إلى حد الغضب الشديد.
وفي وسط هذا التجمع، يظهر النبي ﷺ، فيمشي بهدوء ويستلم الركن (أي يستلم الحجر الأسود)، ثم يبدأ بالطواف حول الكعبة. وفي كل مرة يمر بهم، يغمزونه (يسخرون منه أو يؤذونه بكلمات جارحة). وقد لاحظ الراوي تأثير هذه الإهانات على وجه النبي ﷺ، لكنه صبر ولم يرد.
وفي المرة الثالثة، لم يتحمل النبي ﷺ هذا الأذى، فوقف وقال لهم: «تسمعون يا معشر قريش! أما والذي نفس محمد بيده! لقد جئتكم بالذبح». أي أنذرهم بعقاب شديد من الله إن استمروا في عداوتهم. فخافوا من هذه الكلمات، وبدلوا من لهجتهم، وأصبحوا يلاطفونه ويقولون له: "انصرف يا أبا القاسم! انصرف راشدًا"، معترفين بأنه ليس بجهول.
وفي اليوم التالي، اجتمعوا مرة أخرى، وتذكروا ما حدث، وتساءلوا: كيف تركونه عندما هددكم؟ وفي هذه المرة، عندما ظهر النبي ﷺ، هجموا عليه جميعًا وأحاطوا به، وواجهوه بقسوة: "أنت الذي تقول كذا وكذا؟" فأجابهم بكل شجاعة: «نعم، أنا الذي أقول ذلك».
وهنا تصاعد الموقف، حتى أن أحدهم أخذ بمجمع رداء النبي ﷺ (أمسك به بعنف)، لكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وقف دونه يبكي، ويستنكر فعلهم بقوله: ﴿أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ﴾؟ فانصرفوا عنه. وهذا الموقف كان من أشد ما رأى الراوي من أذى لقريش تجاه النبي ﷺ.

ثالثًا. الدروس المستفادة:


1- صبر النبي ﷺ على الأذى: فقد تحمل إيذاء قريش وسخريتهم طويلًا، ولم يرد إلا عندما تجاوزوا الحد.
2- شجاعة النبي ﷺ في قول الحق: لم يتردد في الإعلان عن دعوته حتى أمام أعدائه.
3- نصرة الصحابة للنبي ﷺ: موقف أبي بكر رضي الله عنه نموذج للتضحية والدفاع عن النبي ﷺ.
4- خوف الكفار من تهديد النبي ﷺ: عندما هددهم بالعذاب، خافوا وتراجعوا، مما يدل على أن في قلوبهم خوفًا من صدقه.
5- ثبات النبي ﷺ على المبدأ: لم يتراجع عن دعوته رغم كل الضغوط والأذى.

رابعًا. معلومات إضافية:


- هذا الحديث يظهر جانبًا من جوانب الصبر والثبات في الدعوة إلى الله، وهو درس للمسلمين في كل زمان ومكان.
- موقف أبي بكر رضي الله عنه يدل على فضله ومكانته، حيث كان دائمًا يدافع عن النبي ﷺ.
- الآية التي استشهد بها أبو بكر هي من سورة غافر، وهي قصة مؤمن آل فرعون الذي دافع عن موسى عليه السلام، فكأن أبا بكر يشبه موقفه بموقف ذلك المؤمن.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يقتدون برسول الله ﷺ، ويصبرون على الأذى في سبيله، وأن يوفقنا للدفاع عن ديننا ونبينا. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أحمد (٧٠٣٦) عن يعقوب، حدثنا أبي، عن محمد بن إسحاق قال: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير، عن أبيه عروة، فذكره.
وإسناده حسن من أجل تصريح محمد بن إسحاق.
وقد أشار إلى حديث محمد بن إسحاق البخاريُّ عقب حديث (٣٨٥٦) عن عياش بن الوليد، ثنا الوليد بن مسلم بإسناده كما مضى.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 84 من أصل 1279 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: تسمعون يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح

  • 📜 حديث: تسمعون يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: تسمعون يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: تسمعون يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: تسمعون يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب