حديث: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب الهجرة الثانية لأصحابه إلى الحبشة
ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا للنجاشي هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم.
قالت: فخرجا، فقدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار، وخير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قال لكل بطريق منهم: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم. فقالوا لهما: نعم، ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك! إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن، ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، وأعمامهم، وعشائرهم، لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك! قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليردانهم إلى بلادهم وقومهم. قالت: فغضب النجاشي ثم قال: لا هيم الله! إذًا لا أسلمهم إليهما، ولا أكاد قومًا جاوروني ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان، أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك، منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني.
قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله ﷺ فدعاهم، فلما جاءهم رسوله، اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولونه للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله! ما علمنا، وما أمرنا به نبينا ﷺ، كائن في ذلك ما هو كائن، فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم، فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم
فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك! كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمر بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة.
وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - قالت: فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به.
فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا ففتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا، وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه عليّ، فقرأ عليه صدرًا من ﴿كهيعص (١)﴾ [مريم: ١] قالت: فبكى والله! النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم. ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا، ولا أكاد.
قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله! لأنبئنه غدًا أعيبهم عنده، ثم أستأصل به خضراءهم. قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة، وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحامًا، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم عليهما السلام عبد. قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم فسألهم عما يقولون فيه، قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا:
نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا، كائنا في ذلك ما هو كائن. فلما دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشي يده على الأرض فأخذ منها عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال: وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي والسيوم: الآمنون من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دبرًا ذهبًا وإني آذيت رجلا منكم والدبر بلسان الحبشة: الجبل ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع في الناس فأطيعهم فيه. قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.
قالت: فوالله! إنا على ذلك إذ نزل به، يعني من ينازعه في ملكه، قالت: فو الله! ما علمنا حزنًا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوّفًا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه، قالت: وسار النجاشي، وبينهما عرض النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله ﷺ: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا، قالت: وكان من أحدث القوم سنًا، قالت: فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره، ثم سبح عليها، حتى خرج من ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده، واستوثق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله ﷺ وهو بمكة.
حسن: رواه الإمام أحمد (١٧٤٠، ٢٢٤٩٨) والبيهقي في الدلائل (٢/ ٣٠١ - ٣٠٦) كلاهما عن محمد بن إسحاق وهو في سيرة ابن إسحاق (رقم ٢٨٢) قال: حدثني محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب، عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام المخزومي، عن أم سلمة، فذكرته واللفظ لأحمد، وعند غيره نحوه.
![عن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي ﷺ قالت: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير جار، النجاشي، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى،
ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا للنجاشي هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم.
قالت: فخرجا، فقدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار، وخير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قال لكل بطريق منهم: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم. فقالوا لهما: نعم، ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك! إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن، ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، وأعمامهم، وعشائرهم، لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك! قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليردانهم إلى بلادهم وقومهم. قالت: فغضب النجاشي ثم قال: لا هيم الله! إذًا لا أسلمهم إليهما، ولا أكاد قومًا جاوروني ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان، أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك، منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني.
قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله ﷺ فدعاهم، فلما جاءهم رسوله، اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولونه للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله! ما علمنا، وما أمرنا به نبينا ﷺ، كائن في ذلك ما هو كائن، فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم، فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم
فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك! كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمر بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة.
وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - قالت: فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به.
فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا ففتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا، وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه عليّ، فقرأ عليه صدرًا من ﴿كهيعص (١)﴾ [مريم: ١] قالت: فبكى والله! النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم. ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا، ولا أكاد.
قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله! لأنبئنه غدًا أعيبهم عنده، ثم أستأصل به خضراءهم. قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة، وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحامًا، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم ﵉ عبد. قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم فسألهم عما يقولون فيه، قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا:
نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا، كائنا في ذلك ما هو كائن. فلما دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب ﵁: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشي يده على الأرض فأخذ منها عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال: وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي والسيوم: الآمنون من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دبرًا ذهبًا وإني آذيت رجلا منكم والدبر بلسان الحبشة: الجبل ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع في الناس فأطيعهم فيه. قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.
قالت: فوالله! إنا على ذلك إذ نزل به، يعني من ينازعه في ملكه، قالت: فو الله! ما علمنا حزنًا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوّفًا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه، قالت: وسار النجاشي، وبينهما عرض النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله ﷺ: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا، قالت: وكان من أحدث القوم سنًا، قالت: فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره، ثم سبح عليها، حتى خرج من ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده، واستوثق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله ﷺ وهو بمكة. عن أم سلمة ابنة أبي أمية بن المغيرة زوج النبي ﷺ قالت: لما نزلنا أرض الحبشة، جاورنا بها خير جار، النجاشي، أمنّا على ديننا، وعبدنا الله تعالى لا نؤذى،
ولا نسمع شيئًا نكرهه، فلما بلغ ذلك قريشًا ائتمروا أن يبعثوا إلى النجاشي فينا رجلين جلدين وأن يهدوا للنجاشي هدايا مما يستطرف من متاع مكة، وكان من أعجب ما يأتيه منها إليه الأدم، فجمعوا له أدمًا كثيرًا، ولم يتركوا من بطارقته بطريقًا إلا أهدوا له هدية، ثم بعثوا بذلك عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة المخزومي وعمرو بن العاص بن وائل السهمي، وأمروهما أمرهم، وقالوا لهما: ادفعوا إلى كل بطريق هديته قبل أن تكلموا النجاشي فيهم، ثم قدموا للنجاشي هداياه، ثم سلوه أن يسلمهم إليكم قبل أن يكلمهم.
قالت: فخرجا، فقدما على النجاشي، ونحن عنده بخير دار، وخير جار، فلم يبق من بطارقته بطريق إلا دفعا إليه هديته قبل أن يكلما النجاشي، ثم قال لكل بطريق منهم: إنه قد صبا إلى بلد الملك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم ولم يدخلوا في دينكم، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن ولا أنتم، وقد بعثنا إلى الملك فيهم أشراف قومهم لنردهم إليهم، فإذا كلمنا الملك فيهم فتشيروا عليه بأن يسلمهم إلينا ولا يكلمهم، فإن قومهم أعلى بهم عينًا، وأعلم بما عابوا عليهم. فقالوا لهما: نعم، ثم إنهما قربا هداياهم إلى النجاشي فقبلها منهما، ثم كلماه، فقالا له: أيها الملك! إنه قد صبا إلى بلدك منا غلمان سفهاء، فارقوا دين قومهم، ولم يدخلوا في دينك، وجاؤوا بدين مبتدع لا نعرفه نحن، ولا أنت، وقد بعثنا إليك فيهم أشراف قومهم من آبائهم، وأعمامهم، وعشائرهم، لتردهم إليهم، فهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، وعاتبوهم فيه. قالت: ولم يكن شيء أبغض إلى عبد الله بن أبي ربيعة وعمرو بن العاص من أن يسمع النجاشي كلامهم، فقالت بطارقته حوله: صدقوا أيها الملك! قومهم أعلى بهم عينا، وأعلم بما عابوا عليهم، فأسلمهم إليهما، فليردانهم إلى بلادهم وقومهم. قالت: فغضب النجاشي ثم قال: لا هيم الله! إذًا لا أسلمهم إليهما، ولا أكاد قومًا جاوروني ونزلوا بلادي، واختاروني على من سواي، حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم، فإن كانوا كما يقولان، أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم، وإن كانوا على غير ذلك، منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني.
قالت: ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله ﷺ فدعاهم، فلما جاءهم رسوله، اجتمعوا، ثم قال بعضهم لبعض: ما تقولونه للرجل إذا جئتموه؟ قالوا: نقول والله! ما علمنا، وما أمرنا به نبينا ﷺ، كائن في ذلك ما هو كائن، فلما جاؤوه، وقد دعا النجاشي أساقفته، فنشروا مصاحفهم حوله، سألهم، فقال: ما هذا الدين الذي فارقتم
فيه قومكم، ولم تدخلوا في ديني، ولا في دين أحد من هذه الأمم؟ قالت: فكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب، فقال له: أيها الملك! كنا قومًا أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، يأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولًا منا نعرف نسبه وصدقه، وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لنوحده ونعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمر بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنة.
وأمرنا أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئًا، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام - قالت: فعدد عليه أمور الإسلام - فصدقناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به.
فعبدنا الله وحده، فلم نشرك به شيئًا، وحرمنا ما حرم علينا، وأحللنا ما أحل لنا، فعدا علينا قومنا، فعذبونا ففتنونا عن ديننا، ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله، وأن نستحل ما كنا نستحل من الخبائث، فلما قهرونا وظلمونا، وشقوا علينا، وحالوا بيننا وبين ديننا، خرجنا إلى بلدك، واخترناك على من سواك، ورغبنا في جوارك، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك.
قالت: فقال له النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت: فقال له جعفر: نعم، فقال له النجاشي: فاقرأه عليّ، فقرأ عليه صدرًا من ﴿كهيعص (١)﴾ [مريم: ١] قالت: فبكى والله! النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم. ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكم أبدًا، ولا أكاد.
قالت أم سلمة: فلما خرجا من عنده قال عمرو بن العاص: والله! لأنبئنه غدًا أعيبهم عنده، ثم أستأصل به خضراءهم. قالت: فقال له عبد الله بن أبي ربيعة، وكان أتقى الرجلين فينا: لا تفعل، فإن لهم أرحامًا، وإن كانوا قد خالفونا. قال: والله لأخبرنه أنهم يزعمون أن عيسى ابن مريم ﵉ عبد. قالت: ثم غدا عليه الغد، فقال له: أيها الملك إنهم يقولون في عيسى ابن مريم قولًا عظيمًا، فأرسل إليهم فسألهم عما يقولون فيه، قالت: فأرسل إليهم يسألهم عنه، قالت: ولم ينزل بنا مثلها، فاجتمع القوم فقال بعضهم لبعض: ماذا تقولون في عيسى إذا سألكم عنه؟ قالوا:
نقول والله فيه ما قال الله وما جاء به نبينا، كائنا في ذلك ما هو كائن. فلما دخلوا عليه، قال لهم: ما تقولون في عيسى ابن مريم؟ فقال له جعفر بن أبي طالب ﵁: نقول فيه الذي جاء به نبينا: هو عبد الله ورسوله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، قالت: فضرب النجاشي يده على الأرض فأخذ منها عودًا، ثم قال: ما عدا عيسى ابن مريم ما قلت هذا العود، فناخرت بطارقته حوله حين قال ما قال فقال: وإن نخرتم والله اذهبوا فأنتم سيوم بأرضي والسيوم: الآمنون من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، ثم من سبكم غرم، فما أحب أن لي دبرًا ذهبًا وإني آذيت رجلا منكم والدبر بلسان الحبشة: الجبل ردوا عليهما هداياهما، فلا حاجة لنا بها، فوالله ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع في الناس فأطيعهم فيه. قالت: فخرجا من عنده مقبوحين مردودًا عليهما ما جاءا به، وأقمنا عنده بخير دار مع خير جار.
قالت: فوالله! إنا على ذلك إذ نزل به، يعني من ينازعه في ملكه، قالت: فو الله! ما علمنا حزنًا قط كان أشد من حزن حزناه عند ذلك، تخوّفًا أن يظهر ذلك على النجاشي، فيأتي رجل لا يعرف من حقنا ما كان النجاشي يعرف منه، قالت: وسار النجاشي، وبينهما عرض النيل، قالت: فقال أصحاب رسول الله ﷺ: من رجل يخرج حتى يحضر وقعة القوم ثم يأتينا بالخبر؟ قالت: فقال الزبير بن العوام: أنا، قالت: وكان من أحدث القوم سنًا، قالت: فنفخوا له قربة، فجعلها في صدره، ثم سبح عليها، حتى خرج من ناحية النيل التي بها ملتقى القوم، ثم انطلق حتى حضرهم، قالت: ودعونا الله للنجاشي بالظهور على عدوه، والتمكين له في بلاده، واستوثق عليه أمر الحبشة، فكنا عنده في خير منزل، حتى قدمنا على رسول الله ﷺ وهو بمكة.](img/Hadith/hadith_8538.png)
شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.أما بعد، فإن هذا الحديث العظيم الذي روتْه أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها يروي قصة هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة، وهو من الأحاديث التي تُبرز عظمة الإيمان وثبات المسلمين الأوائل، وحماية الله تعالى لدينه وأهله. وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا مع بيان الدروس والعبر المستفادة منه.
أولًا:
شرح المفردات:● جاورنا: أي سكنّا وأقمنا بجواره.
● النجاشي: هو ملك الحبشة وكان ملكًا عادلًا.
● جلدين: أي شديدين قويين في المكر والحيلة.
● يستطرف: ما يُستطرف ويُستحسن من المتاع.
● الأدم: هي الجلود المدبوغة، وكانت من أفخر الهدايا في ذلك الوقت.
● بطارقته: وزراؤه ومقربوه.
● صبا: مالوا وخرجوا.
● سفهاء: جهلة ضعفاء العقل (كما زعمت قريش).
● هيم الله: كلمة حبشية تعني "حاشا لله" أو "لا يفعل الله ذلك".
● أخضل لحيته: بلّلها بالدموع حتى ابتلت.
● مشكاة واحدة: أي من مصدر واحد وهو الوحي.
● ناخرت بطارقته: أي أنَّتْ وأظهرت استنكارًا.
● سيوم: الآمنون.
● غرم: أي يغرم ويعاقب.
● دبرًا ذهبًا: جبلًا من ذهب.
● مقبوحين: مذمومين مخذولين.
ثانيًا. شرح الحديث:
1- بداية الهجرة إلى الحبشة:
هاجر المسلمون إلى الحبشة فرارًا بدينهم من اضطهاد قريش، فاستقبلهم النجاشي أحسن استقبال، وأمنهم على دينهم، وعبدوا الله دون أذى.
2- مكر قريش:
بلغ قريشًا أن المسلمين في أمان، فحسدتهم قلوبهم، وأرادوا إرجاعهم ليعيدوهم إلى الشرك، فأرسلوا عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة بهدايا ثمينة للنجاشي وبطارقته لاستمالتهم.
3- خطة قريش الخبيثة:
أوصت قريش رسوليها أن يقدموا الهدايا للبطارقة أولًا، ثم للنجاشي، ويطلبوا تسليم المسلمين قبل أن يسمع كلامهم، حتى لا يظهر حقهم.
4- ردُّ النجاشي الحكيم:
رفض النجاشي أن يسلم المسلمين دون أن يسمع منهم، ودعاهم وسألهم عن دينهم.
5- خطاب جعفر بن أبي طالب:
قام جعفر رضي الله عنه بشرح الإسلام شرحًا وافيًا، فبيّن حالهم في الجاهلية، ثم بعثة النبي ﷺ، وما دعاهم إليه من توحيد الله وترك الشرك، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
6- تلاوة القرآن وبكاء النجاشي:
عندما تلا جعفر صدرًا من سورة مريم، بكى النجاشي ومن حوله حتى بلّت دموعهم لحاهم ومصاحفهم، وشهد بأن هذا الكلام من同一 المشكاة التي جاء بها موسى.
7- مكر عمرو بن العاص مرة أخرى:
حاول عمرو أن يوقع بين المسلمين والنجاشي بالكذب عليهم في قولهم في عيسى عليه السلام، فردّ جعفر بقوله: "هو عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم"، فشهد النجاشي بصحة قولهم وطرد رسلي قريش.
8- ثبات المسلمين ونصرتهم:
أعلن النجاشي حمايته للمسلمين، وردّ هدايا قريش، وقال كلمته المشهورة: "ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه".
9- خوف المسلمين على النجاشي ثم نصرته:
عندما خاف المسلمون من انتصار عدوّ على النجاشي، دعوا له، وذهب الزبير بن العوام لاستطلاع الأخبار، ثم انتصر النجاشي by the will of الله.
ثالثًا. الدروس المستفادة من الحديث:
1- الثبات على الدين:
ثبات المسلمين على دينهم رغم الاضطهاد والتهديد.
2- الحكمة في الدعوة:
بيان جعفر بن أبي طالب للإسلام بأسلوب واضح ومؤثر.
3- عدل الحاكم غير المسلم:
النجاشي مثلًا للحاكم العادل الذي ينصر الحق حتى لو كان من غير دينه.
4- رفض الرشوة والفساد:
قول النجاشي: "ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي فآخذ الرشوة فيه" درس في نزاهة الحكام.
5- التوكل على الله والدعاء:
دعاء المسلمين للنجاشي عند محنته، وثقتهم بنصر الله.
6- الرد على الفرية بالحق:
رد جعفر على فرية قريش في قولهم عن عيسى عليه السلام بالحق من القرآن والسنة.
7- الهجرة في سبيل الله:
الهجرة ليست هروبًا، بل حفظًا للدين وطلبًا للأمان للعبادة.
رابعًا. فوائد إضافية:
- هذا الحديث من أبلغ الأدلة على عدالة النجاشي وحكمته، حتى إن النبي ﷺ صلى عليه صلاة الغائب عندما مات.
- فيه بيانٌ لأخلاق المسلمين وصدقهم، وقوة حجتهم بالقرآن الكريم.
- يُستفاد منه أن الحق يعلو ولا يُعلى عليه، وأن الباطل مهما عَظُم مكرُه فإن الله ناصِر دينه.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من أهل الإيمان والثبات، وأن ينصر دينه ويُعلي كلمته.
وص
تخريج الحديث
وإسناده حسن من أجل محمد بن إسحاق. وليس في سياقهم قوله ﷺ: «لو خرجتم إلى أرض الحبشة فإن بها مَلِكًا لا يظلم أحد عنده».
قصة قول النجاشي: «ما أخذ الله مني الرشوة حين رد عليَّ مُلْكي»:
قال ابن إسحاق: قال الزهري: فحدثت عروة بن الزبير حديث أبي بكر بن عبد الرحمن، عن أم سلمة زوج النبي ﷺ فقال: هل تدري ما قوله: ما أخذ الله مني الرشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه؟ قال: قلت: لا، قال: فإن عائشة أم المؤمنين حدتتني أن أباه كان ملك قومه، ولم يكن له ولد إلا النجاشي، وكان للنجاشي عم، له من صلبه اثنا عشر رجلًا، وكانوا أهل بيت مملكة الحبشة، فقالت الحبشة بينهما: لو أنا قتلنا أبا النجاشي وملكنا أخاه فإنه لا ولد له غير هذا الغلام، وإن لأخيه من صلبه اثني عشر رجلًا، فتوارثوا ملكه من بعده، بقيت الحبشة بعده دهرًا، فغدوا على أبي النجاشي فقتلوه، وملّكوه أخاه، فمكثوا على ذلك حينا.
ونشأ النجاشي مع عمه، وكان لبيبا حازما من الرجال، فغلب على أمر عمه، ونزل منه بكل منزلة، فلما رأت الحبشة مكانه (منه) قال بينهما: والله لقد غلب هذا الفتى على أمر عمه، وإنا لنتخوف أن يملكه علينا، وإن ملكه علينا ليقتلنا أجمعين، لقد عرف أنا نحن قتلنا أباه. فمشوا إلى عمه فقالوا: إما أن تقتل هذا الفتى، وإما أن تخرجه من بين أظهرنا، فإنا قد خفناه على أنفسنا، قال: ويلكم! قتلت أباه بالأمس، وأقتله اليوم! بل أخرجه من بلادكم. قالت: فخرجوا به إلى السوق، فباعوه من رجل من التجار بست مئة درهم، فقذفه في سفينة فانطلق به، حتى إذا كان العشي من ذلك اليوم، هاجت سحابة من سحائب الخريف فخرج عمه يستمطر تحتها، فأصابته صاعقة فقتلته، قالت: ففزعت الحبشة إلى ولده، فإذا هو محمق، ليس في ولده خير، فمرج على الحبشة أمرهم.
فلما ضاق عليهم ما هم فيه من ذلك، قال بعضهم لبعض: تعلّموا والله أن ملككم الذي لا يقيم أمركم غيره للذي بعتم غدوة، فإن كان لكم بأمر الحبشة حاجة فأدركوه (الآن) قالت: فخرجوا في طلبه، وطلب الرجل الذي باعوه منه حتى أدركوه، فأخذوه منه، ثم جاءوا به، فعقدوا عليه التاج، وأقعدوه على سرير الملك، فملّكوه.
فجاءهم التاجر الذي كانوا باعوه منه، فقال: إما أن تعطوني مالي، وإما أن أكلّمه في ذلك؟ قالوا: لا نعطيك شيئًا، قال: إذن والله أكلّمه، قالوا: فدونك وإياه. قالت: فجاءه فجلس بين يديه، فقال: أيها الملك! ابتعت غلامًا من قوم بالسوق بست مئة درهم، فأسلموا إليّ غلامي وأخذوا دراهمي، حتى إذا سرت بغلامي أدركوني، فأخذوا غلامي، ومنعوني دراهمي، قالت: فقال لهم النجاشي: لتعطنه دراهمه، قالت: فلذلك يقول: ما أخذ الله مني رشوة حين رد علي ملكي، فآخذ الرشوة فيه، وما أطاع الناس فيّ فأطيع الناس فيه.
قالت: وكان ذلك أول ما خبر من صلابته في دينه، وعدله في حكمه.
قال ابن إسحاق: وحدثني يزيد بن رومان عن عروة بن الزبير، عن عائشة، قالت: لما مات
النجاشي، كانت يتحدت أنه لا يزال على قبره نور.
انظر سيرة ابن هشام (١/ ٣٣٩ - ٣٤٠) وهي من أخبار الماضين، وليس فيه شيء مرفوع. ولذا لا نصدقه ولا نكذبه.
وقول عائشة: لما مات النجاشي كان يتحدث .... رواه أيضًا أبو داود (٢٥٢٣) من طريق محمد بن إسحاق.
ومن أخبار النجاشي خروج الحبشة عليه.
قال ابن إسحاق: وحدثني جعفر بن محمد، عن أبيه قال: اجتمعت الحبشة فقالوا للنجاشي: إنك قد فارقت ديننا، وخرجوا عليه، فأرسل إلى جعفر وأصحابه، فهيأ لهم سُفنًا، وقال: اركبوا فيها وكونوا كما أنتم، فإن هزمت فامضوا حتى تلحقوا بحيث شئتم، وإن ظفرت فاثبتوا. ثم عمد إلى كتاب فكتب فيه: هو يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، ويشهد أن عيسى ابن مريم عبده ورسوله وروحه، وكلمته ألقاها إلى مريم، ثم جعله في قبائه عند المنكب الأيمن، وخرج إلى الحبشة، وصفوا له، فقال: يا معشر الحبشة! ألست أحق الناس بكم؟ قالوا: بلى، قال: فكيف رأيتم سيرتي فيكم؟ قالوا: خير سيرة، قال: فما بالكم؟ قالوا: فارقت ديننا، وزعمت أن عيسى عبد، قال: فما تقولون أنتم في عيسى؟ قالوا: نقول هو ابن الله، فقال النجاشي ووضع يده على صدره على قبائه: هو يشهد أن عيسى ابن مريم، لم يزد على هذا شيئًا، وإنما يعني ما كتب، فرضوا وانصرفوا عنه. فبلغ ذلك النبي ﷺ فلما مات النجاشي صلى عليه، واستغفر له.
سيرة ابن هشام (١/ ٣٤٠ - ٣٤١) وقد ثبت في الصحيحين أن النبي ﷺ صلى على النجاشي كما سبق في كتاب الجنائز.
وكان موت النجاشي في رجب من سنة تسع، ونعاه رسول الله ﷺ إلى الناس في اليوم الذي مات فيه. وصلى عليه بالبقيع. رفع إليه سريره بأرض الحبشة حتى رآه وهو بالمدينة فصلى عليه. الروض الأنف (٣/ ٢٦٢).
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 98 من أصل 1279 حديثاً له شرح
- 73 أم سعد تحلف ألا تكلمه حتى يكفر بدينه
- 74 أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان وأن يوحد الله
- 75 أول من أسلم علي أم أبو بكر الصديق؟
- 76 أول من صلى علي.
- 77 ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن...
- 78 انشقاق القمر آية للنبي ﷺ
- 79 انشق القمر ونحن مع النبي ﷺ فصار فرقتين
- 80 طلب أهل مكة من النبي ﷺ جعل الصفا ذهبًا
- 81 دعاء النبي أن يفتح الله باب التوبة والرحمة لقريش.
- 82 أبو جهل يضع سلى الجزور على ظهر النبي ﷺ أثناء...
- 83 عقبة بن أبي معيط يخنق رسول الله ﷺ عند الكعبة
- 84 تسمعون يا معشر قريش لقد جئتكم بالذبح
- 85 أوذيت في الله وما يؤذى أحد
- 86 ضربوا رسول الله ﷺ مرة حتى غشي عليه
- 87 يُتِمّنّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب ما يخاف إلا...
- 88 إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين، فقال: بل أرجو أن...
- 89 عنوان الحديث: "لا تغبّروا علينا قالها عبد الله بن أبي...
- 90 يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا
- 91 ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم
- 92 عبد بن الحضرمي يعلّم محمدًا صاحب الكتب
- 93 كفى الله المستهزئين بالرسول ﷺ
- 94 النبي ﷺ لا يطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي
- 95 إنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم
- 96 خمس قد مضين: اللزام والروم والبطشة والقمر والدخان
- 97 سجود النبي والمسلمين والمشركين عند نزول سورة النجم
- 98 لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي
- 99 إنا لا نسجد إلا لله
- 100 مخرج النبي ﷺ ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه
- 101 لحق رسول الله ﷺ وأبو بكر بغار في جبل ثور،...
- 102 نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر
- 103 هو في ضحضاح من نار ولولا أنا لكان في الدرك...
- 104 رسول الله ﷺ يدعو أبا طالب لقول لا إله إلا...
- 105 قال أبو طالب: لولا تعيرني قريش يقولون: إنما حمله على...
- 106 شفاعتي تنفعه يوم القيامة فيضعه الله في ضحضاح من النار
- 107 أهون أهل النار عذابًا أبو طالب
- 108 قصة عداس
- 109 إلى من تكلني إلى بعيد يتجهمني أو إلى عدو ملكته...
- 110 فَرَجَ سقف بيتي وأنا بمكة فنزل جبريل
- 111 شرح صدر النبي ﷺ بماء زمزم
- 112 الإسراء والمعراج: رحلة النبي محمد إلى السماوات السبع
- 113 شق جبريل صدر النبي وغسله بماء زمزم
- 114 من يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم
- 115 عقوبة من يأمر بالبر وينسى نفسه
- 116 ما يحملك على هذا فوالله ما ركبك أحد أكرم على...
- 117 لقيت موسى مضطرب رجل الرأس
- 118 رأيت موسى رجلًا آدم طوالًا جعدًا كأنه من رجال شنوءة
- 119 انظروا إلى صاحبكم وأمّا موسى فرجل آدم جعد
- 120 موسى هابطًا من الثنية وله جؤار إلى الله بالتلبية
- 121 إني أسري بي الليلة إلى بيت المقدس
- 122 رائحة ماشطة ابنة فرعون وأولادها في ليلة الإسراء
معلومات عن حديث: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي
📜 حديث: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: لما نزلنا أرض الحبشة جاورنا بها خير جار النجاشي
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, December 17, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








