نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام البخاري في صحيحه، وسأشرحه لك بتفصيل وافٍ إن شاء الله، معتمداً على كلام أهل العلم المعتبرين.
### أولاً. نص الحديث وروايته
الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر وهو بمنى: «نحن نازلون غدًا بخَيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر». يعني بذلك المحصّب. وذلك أن قريشًا وكنانة، تحالفت علي بني هاشم وبني عبد المطلب - أو بني المطلب - أن لا يناكحوهم، ولا يبايعوهم حتى يسلموا إليهم النبي صلى الله عليه وسلم.
### ثانياً. شرح المفردات
● من الغد يوم النحر: أي في اليوم التالي ليوم عيد الأضحى (اليوم الحادي عشر من ذي الحجة).
● بمنى: المكان المعروف الذي يبيت فيه الحجاج أيام التشريق.
● خيف بني كنانة: "الخيف" هو ما انحدر من الجبل وارتفع عن المسيل، وهو مكان معروف قرب منى. وكنانة هي قبيلة عربية.
● تقاسموا على الكفر: أي تعاهدوا وتحالفوا على أمر كافرٍ وهو مقاطعة بني هاشم.
● المحصّب: هو مكان بين منى ومكة، يُسمى أيضاً "الأبطح" أو "ذو الحليفة"، كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل فيه أحياناً عند خروجه من منى.
● تحالفت: تعاهدت وتواعدت.
● أن لا يناكحوهم: أي لا يتزوجون منهم.
● ولا يبايعوهم: أي لا يشترون منهم ولا يبيعون لهم، مقاطعة اقتصادية كاملة.
### ثالثاً. شرح الحديث
يخبرنا أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم، في اليوم الحادي عشر من ذي الحجة (أول أيام التشريق) وهو في منى أثناء حجة الوداع، أخبر الصحابة أنهم سينزلون في اليوم التالي في مكان يسمى "خيف بني كنانة"، وهو المكان نفسه الذي تحالفت فيه قريش وقبيلة كنانة على مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب (أو بني المطلب) اقتصادياً واجتماعياً، وذلك لمجرد أنهم حموا النبي صلى الله عليه وسلم ورفضوا تسليمه لهم ليقضوا عليه.
ثم يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا المكان الذي تحالفوا فيه على الكفر والظلم، سينزل فيه هو وأصحابه ظافرين منصورين، وذلك بعد أن أذل الله الكفر وأهله، وأعز الإسلام وأهله. فهذه إشارة إلى تمام نعمة الله، وانتصار الحق على الباطل.
### رابعاً. الدروس المستفادة والعبر
1- عزة الإسلام والمسلمين: في هذا المشهد تتجلى عزة الإسلام، بعد أن كان المسلمون مستضعفين في مكة، يصبحون أقوياء ينزلون في نفس المكان الذي حُوصروا فيه، ولكن هذه المرة منتصرين.
2- انتصار الحق على الباطل: لا يبقى باطل وإن علا وتجبر، فإن مصيره إلى زوال، كما زال حلف الكفر هذا.
3- التذكير بنعم الله: في هذا الموقف يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بنعمة الله عليهم، حيث أنقذهم من الظلم والعدوان الذي كانوا فيه.
4- التاريخ يعيد نفسه ولكن بنتائج مختلفة: نزل المسلمون في المكان نفسه الذي حُوصروا فيه، ولكن هذه المرة كان النصر حليفهم.
5- قوة التوحيد وضعف الشرك: فإن تلك القبائل المتحالفة بالشرك قد تفرقت وتشتت، بينما اجتمع المسلمون على كلمة التوحيد وقويت شوكتهم.

---

خامساً:

معلومات إضافية
● حلف الظالمين: الحلف الذي أشار إليه الحديث هو "حصار الشِّعب" أو "مقاطعة قريش لبني هاشم"، الذي استمر ثلاث سنوات، عانى خلالها المسلمون والمؤمنون من بني هاشم أشد المعاناة، حتى نقضت الصحيفة التي كتبوها بظلمهم وعدوانهم.
● مكان النزول (المحصّب): سنة النزول بالمحصّب عند الانصراف من منى ليست سنة مؤكدة، بل كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعلها أحياناً لأسباب، وقد تركها في حجة الوداع كما في روايات أخرى، فالأمر فيها واسع.
● العبرة بالمعاني: العبرة ليست بالمكان نفسه، بل بالمعنى الذي تحمله هذه الواقعة، من انتصار الحق وتذكير المسلمين بنعمة الله.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.