إنه أعلم لأحدكم أن يقول لما لا يعلم: الله أعلم

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث الذي رواه مسروق عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، مع بيان مفرداته ومعانيه والدروس المستفادة منه:

---

1. شرح المفردات:

● مضطجع: مستلقٍ على جنبه أو ظهره في حالة راحة.
● قاصًّا: شخصًا يقص القصص أو يتكلم في الأمور الدينية بغير علم.
● كهيئة الزكام: مثل أعراض الزكام (العطس ورشح الأنف) دون ضرر حقيقي.
● اتقوا الله: اخشوا الله واحذروا عقابه.
● المتكلفين: المتصنعين المتكلمين بغير علم.
● إدبارًا: أعرضوا عن الإسلام وتركوه.
● سنة: مجاعة وقحط.
● حصت كل شيء: أتت على كل شيء وأهلكته.
● اللزام: العذاب الملازم (وهنا يشير إلى معركة بدر أو عذاب لازم للكفار).

---

2. شرح الحديث:

يحدثنا مسروق أنهم كانوا جالسين عند عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو مضطجع (في حالة استرخاء)، فجاءهم رجل وأخبرهم أن هناك قاصًا (واعظًا) عند أبواب كندة يفسر آية الدخان (من سورة الدخان) تفسيرًا خاطئًا، حيث زعم أن الدخان سيأتي في المستقبل فيأخذ بأنفاس الكفار فيؤذيهم، بينما المؤمنون لا يتأثرون منه إلا كما يتأثر الإنسان من الزكام (أي بشكل طفيف).
فغضب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وجلس (وهي هيئة الجد والغضب لله)، ونادى الناس محذرًا إياهم من الكلام بغير علم، وأمرهم بأن من يعلم شيئًا فليقل به، ومن لا يعلم فليقل "الله أعلم"، لأن هذا من الأدب مع الله وتجنب التحذلق والكلام بدون علم. ثم استشهد بقول الله تعالى لنبيه: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ} [ص: 86]، أي لست متكلفًا ولا أتحدث بغير علم.
ثم شرع رضي الله عنه في بيان التفسير الصحيح لآية الدخان، فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الناس يُعرضون عن دعوته ويتأخرون عن الإسلام، دعا عليهم بقوله: "اللهم سبع كسبع يوسف"، أي اجعل عليهم سبع سنين مجاعة مثلما حدث في زمن يوسف عليه السلام. فاستجاب الله دعوته، وأصابهم قحط شديد أكلوا فيه الجلود والميتة من شدة الجوع، وكانوا ينظرون إلى السماء فيرون شيئًا مثل الدخان بسبب ما هم فيه من جوع وضيق.
ثم جاء أبو سفيان (قبل إسلامه) إلى النبي صلى الله عليه وسلم وشكا له حال قريش، وقال: إنك تأمر بطاعة الله وصلة الرحم، وقومك هلكوا من الجوع، فادع الله أن يكشف عنهم. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم فكشف الله عنهم العذاب.
ثم بين ابن مسعود أن آية الدخان قد مضت وانتهت، وهي ما حدث في مكة من مجاعة، وليست علامة مستقبلية كما زعم ذلك القاص. وكذلك بين أن "البطشة" المذكورة في سورة الدخان هي يوم بدر (حين انتصر المسلمون على الكفار)، وأن "اللزام" هو العذاب الملازم للكفار، وقد مضى ذلك كله.

---

3. الدروس المستفادة منه:

● تحذير شديد من الكلام في الدين بغير علم: وهذا من أخطر الأمور، لأنه يتعلق بتفسير القرآن والحديث بغير علم، مما يؤدي إلى الضلال.
● الأمر بالتقوى والورع في الكلام: خاصة في أمور الدين، وأن على المسلم أن يتوقف عند حد علمه، وإذا لم يعلم فليقل "الله أعلم".
● بيان خطر الوعظ بغير علم: فالقصاص والوعاظ الذين يتكلمون بدون علم يضلون الناس، ولهذا غضب ابن مسعود رضي الله عنه.
● التفسير الصحيح للقرآن يجب أن يؤخذ من أهل العلم: وليس من أي شخص، وقد بين ابن مسعود التفسير الصحيح لآية الدخان بأنها حدثت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم.
● الدعاء يمكن أن يغير الأقدار: كما دعا النبي صلى الله عليه وسلم على قريش بالمجاعة، ثم دعا لهم بالراحة حين طلبوا منه ذلك.
● الصبر على الأذى: كما صبر النبي صلى الله عليه وسلم على إعراض قريش، ودعا عليهم حين استحقوا ذلك.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث رواه البخاري في صحيحه (كتاب التفسير، باب سورة الدخان)، وهو حديث صحيح.
- آية الدخان هي من الآيات التي حدثت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وليست من علامات الساعة الكبرى، خلافًا لما اشتهر عند بعض الناس.
- عبد الله بن مسعود رضي الله هو أحد كبار الصحابة وفحول العلماء، وكان من أعلم الناس بالقرآن وتفسيره.
- في هذا الحديث تحذير من "القصاص" الذين كانوا يظهرون في المساجد ويقصون القصص بغير علم، وقد نهى العلماء عن ذلك.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.