يضطجع مع زوجته الحائض وبينهما ثوب

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الشريف رواه الإمام البخاري في صحيحه (كتاب الحيض، باب مباشرة الحائض) والإمام مسلم وغيرهما، عن أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها وأرضاها.

---

أولاً. شرح المفردات:

● يَضْطَجِعُ: يعني يتكئ ويستلقي على جنبه، وهي صفة من صفات الاسترخاء والرقاد.
● مَعِي: أي بجواري وفي فراشي.
● حَائِض: المرأة التي خرج منها دم الحيض.
● ثَوْب: يعني كساء أو غطاء أو لحاف يفصل بين جسديهما.

---

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبرنا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشارك زوجته ميمونة رضي الله عنها الفراش وهي في حالة الحيض، ولكن كان يفصل بين جسديهما ثوب أو غطاء، بحيث لا يلامس جسده جسدها مباشرة في تلك الحالة.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في الحديث:

1- جواز مضاجعة الحائض ومبيتها مع زوجها في فراش واحد: وهذا من رحمة الإسلام ويسره، حيث أباح للزوج أن ينام بجانب زوجته ويؤانسها حتى في فترة الحيض، مما يدعم أواصر المودة والألفة بينهما.
2- اشتراط وجود حاجز بينهما: الأمر الذي دل عليه قولها: "وبيني وبينه ثوب". وهذا الحاجز (الثوب) يمنع الملامسة المباشرة، وهو من باب الاحتياط والطهارة.
3- بيان طهارة بدن الحائض وريحها: فوجودها في الفراش مع زوجها يدل على أن حكم النجاسة مختص بموضع الدم فقط، أما بقية بدنها فطاهر، وكذلك نفسها وصوتها، فلا يحرم الاستمتاع بحديثها أو مجالستها.
4- رفع الحرج عن الأمة: حيث بين النبي صلى الله عليه وسلم بالأفعال والأقوال أن الحيض أمر فطري لا يقطع علاقة الزوجية إلا في موضع الجماع مباشرة.
5- التأكيد على العفة والطهارة: حتى في أشد حالات الألفة والاسترخاء، كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرص على هذه الآداب، ليعلم الأمة أن القرب من المعصية أو مواطن الشبهة ممنوع حتى مع وجود الأعذار.

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من الأدلة التي يستدل بها الفقهاء على جواز استمتاع الزوج بزوجته الحائض في كل شيء إلا الجماع، كالقبلة واللمس والمعانقة، ما دام ذلك بدون جماع.
- الفاصل (الثوب) بينهما ليس شرطاً عند جميع العلماء، بل ذهب بعضهم إلى جواز المضاجعة بدون فاصل إذا أمن الرجل على نفسه من الجماع، ولكن فعل النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى والأكمل.
- في هذا الحديث بيان للوسطية في الدين، حيث لم يمنع الزوج من مؤانسة زوجته في فترة الحيض، ولم يبح له كل شيء، بل وضع ضوابط تحفظ كرامة المرأة وصحة العلاقة الزوجية.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في الدين، والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في كل صغيرة وكبيرة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.