اغتسلي عند كل صلاة وصلي

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أهلاً وسهلاً بك أيها السائل الكريم، وأشكرك على حرصك على فهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذا الحديث من الأحاديث المهمة التي تتعلق بأحكام الطهارة للمرأة، وسأشرحه لك شرحاً وافياً مستنداً إلى كلام أهل العلم المعتبرين.

---

نص الحديث:

عن زينب بنت أبي سلمة: "أنَّ امْرَأَةً كَانَتْ تُهَرَاقُ الدَّمَ، وَكَانَتْ تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَمَرَهَا أَنْ تَغْتَسِلَ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَتُصَلِّيَ".
(رواه البخاري في "صحيحه" واللفظ له، ومسلم والنسائي وغيرهم).

---

الشرح التفصيلي:

---

# 1. شرح المفردات:

● تُهَرَاقُ الدَّمَ: أي يسيل الدم منها باستمرار، وهي المرأة التي تعاني من استحاضة، وهو دم علةٍ ومرضٍ يخرج من المرأة في غير أوقات الحيض والنفاس المعتادة.
● تَحْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أي هي زوجة لعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه، أحد العشرة المبشرين بالجنة.
● تَغْتَسِلُ: أي تؤدي الغسل الكامل من الجنابة.
● عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ: أي قبل دخول وقت كل صلاة مفروضة.

---

# 2. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبرنا هذا الحديث عن امرأة كانت تعاني من نزيف دم مستمر (استحاضة)، فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل غسلاً كاملاً عند دخول وقت كل صلاة مفروضة (الظهر، العصر، المغرب، العشاء، الفجر)، ثم تصلي بعد ذلك. هذا الأمر منه صلى الله عليه وسلم هو تشريع لهذه المرأة الخاصة ولأمثالها ممن يعانين من هذه الحالة.

---

# 3. الدروس والمستفادات الفقهية والعملية:

هذا الحديث أصل من أصول باب الاستحاضة في الفقه، وتستفاد منه فوائد عظيمة:
* تمييز الدماء: الحديث يوضح أن الدماء التي تخرج من المرأة أنواع: حيض ونفاس واستحاضة. والاستحاضة دم مرض لا يمنع من الصلاة والصيام والطواف وقراءة القرآن، بخلاف الحيض والنفاس.
* التيسير ورفع الحرج: أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بالاغتسال لكل صلاة دليل على التيسير عليها، وعدم تكليفها بالاغتسال لكل صلاة نافلة أو لكل دخول وقت، بل للصلوات الخمس فقط. وهذا من رحمة الشريعة ومراعاتها للظروف الخاصة.
* طريقة الطهارة للمستحاضة: الحكم الشرعي المستفاد هو أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة بعد أن تغتسل غسلاً واحداً عند أول كل وقت. (وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن الغسل مرة واحدة عند دخول الوقت يكفي، ثم تتوضأ بعد ذلك للصلوات الأخرى في نفس الوقت إذا انتقض وضوؤها، وهو قول للشافعي وأحمد. وقيل: تغتسل لكل صلاة، وهو قول في مذهب أبي حنيفة ومالك، واستدلوا بظاهر هذا الحديث).
* وجوب الصلاة على المستحاضة: الحديث دليل واضح على أن الصلاة واجبة على المستحاضة، وأن حالتها هذه لا تعطلها عن عبادة ربها، بعكس الحائض.
* العناية بالطهارة والنظافة: الأمر بالاغتسال المتكرر فيه عناية بنظافة الجسم والتطهر من أثر الدم، مما يحفظ للمرأة صحتها وكرامتها.

---

# 4. معلومات إضافية مفيدة:

● المرأة المذكورة: هي أم حبيبة بنت جحش الأسدية، رضي الله عنها، زوجة عبد الرحمن بن عوف.
● الفرق بين الاغتسال والوضوء: الاغتسال هنا للاستحاضة فيه خلاف بين العلماء، والأرجح أنه غسل مشروع للطهارة وليس غسل جنابة، فهو للتبرد والنظافة وقطع رائحة الدم أكثر منه لحكم شرعي كغسل الجنابة.
● العمل بهذا الحديث اليوم: اليوم، يمكن للمرأة المستحاضة أن تستعمل ما يمنع الدم ويمتصه (كالفوط الصحية) مما يخفف عنها مشقة الاغتسال المتكرر، ولكن يبقى حكمها الفقهي قائماً وهو أنها تتوضأ لوقت كل صلاة، وتغتسل مرة واحدة عند أول الوقت أو كما تيسر لها.
أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه صلى الله عليه وسلم والعمل بها، وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.