كنت أنا ورسول الله ﷺ نبيت في الشعار الواحد وأنا حائض

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب. هذا الحديث الذي ذكر حديث عظيم، رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من الأحاديث التي تبين سماحة الإسلام ويسره، وتزيل الكثير من الوساوس والحرج الذي قد يقع فيه الناس فيما يتعلق بالطهارة والنجاسة.
وفيما يلي شرح وافٍ للحديث، وفق الخطوات المطلوبة:

---

1. شرح المفردات:

* نبيت: أي ننام ليلاً.
* الشِّعار: هو الثوب الذي يلي الجسد، كالقميص أو الإزار أو ما يشابهه. وهو بخلاف "الدِّثار" الذي يكون فوقه.
* حائض طامث: الحائض هي المرأة التي ينزل منها دم الحيض. و"طامث" تأكيد لمعنى الحيض، أي ذات حيض نازل.
* أصابه مني شيء: أي أصاب ثوب النبي ﷺ شيء من دم الحيض الذي كان معي.
* غسل مكانه: غسل الموضع الذي أصابه الدم فقط، ولم يغسل الثوب كله.
* ولم يَعْدُه: لم يغسله مرة ثانية بعد الغسلة الأولى. وقيل: المعنى أنه لم يترك ذلك الموضع ويتجنب الصلاة فيه، بل صلى فيه بعد غسله.
* وإن أصاب - تعني ثوبه - منه شيء: أي إن أصاب ثوب النبي ﷺ شيء من مذيٍ أو عَرَقٍ أو غيره من الأشياء الطاهرة التي تخرج منه ﷺ.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

تخبرنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن مدى قربها وملازمتها لرسول الله ﷺ حتى في أوقات الحيض، فكانا ينامان معاً في لحاف واحد أو يغطيان بثوب واحد، وهي حائض. فإذا حصل وانتقل شيء من دم حيضها إلى ثوب النبي ﷺ، فإنه كان يقتصر على غسل الموضع المصاب بالدم فقط من ثوبه، ولا يغسله كله، ويكتفي بغسلة واحدة (لا يعيد غسله مرات)، ثم يصلي في ذلك الثوب بعد تطهيره. وكذلك الحال لو أصاب ثوبه شيء من ريقه أو عرقه الطاهر، فإنه كان يغسل الموضع فقط ويصلي فيه.

---

3. الدروس المستفادة منه:

هذا الحديث مليء بالفوائد والعبر، منها:
* جواز مضاجعة الحائض ومعاشرتها بالمعروف: مما يدل على أن الحيض ليس نجاسة كاملة تمنع كل قربان، بل يحرم فيه الجماع فقط، أما المعاشرة بالحسنى والمبيت معها والاستمتاع بما دون الجماع فكل ذلك جائز ومباح.
* التيسير ورفع الحرج: هو شعار هذه الأمة، فلم يوجب الإسلام على المسلم غسل ثوبه كله لمجرد أن أصابه قدر يسير من النجاسة، بل يكتفي بغسل الموضع المصاب فقط.
* أن دم الحيض نجس: وهذا محل إجماع العلماء، ويجب غسله إذا أصاب الثوب أو البدن.
* طهارة ما يخرج من بدن الإنسان غير البول والغائط: كالمذي والعرق والريق، فهي طاهرة لا تنجس الثوب، وغسلها هنا من باب النظافة وكمال الطهارة، لا من باب إزالة النجاسة.
* بيان هدي النبي ﷺ العملي في التعامل مع النجاسات: حيث كان هديه التيسير وعدم التشديد، وهو قدوة للأمة في كل شيء.
* كمال أدب أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: حيث نقلت هذا الحديث لتبين سنة النبي ﷺ وتعلم الأمة، مع كمال حيائها.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذا الحديث أصل كبير في باب إزالة النجاسات، وفيه دليل على أن النجاسة إذا أصابت شيئاً فإنه يطهر بغسل المحل المصاب فقط، ولا يجب غسل كل الشيء.
* يستثنى من ذلك إذا كان الثوب قليلاً بحيث يشمل الغسل كل الثوب، أو إذا انتشرت النجاسة بشكل كبير لا يمكن معه تحديد موضعها، فيغسل حينئذٍ كله.
* الفقهاء يستدلون بهذا الحديث على أن الغسل مرة واحدة يكفي لإزالة النجاسة، إذا زالت آثارها.
* يظهر من الحديث أيضاً مدى تواضع النبي ﷺ في معيشته، حيث كان يبيت مع زوجته في شعار واحد.
أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يرزقنا العمل بما علمنا، وأن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.