لتنظر إلى عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النابع من سؤال امرأة كانت تعاني من استمرار نزول الدم (استحاضة) في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف بين لها الشرع الحكيم طريقة التعامل مع هذه الحالة:

---

الحديث:

عن أم سلمة زوج النبي ﷺ أن امرأة كانت تُهراقُ الدماء في عهد رسول الله ﷺ، فاستفتت لها أمُّ سلمة رسول الله ﷺ فقال: «لتنظر إلى عددِ الليالي والأيام التي كانت تحيضُهُنّ من الشَّهر قبل أن يُصِيبَها الذي أصابها؛ فلتتركِ الصلاةَ قدرَ ذلك من الشهر، فإذا خلَّفت ذلك فلتغتَسِل، ثم لتستنفر بثوب، ثم لتصلي».
رواه أبو داود والدارقطني، وصححه الألباني.

---

الشرح التفصيلي:

---

# 1. شرح المفردات:

● تُهراقُ الدماء: أي يسيل الدم منها باستمرار دون انقطاع، وهي حالة تسمى "الاستحاضة".
● استفتت: سألت واستشارت طلبًا للفتوى.
● قبل أن يُصِيبَها الذي أصابها: قبل أن تبدأ معاناتها من نزول الدم المستمر (الاستحاضة).
● فَلْتَتْرُكِ الصَّلاةَ قَدْرَ ذَلِكَ: أي تمتنع عن الصلاة لمدة تعادل عادة حيضها السابقة.
● فإذا خَلَّفَتْ ذلك: إذا انقضت مدة العادة.
● لِتَسْتَنْفِرْ بِثَوْبٍ: أن تتحفظ وتضع قطعة قماش (خرقة) لمنع خروج الدم.

---

# 2. المعنى الإجمالي للحديث:

الحديث يوضح حكم المرأة "المستحاضة"، وهي التي يستمر نزول الدم منها بعد أيام الحيض المعتادة، أو التي لا ينقطع دمها أبدًا. فبيَّن النبي ﷺ أن عليها أن:
- ترجع إلى عادتها السابقة قبل الإصابة بالاستحاضة، فتحسب عدد الأيام التي كانت تحيضها كل شهر.
- تمتنع عن الصلاة والصيام وغيرها من العبادات التي تُمنع منها الحائض خلال تلك المدة.
- إذا انتهت هذه المدة، تغتسل غسل الجنابة وتتحفظ بقطعة قماش (لئلا يتسرب الدم)، ثم تصلي وتصوم كالمعتاد، وإن نزل منها الدم.

---

# 3. الدروس المستفادة منه:

● التيسير ورفع الحرج: الشرع الحنيف يراعي الظروف الطارئة ويضع حلولاً عملية للمشكلات، مثل حالة الاستحاضة التي قد تسبب الحيرة والضيق.
● الاعتماد على العادة: العادة المعروفة للمرأة هي الأساس في تمييز الحيض من الاستحاضة، مما يظهر اهتمام الإسلام بالاستقرار واليقين في العبادات.
● الطهارة والصلاة: الدم الخارج في زمن الاستحاضة لا يمنع من الطهارة والصلاة، بخلاف دم الحيض، وذلك بعد انقضاء مدة العادة.
● الاجتهاد في العبادات: على المسلم أن يبذل وسعه في تطهير نفسه وأداء العبادات بالشكل المطلوب، كما في قوله: "ثم لتستنفر بثوب" للتحفظ من الدم.
● دور أمهات المؤمنين: أم سلمة رضي الله عنها نموذج للتفقه في الدين ونقل العلم، مما يبرز دور المرأة في المجتمع الإسلامي.

---

# 4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل في باب "المستحاضة" وفيه توجيه نبوي لكيفية التمييز بين الحيض والاستحاضة.
- جمهور العلماء (من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة) يأخذون بهذا الحديث في اعتماد العادة السابقة للمرأة لتمييز زمن الحيض.
- المستحاضة تجلس قدر عادتها ثم تغتسل وتصلي، ونزول الدم بعد ذلك لا يؤثر على صلاتها، ولكن عليها أن تتوضأ لكل صلاة عند كثير من العلماء (أو تغسل محل الدم وتتحفظ).
- الفرق بين الحيض والاستحاضة: الحيض دم طبيعي يعتري المرأة في أوقات معينة، وأما الاستحاضة فمرضية ولا تمنع من الصلاة والصيام بعد انقضاء مدة العادة.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين، وأن يعيننا على طاعته، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.