ناوِليني الخُمرةَ من المسجد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أهلاً وسهلاً بك، ونسأل الله أن يوفقنا جميعاً لفهم سنة نبيه والعمل بها.
هذا حديث صحيح رواه الإمام مسلم في صحيحه، وهو من الأحاديث التي تبين يسر الشريعة الإسلامية ورفعها للحرج عن المكلفين. وإليك الشرح الوافي له على النحو التالي:

---

1. شرح المفردات:

● نَاوِليني: من الإيتاء والإعطاء، أي: أَعطِني.
● الخُمْرَةَ: بسكون الميم، وهي سجادة صغيرة أو حصيرة كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي عليها أحياناً لتقي من برد الأرض أو حرها.
● حائض: المرأة التي نزل عليها دم الحيض.
● ليست في يدك: أي ليست تحت اختيارك وقصدك، بل هي أمر كتبه الله عليك.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:
يخبرنا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في المسجد، فطلب من زوجته عائشة رضي الله عنها أن تناوله السجادة الصغيرة (الخمرة) التي كانت في المسجد. فاستحيت أم المؤمنين وأخبرته بأنها حائض، وكأنها تتردد في لمس شيء في المسجد وهي على هذه الحالة. فطمأنها النبي صلى الله عليه وسلم بأن الحيض أمر قدري لا اختيار لها فيه، ولا يمنعها من القيام بهذا الفعل المباح، وهو إعطاء الشيء من المسجد.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- رفع الحرج ودفع الوسوسة: الحديث دليل على يسر الإسلام وسماحته، ورفعه للحرج عن المكلفين. فهو يبين أن الأمور التي لا اختيار للإنسان فيها، كالحيض والنوم والنسيان، لا يؤاخذ عليها، ولا تمنعه من فعل ما هو مباح وجائز.
2- جواز مَسِّ الحائض لأشياء المسجد ونقلها: ذهب جمهور العلماء (من الحنفية والمالكية والحنابلة) إلى جواز مَس الحائض للمصحف بغلافه، ودخول المسجد للمرور أو لأخذ حاجة، ومسها لأشياء المسجد مثل السجاد والكتب، طالما تتوقى تلويثه. وهذا الحديث أصل في هذه المسألة، حيث أمرها النبي صلى الله عليه وسلم بإعطائه الخمرة من المسجد ولم يمنعها من ذلك.
3- الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم: نرى أدب السيدة عائشة رضي الله عنها العالي، حيث استشعرت حرمة المسجد وحالتها، فبادرت بإخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالسبب الذي قد يمنعها، مما يدل على حرص الصحابة على التورع والتأدب مع الشرع.
4- التيسير على الناس وتعليمهم: موقف النبي صلى الله عليه وسلم كان موقفاً تعليمياً، حيث صحح مفهوماً خاطئاً قد يكون موجوداً، وبيَّن أن الحيض لا ينجس يد المرأة ولا جسدها بحيث يمنعها من ملامسة الأشياء، وإنما النجاسة هي الدم نفسه.
5- طهارة بدن الحائض: قوله: «إن حَيضتَكِ ليست في يدك» إشارة إلى أن بدن الحائض طاهر، باستثناء موضع الدم، فليس كلها نجسة كما قد يتوهم البعض. وهذا مذهب جمهور العلماء.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

● الفرق بين النجاسة الحكمية والنجاسة العينية: الحيض من النجاسات العينية التي يجب تطهيرها إذا وقعت على شيء. أما بدن الحائض فطاهر، ولا يمنع طهارته من ملامسة الأشياء أو الأكل والشرب معها.
● الحديث رد على المتشددين: يعتبر هذا الحديث من الأدلة القوية التي يرد بها على من يتشدد على النساء في فترة الحيض ويحرم عليهن أموراً لم يحرمها الله ورسوله، مما يسبب لهن حرجاً وعنتاً في الحياة.
● منهج النبي التربوي: في الحديث تلطيف وتعليم للناس، خاصة أن السيدة عائشة كانت صغيرة السن، فكان صلى الله عليه وسلم يربيها ويصحح مفاهيمها برفق وحكمة.
نسأل الله أن يفقهنا في الدين، ويعلمنا ما ينفعنا، وأن ينفعنا بما علمنا.
والله أعلم.