كنت أتزر وأنا حائض ثم أدخل مع رسول الله في لحافه

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أهلاً وسهلاً بك أيها السائل الكريم، وأشكرك على حرصك على فهم سنة نبيك ﷺ. هذا الحديث الذي ذكر هو دليل على عظمة الشريعة الإسلامية وسماحتها، وعلى مكانة أمهات المؤمنين وخصوصية حياتهن مع النبي ﷺ.
الحديث بلفظه الكامل ومصدره:
هذا الحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه في كتاب الحيض، باب جواز نوم الحائض في فراش زوجها، عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: «كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ، وَكَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا أَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَتَتَّزِرُ فِي فَرَاشِهِ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا».
وفي رواية أخرى كما ذكرت: «كُنْتُ أَتَّزِرُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أَدْخُلُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي لِحَافِهِ».

---

الشرح التفصيلي:

---

# 1. شرح المفردات:

● أَتَّزِرُ: أي ألبس الإزار، وهو ثوب يلف على нижняя часть тела، كالملاءة أو الرداء. والمقصود هنا أن تتحفظ بلباس يمنع وصول النجاسة إلى الفراش أو إلى جسد النبي ﷺ.
● حَائِضٌ: المرأة التي في حالة الحيض، وهي حالة طبيعية يحدث فيها نزول الدم من رحم المرأة في أوقات معينة.
● لِحَافِهِ: اللحاف هو الغطاء الذي يتغطى به النائم، أي فراشه وغطاؤه.

---

# 2. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبرنا هذا الحديث العظيم عن جانب من الحياة الأسرية الودودة بين النبي ﷺ وزوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها. فكانت رضي الله عنها إذا حاضت، لم يعزلْها النبي ﷺ أو يبتعد عنها، بل كانت تأخذ احتياطًا بسيطًا وهو لبس إزار (ثوب ساتر) ثم تدخل معه في فراشه وتنام تحت غطائه نفسه. وهذا يدل على أن الحيض لا يمنع المعاشرة الزوجية في غير محل الحرام (أي الجماع)، كالنوم معًا والتقارب والمؤانسة والاستمتاع بما دون الجماع.

---

# 3. الدروس المستفادة والعبر:

هذا الحديث يحمل في طياته دروسًا عظيمة وفوائد جليلة، منها:
● سماحة الإسلام ويسره: يرفع الإسلام الحرج عن الناس، ويبين أن الحيض أمر طبيعي لا يجعل المرأة "نجسة" بشكل مطلق ينفر منها، بل يحافظ على كرامتها واستمرار الحياة المعتادة معها مع اجتناب المحظور (الجماع).
● الحكمة من التحفظ (الاتزار): الاتزار هنا ليس لأن جسدها نجس، بل هو احتراز حكيم لمنع وصول الدم النجس إلى فراش أو ثوب النبي ﷺ، تعظيماً له ﷺ وحرصاً على الطهارة. وهو تعليم للأمة كيفية التعامل مع هذه الحالة.
● جواز الاضطجاع مع الحائض ومباشرتها فيما دون الفرج: هذا من أعظم صور الرحمة والود بين الزوجين. يجوز للزوج أن ينام بجوار زوجته الحائض، ويضمها، ويقبلها، ويستمتع بها بما دون الجماع، مما يحافظ على الألفة والمحبة ويبعد الوسوسة والتفريق.
● بيان كمال خُلُق النبي ﷺ: فهو المثل الأعلى في معاشرة أزواجه، حيث كان ﷺ أحرص الناس على الطهارة، ولكنه كان أيضاً رحيماً بهن، مقرباً لهن، لا يهجرهن أو يعاملهن معاملة قاسية بسبب أمر خارجهن عن إرادتهن.
● رد على بعض الأفهام الخاطئة: يرد هذا الحديث على من يتوهم أن الحائض لا يجوز لزوجها أن يقربها أو يلمسها مطلقاً، ويبين أن المنهي عنه هو الجماع فقط.

---

# 4. معلومات إضافية مفيدة:

● حكم الاستمتاع بالحائض: أجمع العلماء على حرمة جماع الحائض في قول الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]. والمقصود باعتزالهن اعتزال الجماع. أما ما دون ذلك من تقبيل ومعانقة ولمس، فجائز بلا كراهة، وهذا هو مذهب الجمهور (الشافعية، والحنابلة، ورواية عند الحنفية).
● الفرق بين النجاسة الحكمية والنجاسة العينية: دم الحيض نجسٌ باتفاق العلماء، ولكن هذا لا يعني أن المرأة كلها تصبح نجسة. النجاسة في الدم نفسه، فإذا تحفظت منه بلباس ساتر (كالاتزار في الحديث) أو حفاظة طبية في عصرنا، زال المحذور وانتفت المشقة.
● العبرة في التشريع: العبرة ليست في فعل الحائض فقط، بل في تقرير النبي ﷺ لهذا الفعل وعدم إنكاره. فسكوته ﷺ عن إنكار ما فعلته عائشة يدل على الجواز والإباحة.
أسأل الله تعالى أن يرزقنا الفقه في دينه، والاقتداء بنبيه ﷺ، وأن يجعل بيوتنا عامرة بالمودة والرحمة كما كانت بيوت النبي ﷺ وأصحابه. وصلى الله