لتجلس في مِركن فإذا رأت صفرة فوق الماء فلتغتسل

شرح الحديث:

أولاً: شرح المفردات:
● اُستحيضتْ: أي أصابها دم الاستحاضة، وهو الدم الخارج من فرج المرأة في غير أيام الحيض والنفاس المعتادة. فهو مرض وليس حيضًا.
● لم تصلّ؟: استفهام استنكاري، أي أنها امتنعت عن الصلاة ظنًا منها أن هذا الدم يمنعها من الصلاة كالحيض.
● سبحان الله!: كلمة تعجب وتنزيه لله تعالى، يستعملها النبي ﷺ هنا للتعجب من تركها الصلاة، وإعلامها بأن حكم هذا الدم يخالف حكم الحيض.
● مِركن: (بكسر الميم وسكون الراء): وهو إناء كبير تستعمل فيه الماء للوضوء أو الاغتسال، مثل الطست أو الحوض الصغير.
● صفرةً فوق الماء: أي لونًا أصفر يظهر على سطح الماء بعد الجلوس فيه، وهو علامة على انقطاع الدم في تلك اللحظة.
● غسلًا واحدًا: أي تغتسل اغتسالاً كاملاً يكفي لأداء صلاتي الظهر والعصر معًا، وهكذا.

---

ثانيًا: المعنى الإجمالي للحديث:
تخبر الصحابية الجليلة أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن فاطمة بنت أبي حبيش (وهي امرأة من قريش) كانت تعاني من نزول دم مستمر (استحاضة)، فظنت أن هذا الدم كدم الحيض يمنعها من الصلاة والصيام، فأمسكت عن الصلاة.
فلما سألت النبي ﷺ عن حكم ذلك، تعجب ﷺ من فعلها وأخبرها أن هذا الدم ليس بحيض، وإنما هو عرق انقطع، وهو من نزغات الشيطان ليحزنها ويلبس عليها دينها ويمنعها من العبادة.
ثم بين لها النبي ﷺ الحل العملي للتغلب على هذه المشكلة، وهو أن:
1. تجلس في إناء مليء بالماء (مركن) لتغسل فرجها وتنظفه.
2. إذا رأت أن الماء يظهر عليه لون أصفر (أي أن الدم قد انقطع أو قل جدًا في تلك اللحظة) ففي هذه اللحظة تغتسل اغتسالاً كاملاً.
3. يكفيها هذا الاغتسال الواحد لأداء صلاتي الظهر والعصر، ثم تغتسل غسلاً آخر للمغرب والعشاء، ثم تغتسل غسلاً ثالثًا لصلاة الفجر.
4. أما بالنسبة للوضوء للصلوات الأخرى خلال اليوم، فتكتفي بالوضوء العادي لكل صلاة إذا أحدثت، كما يفعل أي مصلٍ.

---

ثالثًا: الدروس المستفادة والفقه في الحديث:
1- الفرق بين الحيض والاستحاضة: الحيض دم طبيعي يعرفه النساء بوقته ولونه وصفته، ويحرم معه الصلاة والصوم. أما الاستحاضة فهي دم مرض لا يمنع من الصلاة ولا الصوم ولا يفسد الطهارة، ولكنها تنتقض الوضوء فقط كسائر الخارج من البدن.
2- التيسير ورفع الحرج: شرع الله تعالى لهذه المرأة التي تعاني من نزول الدم المستمر طريقة عملية تيسر عليها أمر دينها وعبادتها، فلا تكلف أن تغتسل لكل صلاة، بل يكفيها ثلاثة اغتسالات في اليوم والليلة.
3- وسوسة الشيطان: قوله ﷺ: "إن هذا من الشيطان" تحذير من وساوس الشيطان الذي يريد أن يثبط العبد عن الطاعة ويشككه في عبادته. فالمسلم يجب أن يتعلم أحكام دينه ليعبد الله على بصيرة.
4- وجوب السؤال لأهل العلم: فعل الصحابية في سؤال النبي ﷺ يدل على أن الجهل بالحكم لا يعذر في ترك الواجبات، بل يجب على المسلم أن يسأل ويعلم حكم الله في أمر دينه.
5- التنظيف والتجميل للمرأة: الأمر بالجلوس في المركن فيه إشارة إلى العناية بالنظافة الشخصية والتطيب للمرأة حتى في حال مرضها، لتصبح طاهرة نظيفة لأداء الصلاة.

---

رابعًا: معلومات إضافية مفيدة:
- هذا الحديث أصل من أصول فقه الطهارة للمرأة المستحاضة، وقد ذهب جمهور العلماء (الحنفية والشافعية والحنابلة) إلى أن المستحاضة تتوضأ لكل صلاة، وهو قول ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم.
- بينما ذهب الإمام مالك والليث بن سعد إلى أنها تتوضأ once only when she breaks her ablution, and this is the opinion of Aisha, may God be pleased with her.
- والراجح – والله أعلم – هو قول الجمهور بأنها تتوضأ لكل صلاة، لعموم قوله ﷺ في الحديث: "وتتوضأ فيما بين ذلك"، أي بين هذه الاغتسالات.
- الحكمة من التمييز بين الاغتسال والوضوء: الاغتسال هنا للتبرد وقطع الدم momentaril y، أما الوضوء فهو للنظافة وإزالة أثر النجاسة واستباحة الصلاة.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، ويعلمنا ما ينفعنا، وينفعنا بما علمنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.