اغتسلي عند كل صلاة فإنما ذلك عرق

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا شرح للحديث النبوي الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه وغيره عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:

---

الحديث:

عن عائشة قالت: استفتت أمُّ حبيبة بنت جحش - ختنةُ رسول الله ﷺ، وكانت تحت عبد الرحمن بن عوف - رسول الله ﷺ فقالت: إنِّي أستحاض، فقال: «إنَّما ذلك عِرْق، فاغتسلي ثم صَلّي». فكانت تَغتَسِلُ عند كلِّ صلاةٍ.
قال الليث بن سعد: لم يذكر ابن شهاب الزهري أن رسول الله ﷺ أمر أمَّ حبيبةَ بنت جحش أن تغتسل عند كل صلاة، ولكنه شيءٌ فعلته هي.
وفي رواية: أُستحيضت سبع سنين، فاستفتت رسول الله ﷺ في ذلك، فقال رسول الله ﷺ: «إن هذه ليست بالحيضة، ولكن هذا عرق؛ فاغتسلي وصلِّي».
قالت عائشة: فكانت تغتسل في مِركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتَّى تعلُو حمرةُ الدمِ الماءَ.
قال ابن شهاب: فحدّثت بذلك أبا بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فقال: يرحم الله هندًا! لو سمعت بهذه الفتية، والله! إن كانت لتبكي لأنها كانت لا تصلي.
وفي رواية: قال لها رسول الله ﷺ: «امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتُكِ، ثم اغتسلي وصلِّي».

---

الشرح:

---

# 1. شرح المفردات:

● أستحاض: أي أصابني دم الاستحاضة، وهو الدم الخارج من المرأة في غير أيام الحيض والنفاس.
● عِرْق: يعني وعاء دموي انفجر، وليس دم حيض.
● فاغتسلي ثم صلي: الأمر بالاغتسال للصلاة.
● تغتسل عند كل صلاة: أي تتوضأ أو تغتسل لكل صلاة.
● مِركن: إناء كبير للغسل.
● حتى تعلو حمرة الدم الماء: حتى يظهر لون الدم على سطح الماء.
● امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك: أي انتظري المدة المعتادة للحيضة ثم اغتسلي.

---

# 2. المعنى الإجمالي للحديث:

الحديث يتعلق بحكم المرأة المستحاضة، وهي التي ينزل منها دم خارج أوقات الحيض المعتادة.
أم حبيبة بنت جحش (أخت زينب بنت جحش أم المؤمنين) كانت زوجة لعبد الرحمن بن عوف، وقد استمر نزول الدم منها سبع سنوات، فسألت النبي ﷺ عن حكم ذلك، فأخبرها أن هذا الدم ليس حيضًا وإنما هو دم عِرْق (أي نزيف)، وأمرها أن تغتسل ثم تصلي.
وفي رواية أخرى: أمرها أن تمكث قدر أيام حيضها المعتادة ثم تغتسل وتصلي.
وهنا نجد توجيهين من النبي ﷺ للمستحاضة:
- الأول: الاغتسال لكل صلاة (وهو ما فهمته أم حبيبة وطبقته).
- الثاني: التمييز بين دم الحيض ودم الاستحاضة بأن تنتظر مدة حيضها المعتادة ثم تغتسل وتصلي.

---

# 3. الدروس المستفادة منه:

● التفريق بين الحيض والاستحاضة: الحيض دم طبيعي يمنع الصلاة والصوم، أما الاستحاضة فليست حيضًا فلا تمنع العبادة.
● التيسير على المستحاضة: الحديث يظهر يسر الشريعة الإسلامية ومراعاتها لحال المرأة، حيث لم يوجب عليها الاغتسال لكل صلاة بل بين لها الخيارين.
● اجتهاد الصحابة في تطبيق السنة: أم حبيبة رضي الله عنها اجتهدت في تطبيق الأمر النبوي فكانت تغتسل عند كل صلاة حرصًا على الطهارة، وهذا من فهمها ودقتها.
● أهمية سؤال أهل العلم: الاستفتاء وطلب الفتيا من العلماء والأئمة في المسائل الشرعية.
● رحمة النبي ﷺ بأمته: حيث بين لها الحكم برفق ووضوح.

---

# 4. معلومات إضافية مفيدة:

● الاستحاضة: هي نزول الدم من المرأة في غير وقت الحيض أو النفاس، وهي لا تمنع الصلاة ولا الصوم ولا قراءة القرآن ولا الجماع، ولكن يجب عليها الوضوء لكل صلاة إذا كان الدم مستمرًا.
● حكم المستحاضة:
- تغتسل غسلًا واحدًا ثم تتوضأ لكل صلاة (وهو قول جمهور العلماء).
- أو تميز بين دم الحيض والاستحاضة بأن تنتظر مدة حيضها المعتادة ثم تغتسل وتصلي (وهو ما ذهب إليه الإمام مالك والشافعي).
● الحديث يدل على أن الاغتسال لكل صلاة ليس واجبًا بل هو من الاجتهاد والتطوع: كما بين الليث بن سعد أن النبي ﷺ لم يأمرها بالاغتسال عند كل صلاة، بل هي التي فعلت ذلك من تلقاء نفسها حرصًا على الطهارة.
● قصة هند: في آخر الحديث ذكر أبو بكر بن عبد الرحمن قصة امرأة اسمها هند كانت تبكي لأنها لم تكن تصلي بسبب الاستحاضة، فلو سمعت بهذه الفتوى لفرحت، وهذا يدل على أهمية نشر العلم الشرعي.

---

الخلاصة:

الحديث يبين حكم المرأة المستحاضة وأن دم الاستحاضة لا يمنعها من العبادة، بل عليها أن تتطهر وتصلي، مع التيسير عليها إما بالاغتسال مرة واحدة ثم الوضوء لكل صلاة، أو بتمييز مدة الحيض ثم الاغتسال بعدها.
وهذا من رحمة الإسلام ويسره، وحرص الصحابة على تطبيق