أنفست؟ فدعاني فاضطجعت معه في الخميلة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث الشريف الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، معتمدًا على كلام أهل العلم المعتبرين:

---

نص الحديث:

عن زينب بنت أم سلمة، أنَّ أم سلمة حدثتها قالت: بينا أنا مع رسول الله ﷺ مضطجعة في خميصة إذ حِضتُ، فانسلَلتُ فأخذت ثياب حِيضتي، قال: «أنُفِست؟» قلت: نعم، فدعاني فاضطجعت معه في الخَميلة.

---

1. شرح المفردات:

● مضطجعة: مستلقية ومعنَّاة على جنبها.
● خميصة: كساء أو غطاء من صوف له أعلام (أي نقش أو لون)، وكانت تُستخدم كلحاف أو بطانية.
● حِضتُ: جاءها الحيض.
● انسللت: خرجت بخفية وسرعة دون أن يشعر بها.
● ثياب حيضتي: الملابس التي كانت تلبسها أثناء الحيض، أو الفُوط التي تستخدمها لذلك.
● أنفست؟: سألها هل حاضت؟ (من النفاس وهو الدم، ويطلق على الحيض أيضًا).
● الخَميلة: هي نفس الخميصة، أو شيء شبيه بها، أي الغطاء أو اللحاف.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

كانت السيدة أم سلمة رضي الله عنها مضطجعة مع النبي صلى الله عليه وسلم تحت غطاء (خميصة)، فجاءها الحيض فخرجت بهدوء وسرعة لتغيير ملابسها واتخاذ ما يلزم للحيض. فلما لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم غيابها سألها: «أنفست؟» أي: هل حاضت؟ فأجابت بنعم. فدعاها النبي صلى الله عليه وسلم لتعود وتضطجع معه تحت الغطاء نفسه.

---

3. الدروس المستفادة منه:

1- جواز مضاجعة الرجل زوجته وهي حائض في فراش واحد: وهذا من رحمة الإسلام ويسره، حيث أباح للزوج أن ينام مع زوجته الحائض في سرير واحد تحت غطاء مشترك، مع تحريم الجماع فقط. وهذا يدل على أن الحيض لا يمنع من المعاشرة بالمعروف والمودة والمشاركة في الحياة.
2- الحكمة من تحريم الجماع أثناء الحيض: وهو ما لم يذكره الحديث صراحة ولكنه معلوم من النصوص الأخرى، حيث حرم الله الجماع أثناء الحيض لحكم منها: الحفاظ على صحة الزوجين، والنظافة، واحترام هذه الفترة生理ية.
3- الرفق بالزوجة والاهتمام بأحوالها: حيث لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم غياب أم سلمة فسأل عنها بلطف، ولم يظهر تضجرًا أو انزعاجًا، بل دعاها للرجوع. وهذا درس في معاملة الزوجة بحسن الخلق ومراعاة مشاعرها.
4- التيسير وعدم التشديد: كان من هديه صلى الله عليه وسلم التيسير على أهله وعدم إحداث الحرج لهم، حتى في الأمور الشخصية والدقيقة مثل الحيض.
5- جواز مخاطبة الرجل لزوجته عن الحيض مباشرة: دون تحرج، لأنه أمر فطري وشرعي.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أصل في باب "ما يجوز للرجل من حائضه"، وقد ذكره البخاري في كتاب الحيض.
- ليس في الحديث أي دليل على جواز الجماع أثناء الحيض، بل هو محرم بالإجماع، كما في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222]. والمقصود اعتزال الجماع.
- الفقهاء يستدلون بهذا الحديث على جواز الاستمتاع بالحائض في غير الجماع، كالمعانقة والتقبيل والنوم في فراش واحد.
- فيه دليل على كمال أدب الصحابة وحشمتهم، حيث نقلت أم سلمة القصة لابنتها بطريقة مهذبة.

---

الخلاصة:

الحديث يدل على جواز مضاجعة الحائض ومباشرتها في غير الجماع، وعلى رحمة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن معاشرته لأزواجه، وهو من تيسير الشريعة ورفع الحرج عن الأمة.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.