قوم تحابوا في الله يغبطهم الشهداء والأنبياء

حديث: قوم تحابوا في الله يغبطهم الشهداء والأنبياء

عن ابن عمر، أنّ رسول اللَّه ﷺ قال: «إنّ للَّه عبادًا ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم الشّهداء والنّبيّون يوم القيامة لقربهم من اللَّه تعالى، ومجلسِهم منه». فجثا أعرابيٌّ على ركبتيه فقال: يا رسول اللَّه، صفهم لنا. قال: «قومٌ من أقناء النّاس من نزّاع القبائل، تصادقوا في اللَّه، وتحابوا فيه، يضع اللَّه عز وجل لهم يوم القيامة منابر من نور، يخاف الناس ولا يخافون، هم أولياء اللَّه عز وجل الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون».

صحيح: رواه الحاكم (٤/ ١٧٠ - ١٧١) عن أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الزّاهد الأصبهانيّ، ثنا أحمد بن يونس الضبيّ بأصبهان، ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد، قال: سمعت زياد بن خيثمة، يحدث عن أبيه، عن ابن عمر، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث العظيم الذي رواه الإمام الطبراني في "المعجم الكبير" وغيره، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، يحدثنا عن طائفة مباركة من عباد الله، لهم منزلة عظيمة عند ربهم.
أولاً: شرح المفردات:
● يغبطهم: الغبطة هي تمني المرء أن يكون له مثل ما للغير من النعمة، دون أن يتمنى زوالها عن صاحبها. وهي غير الحسد المذموم.
● جثا أعرابي على ركبتيه: جثا يعني جلس على ركبتيه متحمساً ومقبلاً على المتكلم، مما يدل على شدة اهتمامه ورغبته في المعرفة.
● أقناء الناس: الأقناء جمع قنو، وهو العذق الذي يجمع الشماريخ المتفرقة في مكان واحد. فالمعنى: هم فروع وقبائل متفرقة من الناس، اجتمعوا على طاعة الله.
● نزاع القبائل: أي أنهم جاءوا من قبائل شتى ومتفرقة، ليسوا من قبيلة واحدة أو عائلة واحدة.
● تصادقوا في الله، وتحابوا فيه: أي أن أساس صداقتهم ومحبتهم كان لله تعالى، لا لأغراض دنيوية كمال أو جاه أو منفعة.
● منابر من نور: كراسي عالية مضيئة من نور، يجلسون عليها في موقف القيامة العظيم.
ثانياً: المعنى الإجمالي للحديث:
يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن هناك فئة من عباد الله الصالحين، ليست منزلتهم كمنزلة الأنبياء، وليست كمنزلة الشهداء الذين قُتلوا في سبيل الله، ومع ذلك فإن مكانتهم عند الله عالية جداً، لدرجة أن الأنبياء والشهداء أنفسهم يتمنون في يوم القيامة أن يكونوا مثلهم، ويغبطونهم على تلك المكانة والقرب من الله تعالى.
وحين سأل الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم أن يصفهم له، بين صلى الله عليه وسلم أنهم أناس من قبائل مختلفة، اجتمعوا ليس بسبب قرابة أو عرق، ولكن لأنهم تحابوا في الله وتصادقوا فيه. أي جعلوا محبة الله ورضاه هي الأساس في علاقتهم. وقد وعدهم الله تعالى في الآخرة بمكانة عظيمة، حيث يجلسون على منابر من نور، في موقفٍ يخاف فيه الجميع من هول الموقف، إلا هم فإنهم آمنون مطمئنون، مصداقاً لقول الله تعالى: أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة يونس: 62].
ثالثاً: الدروس المستفادة والعبر:
1- علو منزلة المحبة في الله: الحديث يرفع من شأن العلاقات التي تقوم على أساس الدين والمحبة في الله، ويبين أن لها أجراً عظيماً عند الله، يوازي أجر الشهادة في سبيله ويغبط عليه الأنبياء themselves.
2- الأخوة الإيمانية فوق كل اعتبار: هؤلاء القوم جاءوا من قبائل متفرقة (نزاع القبائل)، مما يدل على أن رابطة الإيمان أقوى وأسمى من روابط القبيلة والعرق واللون.
3- السعي للصداقة الصالحة: يحثنا الحديث على اختيار الأصدقاء الصالحين الذين يعينوننا على طاعة الله، وتكون محبتنا لهم خالصة لوجه الله تعالى.
4- البشرى للمتحابين في الله: الحديث بشرى عظيمة لكل من قامت علاقته على أساس الإيمان، ووعد من الله بمكانة خاصة وأمن كامل في أشد الأوقات رهبة، وهي يوم القيامة.
5- الحرص على السؤال عن الخير: فعل الأعرابي الذي جثا على ركبتيه وسأل النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أهمية السؤال عن أبواب الخير والمسارعة إليها.
رابعاً: معلومات إضافية مفيدة:
- المحبة في الله من أعظم العبادات التي تثمر القرب من الله تعالى، وقد جاء في حديث آخر: «وَاللهِ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» [رواه مسلم].
- من حقوق الأخوة في الله أن يدعو المسلم لأخيه بظهر الغيب، كما في الحديث: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ» [رواه مسلم].
- هذه المنزلة الرفيعة لا تُنال بالتمني، بل بالعمل الصالح والإخلاص لله تعالى في العلاقات، وإيثار رضا الله على رضا الخلق.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أوليائه المتقين، المتحابين في جلاله، المعتزين بدينه، وأن يحشرنا في زمرة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الحاكم (٤/ ١٧٠ - ١٧١) عن أبي عبد اللَّه محمد بن عبد اللَّه الزّاهد الأصبهانيّ، ثنا أحمد بن يونس الضبيّ بأصبهان، ثنا أبو بدر شجاع بن الوليد، قال: سمعت زياد بن خيثمة، يحدث عن أبيه، عن ابن عمر، فذكره.
وإسناده صحيح، رجاله ثقات؛ أحمد بن يونس بن المسيب، أبو العباس الضّبيّ، كوفي الأصل، بغداديّ المنشأ، نزل أصبهان وحدّث بها، وثّقه الدارقطني وغيره، انظر: تاريخ بغداد ٥/ ٢٢٣ - ٢٢٤.
وقال الحاكم: «حديث صحيح الإسناد».

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 263 من أصل 1075 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: قوم تحابوا في الله يغبطهم الشهداء والأنبياء

📜 حديث: قوم تحابوا في الله يغبطهم الشهداء والأنبياء

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: قوم تحابوا في الله يغبطهم الشهداء والأنبياء

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: قوم تحابوا في الله يغبطهم الشهداء والأنبياء

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: قوم تحابوا في الله يغبطهم الشهداء والأنبياء

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية