خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدى محمد

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن شرح الحديث الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، يتضمن أوصافًا عظيمة لخطب النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتوي على جوامع كلمه التي هي من أعظم ما نطق به البشر. وإليك الشرح المفصل:

---

1. شرح المفردات:

● احمرَّت عيناه: أي صارتا حمراوين من شدة التأثر والانفعال في الموعظة.
● علا صوته: ارتفع وصار جهوريًا ليبلغ الحاضرين.
● اشتدَّ غضبه: ليس غضبًا للذات، بل غضبًا لله وانفعالًا لانتهاك حرماته.
● مُنذِر جيش: كأنه قائد يحذر جنوده من عدو قادم، تشبيهًا لجدّيته في التحذير.
● صَبَّحكم ومَسَّاكم: أي حذركم من عدو يصيبكم بالغارة صباحًا أو مساءً، كناية عن الخطر الداهم.
● خير الحديث: أفضل الكلام وأصدقه.
● خير الهدي: أفضل المناهج والطرق.
● محدثاتها: الأمور المُستحدثة في الدين التي لا أصل لها.
● بدعة ضلالة: كل ابتداع في الدين مخالف للشرع فهو ضلال.
● أولى بكل مؤمن من نفسه: أوْلَى بتدبير شؤونه ومصالحه من نفسه، لشدة نصحه ورحمته.
● من ترك مالًا فلأهله: الميراث لأقاربه.
● من ترك دينًا فإليَّ وعليَّ: أي من مات وعليه دين، فالنبي صلى الله عليه وسلم يتكفل به.

---

2. شرح الحديث:

كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب خطبةً مليئةً بالحماسة والتأثير، تظهر عليها علامات الجدية والانفعال لشدة حرصه على هداية الأمة. فكان يرفع صوته ويحمر وجهه كالقائد الذي يحذر جنوده من خطر محدق، قائلًا: "حذارِ من العدو الذي يهجم عليكم في أي وقت"، وهذا تشبيه بليغ لتحذيره من غفلة القلب وعذاب الآخرة.
ثم ينتقل إلى جوامع الكلم التي جمعت أصول الدين وقواعده:
● "خير الحديث كتاب الله": أي أن أفضل الكلام هو كلام الله تعالى، فيجب التمسك به وتقديمه على كل قول.
● "خير الهدي هدي محمد": أي أن أفضل المناهج العملية هي سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب اتباعها.
● "شر الأمور محدثاتها": أسوأ الأشياء هي المستحدثات في الدين التي لم يأذن بها الله.
● "كل بدعة ضلالة": كل ابتداع في الدين بغير دليل شرعي فهو ضلال، ولا بدعة حسنة في الدين، كما قرر أهل السنة.
ثم يذكر حقًّا عظيمًا من حقوقه على الأمة:
● "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه": هذه ولاية خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم على المؤمنين، فهو أحق بهم من أنفسهم في الطاعة والنصيحة، وقد فسّرها العلماء بأنه أولى بمصالحهم الدينية والدنيوية.
● "من ترك مالًا فلأهله": أي أن الميراث لأقاربه، ولا حق لأحد فيه.
● "من ترك دينًا فإليَّ وعليَّ": أي من مات وعليه دين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يتكفل بسداده، وهذا من كمال شفقته على أمته. وقد استمر هذا الحق للخلفاء الراشدين من بعده، ثم للحكام المسلمين.
وفي الرواية الأخرى يذكر مقدمة الخطبة المعتادة: "الحمد لله، ونشهد أن لا إله إلا الله...", ثم يذكر: "من يهدِ الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له"، إشارة إلى أن الهداية بيد الله تعالى، ويحذر من التأثر بمن ضلّ عن الطريق.

---

3. الدروس المستفادة:

- وجوب الجدية والحماسة في الدعوة إلى الله، مع التأثر بالموعظة.
- تقديم القرآن والسنة على كل رأي وبدعة.
- التحذير من البدع والمحدثات في الدين، وأنها ضلالة كلها.
- بيان عظم حق النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، وأنه أولى بهم من أنفسهم.
- مسؤولية الحكام عن ديون المعسرين الذين لا يتركون وفاءً، وهذا من التكافل الاجتماعي.
- أهمية الخطبة كوسيلة للتربية والتوجيه، فينبغي أن تكون مؤثرة وواضحة.

---

4. معلومات إضافية:

- هذا الحديث أصل عظيم في ذم البدع، وقد استدل به العلماء على أن البدع كلها ضلالة، ولا تقسيم للبدعة إلى حسنة وسيئة في الدين.
- قوله: "أنا أولى بكل مؤمن من نفسه" قد فسّرها الفقهاء بأن للإمام (الحاكم) ولاية على الرعية في تدبير مصالحهم، ما لم يأمروا بمعصية.
- استمرار تكفل الدولة بديون المعسرين بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو من حقوق الرعية على الحكام، وقد عمل به الخلفاء.
أسأل الله أن يجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.