إن الصالحين يشدَّد عليهم

حديث: إن الصالحين يشدَّد عليهم

عن عائشة، أنَّ النبي ﷺ طرقه وجَعٌ، فجعل يشتكي ويتقلَّب على فراشه. فقالت عائشة: لو صنع هذا بعضنا لوجدتَ عليه! فقال النبي ﷺ: إنَّ الصالحين يُشدَّد عليهم، وإنَّه لا يُصيبُ مؤمنًا نَكْبةٌ من شوكةٍ فما فوق ذلك إلَّا حُطَّت به عنه خطيئةٌ، وترفع بها درجةً».

صحيح: رواه الإمام أحمد (٢٥٢٦٤) عن هشام بن سعيد، أخبرنا معاوية -يعني ابن سلام-، قال: سمعت يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: أخبرني أبو قلابة، أنَّ عبد الرحمن بن شيبة أخبره، أنَّه عائشة أخبرته، فذكرته.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقرأ. هذا حديث عظيم من أحاديث الصبر على البلاء وبيان حكمته الإلهية، رواه الإمام أحمد في مسنده وغيره، وصححه الألباني.

أولاً. شرح المفردات:

● طرقه وجعٌ: نزل به وأصابه مرض وألم.
● يشتكي: يعبر عن الألم الذي يحس به.
● يتقلب على فراشه: يتحرك من شدة الألم ولا يجد راحة.
● لوجدت عليه: لعاتبته أو لظهرت عليك علامات اللوم أو التأنيب.
● يُشدد عليهم: يبتلون بالشدائد والأمراض والمصائب أكثر من غيرهم.
● نَكبةٌ: مصيبة أو أذى.
● حُطَّت به عنه خطيئةٌ: محيت وغفرت له ذنوبه بسبب صبره على هذه المصيبة.
● ترفع بها درجةً: يرفعه الله في الجنة بسبب صبره واحتسابه.

ثانياً. شرح الحديث:

تصف لنا أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- حالة النبي ﷺ وهو يعاني من المرض والألم، حتى إنه كان يتقلب على فراشه من شدة الوجع. فلفتت نظره -بدافع الحب والعطف- إلى أن شخصاً عادياً لو فعل مثل هذا التصرف (أي التحرك والتأوه من الألم) لربما لامه الآخرون أو عابوا عليه عدم صبره.
فأجابها النبي ﷺ مبيناً الحكمة الإلهية من الابتلاء، خاصة للصالحين، فقال:
1- "إن الصالحين يُشدد عليهم": أي أن الله تعالى يختبر عباده الصالحين بالبلاء والشدائد أكثر من غيرهم؛ لتتضاعف أجورهم، وليظهر صبرهم وصدق إيمانهم، وليتطهروا من الذنوب والخطايا. وهذا من كمال رحمة الله بهم، لا من عقابهم.
2- "وإنه لا يصيب مؤمناً نكبة من شوكة فما فوقها إلا حطت به عنه خطيئة، ورفعت به درجة": هنا يعمم النبي ﷺ الحكمة ليشمل كل مؤمن. فأي أذى يصيب المؤمن، سواء كان صغيراً كوخزة شوك، أو أكبر من ذلك كمرض أو فقدان أو غيرها من المصائب، فإنه يكون كفارة لذنوبه، وسبباً في رفع درجاته في الآخرة، بشرط أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- الابتلاء سنة إلهية: خصوصا 对于الصالحين، فهو دليل على محبة الله لهم وارتفاع منزلتهم.
2- الصبر واحتساب الأجر: يجب على المسلم عند المصيبة أن يصبر ويحتسب الأجر عند الله، ولا يتسخط أو يعترض على قدر الله.
3- التكفير والرفعة: البلاء مهما كان صغيراً فهو خير للمؤمن، يمحو به الله خطاياه ويرفع به درجاته.
4- الفرق بين الشكوى والجزع: يجوز للمرء أن يشكو بأدب إلى الله أو إلى الناس مما فيه، كما فعل النبي ﷺ، بشرط ألا يكون ذلك على وجه التسخط والتذمر من قدر الله.
5- حسن التعامل مع المرضى: ينبغي للمسلم أن يتعاطف مع المريض ويرفق به، ولا يعنفه أو يلومه على شكواه، كما فهمت عائشة -رضي الله عنها- من فعل النبي ﷺ.

رابعاً. معلومات إضافية:

- هذا الحديث يدخل في "باب الصبر على البلاء" الذي هو أحد أركان الإيمان.
- من تأمل في سيرة الأنبياء والصالحين وجدهم الأكثر بلاءً، فنبينا ﷺ اختبر بالفقر والجوع والخوف وفقدان الأحبة والأمراض.
- الصبر على البلاء سبب لدخول الجنة، كما قال تعالى: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة: 155-157].
أسأل الله أن يجعلنا من الصابرين المحتسبين، وأن يعفو عن خطايانا ببلائه، إنه سميع مجيب.
والله أعلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الإمام أحمد (٢٥٢٦٤) عن هشام بن سعيد، أخبرنا معاوية -يعني ابن سلام-، قال: سمعت يحيى بن أبي كثيرٍ، قال: أخبرني أبو قلابة، أنَّ عبد الرحمن بن شيبة أخبره، أنَّه عائشة أخبرته، فذكرته.
وأورده الهيثمي في «المجمع» (٢/ ١٩٢) وقال: «رواه أحمد، ورجاله ثقات».
قال الأعظمي: وهو كما قال، وإسناده صحيح، وعبد الرحمن بن شيبة، هو العبدي المكي، وصحَّحه ابن حبَّان (٢٩١٩) والحاكم (١/ ٣٦٥ - ٣٦٦) كلاهما من طريق يحيى بن أبي كثير به مثله. قال الحاكم: «صحيح على شرط الشيخين».
وعبد الرحمن بن شيبة العبدي. ليس من رجال الشيخين، غير أنَّه ثقة. وفي صحيح ابن حبان «عبد الله بن نسيب» بدلًا من عبد الرحمن بن شيبة، قال ابن حبان: «يحيى ابن أبي كثير واهم في قوله: عبد الله بن نسيب، إنَّما هو عبد الله بن الحارث نَسيب بن سيرين، فسقط عليه»الحارث«فقال: عبد الله بن نسيب».
وعبد الله بن الحارث هذا -أيضًا- ثقة من رجال الجماعة. إن صحَّ قول ابن حبان فيكون عبد الله ابن الحارث متابعًا لعبد الرحمن بن شيبة.
ورواه مسدد كما في «المطالب» (٢٤٥٣)، وهناد في «الزهد» (١/ ٢٤١) كلاهما من حديث أبي الأحوص، حدثنا أشعث بن سُليم، عن أبي بردة، عن بعض أمهات المؤمنين نحوه. وإسناده صحيح، ولعل المبهمة هي عائشة.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 56 من أصل 541 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: إن الصالحين يشدَّد عليهم

📜 حديث: إن الصالحين يشدَّد عليهم

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: إن الصالحين يشدَّد عليهم

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: إن الصالحين يشدَّد عليهم

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: إن الصالحين يشدَّد عليهم

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية