حديث: بايعنا رسول الله ونهانا عن النياحة

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب النهي عن النياحة

عن أمِّ عطية قالت: بايعنا رسولَ الله فقرأ علينا: ﴿أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾
[الممتحنة: ١٢] ونهانا عن النياحة، فقبضتِ امرأة يدها فقالت: أسعدتْني فُلانة، فأريد أن أَجْزِيَها، فما قال لها النبي ﷺ شيئًا، فانطلقتْ ورجعت فبايعتْ.

متفق عليه: رواه البخاري في التفسير (٤٨٩٢) عن أبي معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية قالت فذكرت الحديث واللفظ للبخاري.

عن أمِّ عطية قالت: بايعنا رسولَ الله فقرأ علينا: ﴿أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾
[الممتحنة: ١٢] ونهانا عن النياحة، فقبضتِ امرأة يدها فقالت: أسعدتْني فُلانة، فأريد أن أَجْزِيَها، فما قال لها النبي ﷺ شيئًا، فانطلقتْ ورجعت فبايعتْ.

شرح الحديث:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فهذا حديث عظيم يروي جانبًا من بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو مليء بالفوائد والعبر. وإليكم الشرح الوافي له على النحو التالي:

أولاً. شرح المفردات:


● بايعنا رسولَ الله: أي بايعناه على السمع والطاعة في المعروف، وعلى التزام شرائع الإسلام.
● فقرأ علينا: ﴿أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا﴾: أي تلا علينا الآية الكريمة من سورة الممتحنة التي تبين شرط البيعة للنساء.
● نهانا عن النياحة: النياحة هي رفع الصوت بالبكاء والعويل على الميت، وهي من أفعال الجاهلية.
● فقبضتِ امرأة يدها: أي سحبت يدها وامتنعت عن المبايعة في تلك اللحظة.
● أسعدتْني فُلانة: أي خدمتني وأحسنت إليّ تلك المرأة (الميتة).
● أريد أن أَجْزِيَها: أي أريد أن أكافئها وأرد جميلها بأن أنيح عليها (أبكيها بصوت عال).

ثانيًا. شرح الحديث:


يحدثتنا الصحابية الجليلة أم عطية نسيبة بنت الحارث الأنصارية رضي الله عنها عن مشهد بيعة النساء للنبي صلى الله عليه وسلم.
فقد جاءت النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبايعنه على الإسلام، فكان من شروط بيعتهن التي بينها القرآن الكريم أن لا يشركن بالله شيئًا، وهو أعظم حق لله على عباده. ثم نهاهن النبي صلى الله عليه وسلم عن النياحة، وهي عادة جاهلية قبيئة كانت شائعة، حيث يجمعن النساء لرفع الأصوات بالبكاء ولطم الخدود وشق الجيوب والدعاء بالويل والثبور، وهذا كله ينافي الصبر والرضا بقضاء الله وقدره.
فلما سمعت إحدى النساء هذا النهي، ترددت وشكت في نفسها، فقبضت يدها وامتنعت عن المبايعة، وعللت ذلك بأن هناك امرأة أخرى قد أسعدتها (أي أحسنت إليها وأكرَمتها) في الماضي، وتريد أن تكافئها وتوفيها حقها بأن تنيح عليها عند موتها تعبيرًا عن الشكر والوفاء!.
وهنا موقف عظيم من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث لم يقل لها شيئًا، لا موافقة على فعلها، ولا تأنيبًا شديدًا يمنعها من العودة، بل تركها لتراجع نفسها وتفكر في الأمر.
فما كان من المرأة إلا أن خرجت ثم عادت بعد أن هدأت ووعت الحكمة من النهي، وأدركت أن طاعة الله ورسوله أولى من أي عرف أو عادة، فمدت يدها وبايعت النبي صلى الله عليه وسلم على ترك النياحة والتزام شرع الله.

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:


1- عظمة بيعة النساء: بيعة النساء كانت على أصول الإيمان والعمل الصالح، وليس على القتال كالرجال، ومن شروطها تجنب الكبائر والمعاصي.
2- تحريم النياحة: النياحة من كبائر الذنوب وهي محرمة بإجماع العلماء، لأنها تدل على السخط على قضاء الله، وتُفْسِدُ قلب الحزين وتثيره على الجزع.
3- الحكمة في الدعوة والتعليم: موقف النبي صلى الله عليه وسلم من المرأة التي امتنعت هو نموذج رفيع في الحكمة والرفق. لم يغضب أو يجبرها، بل أعطاها مساحة للتفكير، فكانت النتيجة أن عادت طائعة مختارة. وهذا أبلغ في التعليم وأعمق أثرًا في النفوس.
4- الوفاء الحقيقي: الوفاء للصديق يكون بالدعاء له، وإسداء المعروف لأهله، وإكرامه، وليس بمعصية الله. فطاعة الله مقدمة على كل عرف وعلاقة.
5- قبول التوبة والعودة إلى الله: الحديث يبعث على الأمل، فالإنسان قد يتردد أو يعصي، ولكن المهم أن يعود وينيب إلى الله، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم بيعتها عندما رجعت.
6- أن الإسلام يمحو عادات الجاهلية: جاء الإسلام ليهذب الأخلاق ويقوم السلوك، ويستبدل العادات الجاهلية القبيحة بتعاليم السماء النقية.

رابعًا. معلومات إضافية:


● النياحة منافية للصبر الواجب شرعًا عند المصيبة، والصبر يكون بالاحتساب وكتم الجزع في القلب، لا بإظهاره بالصياح والشق للثياب.
- الحديث أخرجه الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، مما يدل على صحته وأهميته.
- يستفاد منه أيضًا أن بيعة النساء كانت بالكلام دون مصافحة، كما هو معلوم من أدلة أخرى، لقوله: "فقرأ علينا" ولم يذكر الأخذ باليد.
أسأل الله أن ينفعنا بما علمنا، وأن يرزقنا الفقه في دينه، والاتباع لسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في التفسير (٤٨٩٢) عن أبي معمر، حدثنا عبد الوارث، حدثنا أيوب، عن حفصة بنت سيرين، عن أم عطية قالت فذكرت الحديث واللفظ للبخاري.
وزاد النسائي: لما أردت أن أبايع رسول الله ﷺ قلت: يا رسول الله! إن امرأة أسعدتْني في الجاهلية، فأذهبُ فأُسعدُها، ثم أجيئك فأبايعك. قال: «اذهبي فأسعديها» قالت: فذهبتُ فساعدتُها، ثم جئتُ فبايعتُ رسول الله ﷺ.
ورواه مسلم في الجنائز (٩٣٦/ ٣٣) من وجه آخر عن عاصم، عن حفصة بإسناده وهذا لفظه: عن أم عطية قالت: لما نزلت هذه الآية: ﴿يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ﴾ [الممتحنة: ١٢] قالت: كان منه النياحة. قالت: فقلت: يا رسول الله! إلا آل فلانٍ، فإنهم كانوا أسعدوني في الجاهلية. فلا بد لي أن أُسْعِدهم. فقال رسول الله ﷺ: «إلا آل فلان».
وروت أم سلمة الأنصارية قالت: قالت امرأة من النسوة: ما هذا المعروف الذي لا ينبغي لنا أن نعصيك فيه؟ قال: «تَنُحْنَ» قلت: يا رسول الله: إن بني فلان قد أسعدوني على عمي، ولابد لي من قضائهن فأبى عليَّ. فأتيته مرارًا فأذن لي في قضائهن. فلم أُنْح بعد على آخائهن ولا غيره حتي الساعة، ولم يبق من النسوة امرأة إلا وقد ناحت غيري، رواه الترمذي (٣٣٠٧) عن عبد بن حُميد، حدثنا أبو نعيم، حدثنا يزيد بن عبد الله الشيباني، قال: سمعت شهر بن حوشب. قال: حدثتنا أم سلمة الأنصارية فذكرته.
قال الترمذي: «حسن، وفيه أم عطية ﵂، قال عبد بن حُميد: أم سلمة الأنصارية هي أسماء بنت يزيد بن السكن».
ورواه ابن ماجه (١٥٧٩) من وجه آخر عن وكيع، عن يزيد بن عبد الله مولى الصهباء بإسناده مختصرًا.
قال الأعظمي: فرجعت القصة إلى أم عطية. وفي الإسناد شهر بن حوشب مختلف فيه.
قوله: «إلا آل فلان» استشكله كثير من أهل العلم، لأن الناحة محرمة على رأي جمهور أهل العلم، فكيف يؤذن لأم عطية. ذكر القرطبي في «المفهم» عدة تأويلات ورجح أن يكون ذلك من جهة الإنكار، كما قال للمستأذن حين قال: أنا، فقال ﷺ: «أنا أنا» منكرًا عليه. وقال: ويدل على صحة هذا التأويل ما زاد النسائي في حديث بمعنى حديث أم عطية فقال: «لا إسعاد في الإسلام» أي على نياحة انتهي.
ورجّح الحافظ بعد أن سرد أقاويل كثيرة بأن أقرب الأجوبة أنها كانت مباحة، ثم كرهت كراهة تنزيه، ثم التحريم. «الفتح» (٨/ ٦٣٩). ومعنى الإسعاد قيام المرأة مع الأخرى في النياحة
تراسلها، وهو خاص بهذا المعنى، ولا يستعمل إلا في البكاء والمساعدة عليه. ويقال: إن أصل المساعدة وضع الرجل يده على ساعد الرجل صاحبه عند التعاون على ذلك. انظر «الفتح».

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 189 من أصل 541 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: بايعنا رسول الله ونهانا عن النياحة

  • 📜 حديث: بايعنا رسول الله ونهانا عن النياحة

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: بايعنا رسول الله ونهانا عن النياحة

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: بايعنا رسول الله ونهانا عن النياحة

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: بايعنا رسول الله ونهانا عن النياحة

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب