ادعو لي الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا

حديث: ادعو لي الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا

عن عبد الله بن جعفر أن النبي ﷺ أمهل آل جعفر ثلاثًا أن يأتيهم، ثم أتاهم فقال: «لا تبكوا على أخي بعد اليوم» ثم قال: «ادعوا لي بني أخي» فجئ بنا كأنَّا أفْرخ، فقال: «ادعو لي الحلاق» فأمره فحلق رؤوسنا.
وزاد أحمد في روايته: ثم قال: «أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب، وأما عبد الله فشبيه خَلقي وخُلقي» ثم أخذ بيدي فأشالها فقال: «اللَّهم! اخلُف جعفرًا في أهله، وبارك لعبد الله في صفْقَة يمينه» قالها ثلاث مرات. قال: فجاءت أمنا، فذكرت له يُتْمنا، وجعلتْ تُفْرِح له، فقال: «العيلة تخافين عليهم، وأنا وَلِيُّهم في الدّنيا والآخرة».

صحيح: رواه أبو داود (٤١٩٢)، والنسائي (٥٢٢٧) كلاهما من حديث وهب بن جرير، قال:
حدثنا أبي، قال: سمعتُ محمد بن أبي يعقوب، يحدث عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر فذكر الحديث مختصرًا.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقرأ. هذا حديث عظيم فيه مواقف نبوية رفيقة، ووصايا غالية، فدعنا نتفقه فيه جزءًا جزءًا.
أولاً: تخريج الحديث ومصادره:
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والترمذي، وغيرهم من أئمة الحديث، وهو حديث صحيح.
ثانياً: شرح المفردات:
● أمهل آل جعفر ثلاثًا: انتظرهم وتركهم ثلاثة أيام دون أن يزورهم تعظيماً لمصيبتهم وإعطاءهم فرصة للتهيؤ.
● كأنَّا أفْرخ: الفرخ هو الصغير من الطير، أي كنا صغارًا في السن ضعاف البنية.
● شبيه خَلقي وخُلقي: الخَلق: الهيئة والشكل الظاهر. الخُلق: السجية والطباع الباطنة.
● اِخلُف جعفرًا في أهله: أي اخلفه بعقب صالح أو بركة تعوضهم عن فقده.
● في صفْقَة يمينه: في تجارته وبيعه وشرائه.
● تُفْرِح له: تظهر الفرح والشكر للرسول ﷺ على اهتمامه بهم.
● العيلة: الفقر والحاجة.
ثالثاً: شرح الحديث وفقهه:
يصف الحديث موقفاً إنسانياً نبيلاً بعد استشهاد الصحابي الجليل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه (ذي الجناحين) في غزوة مؤتة. وفيه دروس عظيمة:
1- التأدب مع المصاب وتعزيته في وقته المناسب: لم يبادر النبي ﷺ بزيارة أهل جعفر فوراً، بل أمهلهم ثلاثة أيام. هذا من أدب التعزية ومراعاة مشاعر أهل الميت، وتركهم لفترة أولية يظهرون فيها حزنهم بشكل طبيعي.
2- التوجيه النبوي بعدم الإفراط في البكاء: قوله ﷺ: «لا تبكوا على أخي بعد اليوم» ليس نهياً عن البكاء الطبيعي الذي هو رحمة من الله، بل هو توجيه لعدم الإفراط الذي يصحبه ندب ولطم وخوارع، وخاصة أن جعفراً مات شهيداً وهو من أفضل الموتات. فهو تذكير بقدر الله وحكمته، وتحويل النظر من الفراق إلى الأجر والمنزلة الرفيعة.
3- الرحمة بالصغار واليتامى وإظهار العناية بهم: طلب النبي ﷺ رؤية أبناء جعفر (وهم أطفال صغار)، وقام بنفسه بإحضار الحلاق وحلق رؤوسهم. هذه الحركة فيها تطييب لقلوبهم، وإشعار لهم بالعناية والرعاية، وكسر لحدة جو الحزن الذي يعيشون فيه.
4- الثناء على الأولاد وذكر صفاتهم: وصف النبي ﷺ الابن الأكبر (محمد) بأنه يشبه عمه أبا طالب في هيئته، وهذا ثناء على أبي طالب الذي حمى الرسول في بداية الدعوة وإن لم يُسلم. ووصف الابن الثاني (عبد الله) بأنه يشبهه ﷺ في الخَلق والخُلق، وهي منقبة عظيمة لم ينلها كثير من الناس. وفيه إشارة إلى أهمية ملاحظة الصفات الحميدة في الأطفال وتشجيعهم عليها.
5- الدعاء لهم بالبركة والرزق: دعا النبي ﷺ بأدعية جامعة:
- «اللَّهم! اخلُف جعفرًا في أهله»: أي عوضهم خيراً عنه في دينهم ودنياهم.
- «وبارك لعبد الله في صفْقَة يمينه»: وهو دعاء بالبركة في التجارة والكسب الحلال. وقد استجاب الله الدعاء، فكان عبد الله بن جعفر من الأغنياء المعروفين بالكرم والجود في الإسلام.
6- طمأنة الأم والتكفل باليتامى: عندما جاءت أسماء بنت عميس (زوجة جعفر وأم الأطفال) وشكت إليه حاجتهم ويتمهم، طمأنها النبي ﷺ بقوله: «العيلة تخافين عليهم، وأنا وَلِيُّهم في الدّنيا والآخرة». هذا وعد نبوي كريم بالتكفل بهم مادياً ومعنوياً، وهو أبلغ ما يمكن أن تسمعه أمٌّ ثكلى. وفيه إعلاء لمبدأ التكافل الاجتماعي في الإسلام، وأن رعاية اليتيم من أعظم القربات.
رابعاً: الدروس المستفادة والعبر:
- وجوب مواساة أهل المصاب ومراعاة مشاعرهم.
- الاعتدال في إظهار الحزن وعدم الإفراط فيه، خاصة على الصالحين والشهداء.
- العناية بالأطفال واليتامى ومداعبتهم وتطييب خواطرهم في أوقات الشدة.
- الثناء على الصفات الحميدة في الناس، وخصوصاً الأطفال، لتعزيز ثقتهم بأنفسهم.
- الدعاء لأبناء المسلمين بالبركة والصلاح.
- مسؤولية المجتمع، وخاصة القادة والعلماء، عن رعاية الأيتام والضعفاء والتكفل بهم.
- بيان عظم مكانة جعفر بن أبي طالب ومنزلته عند رسول الله ﷺ.
أسأل الله أن يرزقنا حسن التأسي برسول الله ﷺ في رحمته وحكمته وشفقته على أمته.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو داود (٤١٩٢)، والنسائي (٥٢٢٧) كلاهما من حديث وهب بن جرير، قال:
حدثنا أبي، قال: سمعتُ محمد بن أبي يعقوب، يحدث عن الحسن بن سعد، عن عبد الله بن جعفر فذكر الحديث مختصرًا.
ورواه الإمام أحمد (١٧٥٠) عن وهب بن جرير بإسناده بأتم منه كما ذكرت بعضه، والبعض الآخر في المواضع المناسبة، وإسناده صحيح. وأخرجه الحاكم (٣/ ٢٩٨) قطعةً منه وقال: «صحيح الإسناد».
تنبيه: سقط من النسائي «الحسن بن سعد» وهو ثابت في السنن الكبرى له (٩٢٩٥) فتنبه.
وقوله: «فحلق رؤوسنا» لأن أمهم شغلت بالمصيبة عن ترجيل شعورهم وغسل رؤوسهم، فخاف عليهم الوسخ والقمل، كما أفاده السيوطي.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 180 من أصل 541 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: ادعو لي الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا

📜 حديث: ادعو لي الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: ادعو لي الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: ادعو لي الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: ادعو لي الحلاق فأمره فحلق رؤوسنا

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية