حديث: قتل مؤمن متعمدًا جزاؤه جهنم خالدًا فيها

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب الترهيب من قتل المؤمن

عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ألمن قتل مؤمنًا متعمِّدًا من توبة؟ قال: لا. قال: فتلوت عليه هذه الآية التي في الفرقان: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الفرقان: ٦٨] إلى آخر الآية قال: هذه آية مكية، نسختها آية مدنية ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا﴾ [النساء: ٩٣].

متفق عليه: رواه مسلم في التفسير (٢٠: ٣٠٢٣) من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج، حَدَّثَنِي القاسم بن أبي بزّة، عن سعيد بن جبير قال: فذكره.

عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ألمن قتل مؤمنًا متعمِّدًا من توبة؟ قال: لا. قال: فتلوت عليه هذه الآية التي في الفرقان: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ﴾ [الفرقان: ٦٨] إلى آخر الآية قال: هذه آية مكية، نسختها آية مدنية ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا﴾ [النساء: ٩٣].

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه:

الحديث ومصدره:


هذا الأثر رواه الإمام البخاري في "صحيحه" في كتاب "التفسير"، باب تفسير سورة الفرقان، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، كما رواه غيره من الأئمة.

شرح المفردات:


● متعمِّدًا: أي القاصد للقتل بعلم وإرادة، ليس خطأً أو سهوًا.
● من توبة؟: أي هل هناك مجال لتوبة تقبل منه بعد هذا الذنب العظيم؟
● الآية التي في الفرقان: وهي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الفرقان: 68-70].
● نسختها: أي أبطلت حكمها أو خصصت عمومها.
● آية مدنية: وهي قوله تعالى في سورة النساء: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء: 93].

شرح الحديث:


يحكي سعيد بن جبير - وهو من كبار تلاميذ ابن عباس وأعلمهم بتفسيره - أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما سؤالاً مهماً وهو: هل للذي يعمد إلى قتل مؤمن عمداً أن يتوب ويُقبل منه؟ فأجابه ابن عباس مباشرة: "لا"، أي لا توبة له.
فلما استشكل سعيد بن جبير هذا الجواب، احتجَّ بالآية الكريمة من سورة الفرقان التي تُبشر التائبين من الذنوب العظام - including القتل - بالمغفرة والرحمة إذا تابوا وآمنوا وعملوا صالحاً.
فأجابه ابن عباس رضي الله عنهما بأن آية سورة الفرقان هذه مكية (نزلت قبل الهجرة)، وقد نُسخت فيما يتعلق بحكم قتل المؤمن عمداً بآية أخرى هي آية سورة النساء التي هي مدنية (نزلت بعد الهجرة)، والتي نصت صراحة على أن جزاء قاتل المؤمن متعمداً هو الخلود في نار جهنم، والغضب من الله، واللعنة، والعذاب العظيم. وهذا نص صريح في وعيده وعقوبته، ولم يرد فيه استثناء التوبة.

الدروس المستفادة والعبر:


1- عِظَم جريمة قتل النفس المؤمنة: فهي من أكبر الكبائر التي توجب غضب الله ولعنته وعذابه الأليم.
2- فقه النسخ في القرآن: وهو أن الله تعالى قد ينسخ بعض الأحكام التي نزلت أولاً بأحكام أخرى تنزل لاحقاً. وهذا من رحمة الله وحكمته، لحكم يعلمها سبحانه.
3- حكمة العلماء الربانيين: حيث إن ابن عباس رضي الله عنهما جمع بين النصوص، وعرف المتقدم من المتأخر، وفسر القرآن بالقرآن. وهذا هو منهج أهل العلم والاستنباط.
4- أن التوبة مقيدة بشروطها العامة، ولكن هناك ذنوباً للعبد فيها مفاصلة مع الله، وقد يغلِّظ الله فيها الوعيد، كقتل المؤمن عمداً، والشرك بالله.
5- الحذر من اليأس من رحمة الله: فمع هذا الوعيد الشديد، فإن باب التوبة مفتوح بشكل عام، لكن هذا الذنب بالذات اختلف العلماء في قبول توبة صاحبه. والراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه جمهور العلماء من أن قاتل المؤمن متعمداً لا توبة له، وأن مصيره إلى جهنم، لكنه تحت مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له بفضله ورحمته.

معلومات إضافية مفيدة:


- اختلف العلماء في توبة قاتل المؤمن عمداً على قولين:
* القول الأول: أنه لا توبة له، وهو مذهب ابن عباس وجماعة من السلف، واستدلوا بهذه الآية (النساء: 93) حيث جاء الوعيد مطلقاً دون استثناء.
* القول الثاني: أن توبته مقبولة، وهو مذهب أكثر العلماء، لأن عموم آيات التوبة تشمل كل ذنب، كقوله تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53]. وقالوا: إن آية النساء محمولة على من مات على ذلك ولم يتب.
- الذي عليه كثير من المحققين أن توبته مقبولة بينه وبين الله تعالى، لكنها لا تسقط حق المجتمع، فلا تسقط القصاص عنه في الدنيا، فهو يقتص منه حتى ولو تاب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في التفسير (٢٠: ٣٠٢٣) من طريق يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج، حَدَّثَنِي القاسم بن أبي بزّة، عن سعيد بن جبير قال: فذكره. ورواه البخاريّ في التفسير (٤٧٦٢) من وجه آخر عن ابن جريج مختصرًا.
قال النوويّ في شرح مسلم: هذا هو المشهور عن ابن عباس. ورُوي عنه أن له توبة، وجواز المغفرة لقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ [النساء: ١١٠] وهذه الرواية الثانية هي مذهب جميع أهل السنة والصحابة والتابعين ومن بعدهم. وما رُوي عن بعض السلف مما يخالف هذا محمول على التغليظ والتحذير من القتل والتورية في المنع منه. وليس في هذه الآية التي احتج بها ابن عباس نصريح بأنه يخلد، وإنما فيها أنه جزاؤه، ولا يلزم منه أنه يجازي.
وقال غيره: إن قوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا ...﴾ [النساء: ٩٣] مطلق، فيحمل
على من لم يتب، لأن الآية الأخرى مقيدة بالتوبة، ثمّ إن الله تعالى قال: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾ [النساء: ٤٨] فقصر عدم المغفرة بالشرك وحده.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 9 من أصل 140 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: قتل مؤمن متعمدًا جزاؤه جهنم خالدًا فيها

  • 📜 حديث: قتل مؤمن متعمدًا جزاؤه جهنم خالدًا فيها

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: قتل مؤمن متعمدًا جزاؤه جهنم خالدًا فيها

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: قتل مؤمن متعمدًا جزاؤه جهنم خالدًا فيها

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: قتل مؤمن متعمدًا جزاؤه جهنم خالدًا فيها

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب