ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا

حديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا

عن أم كلثوم بنت عقبة - وكانت من المهاجرات الأُول - أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول: «ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا».
زاد مسلم قال ابن شهاب: ولم أسمع يُرخّص في شيء مما يقول الناس كذب إلا في ثلاث.
الحرب، والإصلاح بين الناس، وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.

متفق عليه: رواه البخاري في الصلح (٢٦٩٢)، ومسلم في البر والصلة (٢٦٠٥) من طرق عن
الزهري، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أخبرته .

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النبوي الشريف الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه عن أم كلثوم بنت عقبة رضي الله عنها، مع بيان معانيه ودروسه المستفادة:

أولاً. شرح المفردات:

● ليس الكذاب: أي ليس الشخص الذي يفعل هذا الفعل مستحقًا لوصف الكذاب الكامل الذي يُذم ويُعاقب.
● يصلح بين الناس: أي يسعى للإصلاح والتوفيق بين المتخاصمين أو المتنازعين.
● فينمي خيرًا: أي يبلّغ كلامًا طيبًا أو يزيد من الخير بينهم، و"ينمي" من النميمة لكن هنا تستخدم في الخير.
● أو يقول خيرًا: أي يتكلم بكلام يحقق مصلحة أو يدفع ضررًا.
● يرخّص: أي يجيز ويبيح شيئًا كان الأصل فيه المنع.
● في ثلاث: أي في ثلاثة مواضع يستثنى فيها من حرمة الكذب.

ثانيًا. شرح الحديث:

يبيّن النبي ﷺ في هذا الحديث أن الشخص الذي يكذب بقصد الإصلاح بين الناس، ونشر الخير، أو قول الكلام الطيب لتسكين النفوس وجمع القلوب، لا يُعتبر كذابًا بالمعنى المذموم شرعًا. بل هذا النوع من الكلام يُعد من المعروف والفضل، لأنه يُراد به تحقيق مصلحة أعظم وهي جمع الشمل وإزالة العداوة.
ثم زاد الإمام مسلم رواية عن ابن شهاب الزهري أنه لم يسمع بالإذن في الكذب إلا في ثلاثة أمور:
1- في الحرب: وهو ما يُعرف بـ"خداع الحرب"، حيث يجوز للمسلمين أن يكذبوا على الأعداء لأجل تحقيق النصر أو الحفاظ على المصالح العليا للأمة، كما قال تعالى: "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ" (المنافقون: 1)، وفيه إشارة إلى جواز خداع العدو في الحرب.
2- الإصلاح بين الناس: كما في صدر الحديث، وهو الكذب بقصد إزالة الشحناء وإعادة الود بين المتخاصمين.
3- حديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها: أي الكذب بين الزوجين فيما يدعو إلى المودة والاستمرار في الحياة الزوجية، كأن يمدحها بكلام قد لا يكون完全 صحيحًا تمامًا لتدخل السرور عليها، أو العكس.

ثالثًا. الدروس المستفادة:

1- مراعاة المقاصد في الأحكام: فالشريعة الإسلامية تراعي مقاصد الكلام وغاياته، فالكذب المباح هو ما كان وسيلة لتحقيق مصلحة راجحة أو دفع مفسدة أكبر.
2- فضل الإصلاح بين الناس: السعي في الإصلاح بين المتخاصمين من الأعمال العظيمة التي حث عليها الإسلام، حتى إنه يجوز فيها ما لا يجوز في غيرها تقريبًا.
3- الحكمة في التعامل: يُستفاد من الحديث أن المسلم يجب أن يكون حكيمًا في كلامه، فيعرف متى يتكلم ومتى يسكت، ومتى يجوز له أن يتجاوز بعض الحدود لمصلحة أعظم.
4- ضوابط الكذب المباح: أن يكون الكذب لهذه الأغراض محدودًا بما يحقق المصلحة فقط، دون إفراط أو تفريط، وأن لا يؤدي إلى ضرر أكبر.
5- الحفاظ على العلاقات الزوجية: العلاقة بين الزوجين تحتاج إلى تلطيف ومداعبة، وقد يجوز فيها بعض الكذب البريء الذي يقوي المودة ولا يضر.

رابعًا. معلومات إضافية:

- هذا الحديث من الأحاديث التي تُظهر سماحة الإسلام ومرونته، حيث يراعي الظروف والإمكانات والمقاصد.
- يجب التنبيه إلى أن الكذب الأصل فيه التحريم، وهذه استثناءات محدودة بضوابطها.
- العلماء ذكروا أن الكذب في الإصلاح بين الناس يجب أن لا يؤدي إلى ظلم أحد الطرفين، بل يكون وسيلة للتقريب فقط.
- هذا الحديث يدخل في باب "درء المفاسد وجلب المصالح"، وهو قاعدة عظيمة في الشريعة.
أسأل الله أن يجعلنا من الصادقين، وأن يعيننا على تطبيق سنة نبيه ﷺ، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاري في الصلح (٢٦٩٢)، ومسلم في البر والصلة (٢٦٠٥) من طرق عن
الزهري، أن حميد بن عبد الرحمن أخبره أن أمه أم كلثوم بنت عقبة أخبرته .. فذكرت الحديث.
وقوله: «ولم أسمع يرخص ... الخ» هو من قول الزهري، وأما ما جاء في بعض الروايات أنه من قول أم كلثوم فقد جزم أهل العلم بإدراجها. انظر: علل الدارقطني (١٥/ ٣٥٨)، والفصل للوصل المدرج (١/ ٢٥٨ - ٢٧٥)، وفتح الباري (٥/ ٣٠٠).
وفي معناه روي عن أسماء بنت يزيد عند الترمذي (١٩٣٩)، وعائشة عند الطبري في تهذيب الآثار (٢٠١)، وأبي أيوب عند أبي عوانة (٦٥٤٥) وغيرهم وهي كلها معلولة.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 171 من أصل 424 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا

📜 حديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرًا أو يقول خيرًا

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية