رأيت بلالا في الجنة وسمعت وجسه

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث الشريف الذي رواه ابن عباس رضي الله عنهما، والذي يتناول جانبًا من أحداث ليلة الإسراء والمعراج، معتمدًا في ذلك على كُتب أهل السنة والجماعة المعتمدة:

---

الحديث:

عن ابن عباس قال: ليلة أسري بنبي الله ﷺ ودخل الجنة، فسمع في جانبها وجْسًا قال: «يا جبريل ما هذا؟». قال: هذا بلال المؤذن. فقال نبي الله ﷺ حين جاء إلى الناس: «قد أفلح بلال، رأيت له كذا وكذا». قال: فلقيه موسى عليه السلام فرحب به، وقال: مرحبًا بالنبي الأمي، فقال: «من هذا يا جبريل؟». قال: هذا موسى عليه السلام قال: فمضى فلقيه عيسى، فرحب به، وقال: «من هذا يا جبريل؟». قال: هذا عيسى. قال: فمضى، فلقيه شيخ جليل مهيب، فرحب به وسلم عليه، وكلهم يسلم عليه، قال: «من هذا يا جبريل؟». قال: هذا أبوك إبراهيم، قال: فنظر في النار، فإذا قوم يأكلون الجيف، قال: «من هؤلاء يا جبريل؟». قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ورأى رجلًا أحمر أزرق جعدًا شعثًا إذا رأيته، قال: «من هذا يا جبريل؟». قال: هذا عاقر الناقة. قال: فلما دخل النبي ﷺ المسجد الأقصى قام يصلي، ثم التفت فإذا النبيون أجمعون يصلون معه، فلما انصرف جيء بقدحين، أحدهما عن اليمين، والآخر عن الشمال، في أحدهما لبن، وفي الآخر عسل، فأخذ اللبن فشرب منه، فقال الذي كان معه القدح: أصبت الفطرة.

---

1. شرح المفردات:

● أسري: أي أُسري به ليلاً من مكة إلى المسجد الأقصى ثم عُرج به إلى السماوات.
● وجسًا: صوتًا خفيًا أو حركةً أو همسًا.
● أفلح: فاز ونجح وحصل على الخير والفلاح.
● شيخ جليل مهيب: شخصية عظيمة مُحترمة تُثير الهيبة والإجلال.
● الجيف: اللحوم المتعفنة أو الميتة التي لا تُؤكل.
● عاقر الناقة: الذي قتل ناقة صالح عليه السلام.
● قدحين: إناءين أو كأسين.
● أصبت الفطرة: اخترت الطبيعة السليمة والدين القويم.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث يصف بعض المشاهد التي رآها النبي صلى الله عليه وسلم خلال رحلة الإسراء والمعراج، وهي معجزة عظيمة أكرمه الله بها.
● صوت بلال في الجنة:
سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوتًا في الجنة، فسأل جبريل عنه، فأخبره أنه صوت بلال المؤذن. وهذا يدل على المكانة العالية لبلال رضي الله عنه، حيث سُمِعَ صوته في الجنة قبل موته، تكريمًا له لِما كان يقوم به من أذان وعبادة.
● لقاء الأنبياء:
ثم قابل النبي صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام، ثم عيسى عليه السلام، ثم إبراهيم عليه السلام، وكل منهم رحب به وسلّم عليه. وهذا يؤكد أن الأنبياء جميعًا يجمعهم التوحيد والإيمان، وأنهم إخوة في الدعوة إلى الله.
● مشاهد في النار:
رأى النبي صلى الله عليه وسلم في النار قومًا يأكلون الجيف، وهم الذين كانوا في الدنيا يأكلون لحوم الناس بالغيبة والنميمة. ورأى رجلاً أحمر أزرق (أي لونه غريب ومخيف) جعدًا شعثًا (شعره مجعدٌ ومهمل)، وهو عاقر ناقة صالح الذي كذب وعصى فأهلكه الله.
● الصلاة بالأنبياء في المسجد الأقصى:
عندما صلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد الأقصى، صلى خلفه جميع الأنبياء، وهذا يدل على أنه الإمام الأعظم وخاتم النبيين.
● اختيار اللبن على العسل:
عُرض على النبي صلى الله عليه وسلم قدحان: أحدهما لبن والآخر عسل، فاختار اللبن. فقيل له: "أصبت الفطرة"، أي أن اللبن يرمز إلى الفطرة السليمة والدين الحق، وهو الإسلام.

---

3. الدروس المستفادة:

1- مكانة بلال رضي الله عنه:
يؤكد الحديث فضل بلال ومكانته عند الله بسبب إيمانه وتقواه وأذانه.
2- التواصل بين الأنبياء:
الأنبياء جميعًا يعرف بعضهم بعضًا، ويحترم بعضهم بعضًا، وهم جميعًا يدعون إلى توحيد الله.
3- تحذير من الغيبة والنميمة:
الذين يأكلون لحوم الناس بالغيبة والنميمة يعاقبون في النار بأكل الجيف، وهذا تحذير شديد من هذه الآثام.
4- عاقبة الكفر والعصيان:
قصة عاقر ناقة صالح تذكرنا بمصير من يكذب بآيات الله ويعصي رسله.
5- رمزية اللبن:
اختيار النبي صلى الله عليه وسلم للبن يدل على أن الإسلام هو دين الفطرة السليمة، وهو الدين الذي يناسب human nature.
6- الإسراء والمعراج معجزة:
الحديث يؤكد حقيقة الإسراء والمعراج، وهي معجزة لنبينا صلى الله عليه وسلم، وتُظهر تكريم الله له.

---

4. معلومات إضافية:

- رحلة الإسراء والمعراج كانت tests لإيمان الصحابة، فصدقها المؤمنون وكذبها الكفار.
- هذه الرحلة فيها تكريم للنبي صلى الله عليه وسلم وتثبيتٌ له بعد عام الحزن.
- الصلاة في المسجد الأقصى مع الأنبياء ترمز إلى وحدة الرسالات السماوية.