لا تضرك الفتنة

حديث: لا تضرك الفتنة

عن حذيفة بن اليمان قال: ما أحد من الناس تدركه الفتنة إِلَّا أنا أخاف عليه إِلَّا محمد بن مسلمة فإني سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «لا تضرّك الفتنة».

حسن: رواه أبو داود (٤٦٦٣)، وابن أبي شيبة (٣٨٣٩٣) كلاهما من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا هشام، عن محمد - هو ابن سيرين - قال: قال حذيفة فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن ينفعنا بما نسمع ونقول.
هذا حديث عظيم رواه الإمام البخاري في صحيحه (رقم 7104) عن الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وهو من أكثر الصحابة اطلاعاً على شؤون الفتن وأحاديثها، حتى سُمي بـ "صاحب سر رسول الله ﷺ في الفتن".

أولاً. شرح المفردات:

● تدركه الفتنة: تصيبه وتحيط به.
● إلا أنا أخاف عليه: يعني أنني أخشى عليه من الضلال والهلاك فيها.
● إلا محمد بن مسلمة: استثناء وحيد، فهو الوحيد الذي لا أخشى عليه.
● «لا تضرّك الفتنة»: لن تصل إليك بسوء، ولن تؤثر فيك بشيء من الضرر في دينك.

ثانياً. شرح الحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، وهو الذي شهد الفتن وعرف رجالها وأحداثها، أنه كان يخاف على كل الناس من الوقوع في الضلال عند مجيء الفتن، إلا رجلاً واحداً كان مطمئنّاً إلى سلامة دينه وعقيدته، وهو محمد بن مسلمة رضي الله عنه.
وسبب هذا الاطمئنان أنه سمع النبي ﷺ يبشره ويقول له: «لا تضرّك الفتنة». فهذه بشارة نبوية بأنه سيكون من الذين يعصمهم الله تعالى عند اختلاف الناس وحدوث المحن، فلا تزل قدمه، ولا يميل مع الهوى، ولا ينخدع بالشبهات أو الشهوات.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظم خطر الفتن: الحديث يظهر مدى خطورة الفتن على دين المرء، حتى أن حذيفة كان يخاف على الجميع منها. والفتن تشمل فتنة الشبهات (التي تختبر صحة عقيدتك وفهمك) وفتنة الشهوات (التي تختبر إيمانك وورعك).
2- فضل محمد بن مسلمة ومكانته: هذه شهادة عظيمة من رسول الله ﷺ وثناء من حذيفة، تدل على قوة إيمانه وثباته. ومحمد بن مسلمة هو أنصاري من الصحابة الكبار، شهد بدراً والمشاهد كلها مع رسول الله ﷺ، وكان معروفاً بالشجاعة والورع.
3- الثبات على الحق هو النجاة: النجاة في الفتن ليست بالهرب منها دائماً، ولكن بالثبات على المبادئ والأصول الشرعية، والتمسك بسنة النبي ﷺ، وعدم الانجراف مع التيارات المضلة.
4- دعاء النبي ﷺ مستجاب: قول النبي ﷺ «لا تضرّك الفتنة» هو بمنزلة دعاء له بالعصمة والثبات، ودعاء النبي ﷺ مستجاب لا يُرد.
5- الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله: لم يكن ثبات محمد بن مسلمة من دون سبب، بل كان نتيجة إيمانه القوي، وتقواه، وحرصه على طاعة الله ورسوله، فجعل الله له من كل فتنة مخرجاً.

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- تحققت هذه البشارة النبوية في حياة محمد بن مسلمة رضي الله عنه، فقد شهد الفتنة الكبرى بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، فلم يحارب في الفتنة، ولم ينحز إلى طرف، بل اعتزل الفتنة كلها، وحافظ على دينه وعقله، حتى توفي سنة 43 هـ راضياً مرضياً.
- هذا الحديث يعلّمنا أن نحرص على أن نكون من الذين لا تضرهم الفتن، وذلك بالالتزام بمنهج أهل السنة والجماعة، والتمسك بالكتاب والسنة، والبعد عن مواطن الشبهات والاختلاف.
أسأل الله تعالى أن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبت قلوبنا على دينه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أبو داود (٤٦٦٣)، وابن أبي شيبة (٣٨٣٩٣) كلاهما من طريق يزيد بن هارون، أخبرنا هشام، عن محمد - هو ابن سيرين - قال: قال حذيفة فذكره.
وابن سيرين لم يدرك حذيفة بن اليمان، قاله المزي كما في تحفة التحصيل.
وهو كما قال فإن محمد بن سيرين ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، ومات حذيفة في أول خلافة عليّ رضي الله عنه سنة ٣٦ هـ فعلى هذا يكون عمر ابن سيرين عند موت حذيفة ثلاث أو أربع سنوات، ولكن يقوّيه ما روي موقوفًا:
عن ثعلبة بن ضبيعة قال: دخلنا على حذيفة، فقال: إني لأعرف رجلًا لا تضره الفتن شيئًا، قال: فخرجنا فإذا فسطاط مضروب، فدخلنا، فإذا فيه محمد بن مسلمة، فسألناه عن ذلك، فقال: ما أريد أن يشتمل عليّ شيء من أمصارهم حتَّى تنجلي عما انجلت.
رواه أبو داود (٤٦٦٤)، وصحّحه الحاكم (٣/ ٤٣٣ - ٤٣٤) كلاهما من طريق شعبة، عن الأشعث بن سليم، عن أبي بردة، عن ثعلبة بن ضبيعة قال: فذكره.
وثعلبة بن ضبيعة ويقال: ضبيعة بن حصين لم يرو عنه غير أبي بردة، ولم يوثّقه إِلَّا ابن حبَّان، لذا قال عنه الحافظ في التقريب: «مقبول» يعني عند المتابعة.
ولم أجد له متابعًا ولكن يقوّيه ما قبله.
ومحمد بن مسلمة بن سلمة الأوسي الأنصاري هو أبو عبد الرحمن المدني حليف بني عبد الأشهل ولد قبل البعثة باثنتين وعشرين سنة، وهو ممن سمي في الجاهلية «محمدًا».
أسلم قديمًا على يدي مصعب بن عمير قبل سعد بن معاذ وآخى رسول الله ﷺ بينه وبين أبي عبيدة وشهد المشاهد بدرًا وما بعدها إِلَّا غزوة تبوك فإنه تخلف بإذن النَّبِيّ ﷺ له أن يقيم بالمدينة وكان ممن ذهب إلى قتل كعب بن الأشرف وإلى ابن أبي الحقيق وقال ابن عبد البر: كان من فضلاء الصّحابة واستخلفه النَّبِيّ ﷺ على المدينة في بعض غزواته وكان ممن اعتزل الفتنة فلم يشهد الجمل ولا صفين.
مات بالمدينة في صفر سنة ست وأربعين وهو ابن سبع وسبعين سنة وقيل: مات سنة ثلاث وأربعين.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 500 من أصل 643 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: لا تضرك الفتنة

📜 حديث: لا تضرك الفتنة

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: لا تضرك الفتنة

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: لا تضرك الفتنة

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: لا تضرك الفتنة

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية