حديث: اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب فضائل عمرو بن العاص وأخباره

عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدًا، فلمّا رأى ذلك ابنه عبد الله بن عمرو قال: يا أبا عبد الله، ما هذا الجزع وقد كان رسول الله ﷺ يدنيك ويستعملك؟ قال: أي بني، قد كان ذلك، وسأخبرك عن ذلك: إني والله! ما أدري أحبا كان ذلك أم تألفا يتألفني، ولكني أشهد على رجلين أنه قد فارق الدُّنيا وهو يحبهما: ابن سمية، وابن أم عبد، فلمّا حدَّثه وضع يده موضع الغلال من ذقنه، وقال: اللهم! أمرتنا فتركنا، ونهيتنا فركبنا، ولا يسعنا إِلَّا مغفرتك، وكانت تلك هجيراه حتَّى مات.

صحيح: رواه أحمد (١٧٧٨١) عن عفّان، حَدَّثَنَا الأسود بن شيبان، حَدَّثَنَا أبو نوفل بن أبي عقرب فذكره.

عن أبي نوفل بن أبي عقرب قال: جزع عمرو بن العاص عند الموت جزعا شديدًا، فلمّا رأى ذلك ابنه عبد الله بن عمرو قال: يا أبا عبد الله، ما هذا الجزع وقد كان رسول الله ﷺ يدنيك ويستعملك؟ قال: أي بني، قد كان ذلك، وسأخبرك عن ذلك: إني والله! ما أدري أحبا كان ذلك أم تألفا يتألفني، ولكني أشهد على رجلين أنه قد فارق الدُّنيا وهو يحبهما: ابن سمية، وابن أم عبد، فلمّا حدَّثه وضع يده موضع الغلال من ذقنه، وقال: اللهم! أمرتنا فتركنا، ونهيتنا فركبنا، ولا يسعنا إِلَّا مغفرتك، وكانت تلك هجيراه حتَّى مات.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الأثر العظيم، الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وغيره، يحمل قصة موعظة وعبرة من صحابي جليل هو عمرو بن العاص رضي الله عنه، وهو من دهاة العرب وأصحاب الرأي والحكمة، وقد أسلم قبل فتح مكة بقليل وكان إسلامه فتحاً عظيماً للمسلمين.

أولاً. شرح المفردات:


● جَزَعَ: اضطرب واهتزّ خوفاً من الموت وشدته، وهو نقيض الصبر.
● يُدْنِيكَ: يقربك منه ويجلسك في مكان قريب منه تكريماً لك.
● يَسْتَعْمِلُكَ: يوليك العمل والمناصب، كإمارة الجيوش وغيرها.
● تَأَلُّفًا يَتَأَلَّفُنِي: أي مصادقة وملاينة ليجذب قلبي إلى الإسلام، لأني كنت新اً في الدين.
● فَارَقَ الدُّنْيَا: أي مات وانتقل إلى الآخرة.
● ابْنُ سُمَيَّة: هو عمار بن ياسر رضي الله عنه، وأمه سمية أول شهيدة في الإسلام.
● ابْنُ أُمِّ عَبْد: هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وكان يلقب بذلك.
● مَوْضِعَ الْغَلَالِ مِنْ ذَقْنِهِ: الغلال هو الحبل الذي يُربط في العنق، كناية عن وضع يده على عنقه أو تحت ذقنه كما يفعل المأسور أو الخائف من العقاب.
● هَجِيرَاهُ: أي كلمته التي يرددها دائماً، أو جملته التي أصبحت شغله الشاغل.


ثانياً. شرح الحديث:


يخبرنا أبو نوفل عن المشهد المؤثر لوفاة عمرو بن العاص رضي الله عنه، حيث ظهر عليه الخوف الشديد والاضطراب عند حضور أجلِه.
فلما رآه ابنه عبد الله على هذه الحالة، استغرب وقال له: كيف تخاف هذا الخوف وأنت من أصحاب النبي ﷺ المقربين، الذي كان يقربك ويوليك أعمالاً مهمة؟ implying أن هذا المكانة يجب أن تطمئنك.
فأجابه عمرو بحكمة بالغة: "يا بني، نعم كان ذلك، ولكنني والله لا أدري: هل كان تقريبي واستعمالي لأنه ﷺ كان يحبني حقيقة، أم كان ذلك ليتألفني ويميل قلبي إلى الإسلام لأن إسلامي كان حديثاً؟".
ثم ليطمئن ابنه ويعلمه أنه لا ييأس من رحمة الله تماماً، استشهد بشاهدين على محبة النبي ﷺ الصادقة: هما عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما، مؤكداً أنهما ماتا والنبي ﷺ يحبهما حباً جازماً.
ثم أخذ يردد بندمة وخشوع: "اللهم! أنت أمرتنا فأطعناك في بعض وتركنا الكثير، ونهيتنا فانتهينا عن بعض وركبنا المعاصي في أخرى، ولا يوجد ما ينجينا من عذابك إلا مغفرتك ورحمتك الواسعة". واستمر على هذا الدعاء والاستغفار حتى فارق الحياة.


ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- خوف الصالحين: يظهر هذا الأثر حقيقة خوف السلف الصالح من الله وعدم اغترارهم بأعمالهم، حتى لو بلغوا أعلى المراتب. فعمرو بن العاص كان فاتح مصر وقائد جيوش، ومع هذا خاف من التقصير.
2- الخشية عند الموت: الموت وآلامه تذكر الإنسان بحقارة الدنيا وعظمة الآخرة، فتذهب الغرورة وتبقى الحقيقة. هذا الموقف درس لكل من يغتر بمنصبه أو عمله.
3- عدم الارتياح للذات: المؤمن الحقيقي لا يثق بعمله ولا يرى لنفسه فضلاً، بل يخشى أن تكون أعماله لم تقبل، أو أن هناك تقصيراً خفياً. وهذا من كمال إيمانه.
4- محبة النبي ﷺ الصادقة: ذكر عمرو رضي الله عنه محبة النبي ﷺ لعمار وابن مسعود ليبين أن محبة النبي هي الشرف الحقيقي، لا المناصب الدنيوية.
5- الاستغفار والإنابة: كان رد عمرو على خوفه هو التوجه إلى الله بالاعتراف بالتقصير والالتجاء إلى مغفرته. هذا هو طريق النجاة الوحيد: "وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ۚ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ" [هود: 88].
6- الحكمة في تربية الأبناء: رد عمرو على ابنه كان رداً حكيماً، لم يزده رهبة، بل علمه درساً في التواضع وعدم الاغترار، وأراه طريق الإنابة والاستغفار.


رابعاً. معلومات إضافية:


- هذا الأثر ليس حديثاً نبوياً مرفوعاً، بل هو أثر من فعل صحابي، وهو صحيح ثابت عن عمرو بن العاص.
- موقف عمرو هذا هو عين ما أمر الله به في قوله: "وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَىٰ رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ" [المؤمنون: 60]. كانوا يعطون الأعمال ولكن قلوبهم وجلة خائفة.
- توفي عمرو بن العاص رضي الله عنه في مصر سنة 43 هـ، وكان عمره آنذاك يقارب المائة عام.
أسأل الله أن يتوفانا وهو راض عنا، وأن يجعلنا من الذين يخافونه حق خشيته، ولا يغترون بعملهم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه أحمد (١٧٧٨١) عن عفّان، حَدَّثَنَا الأسود بن شيبان، حَدَّثَنَا أبو نوفل بن أبي عقرب فذكره. وإسناده صحيح.
وقوله: «هجيراه» أي دأبه وشأنه.
وفي الباب ما رُوي عن طلحة بن عبيد الله قال: سمعتُ رسول الله ﷺ يقول: «إن عمرو بن العاص من صالحي قريش». إِلَّا أنه منقطع.
رواه الترمذيّ (٣٨٤٥)، وأحمد (١٣٨٢) كلاهما من طرق، عن ابن أبي مليكة (وهو عبد الله بن عبد الله بن أبي مليكة) قال: قال: طلحة بن عبيد الله فذكره.
قال الترمذيّ: «هذا حديث إنّما نعرفه من حديث نافع بن عمر الجمحي، ونافع ثقة وليس إسناده بمتصل، ابن أبي مليكة لم يدرك طلحة».
وبه أعلّه ابن حجر في الإصابة.
وفي الباب عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله ﷺ: «أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص». رواه الترمذيّ (٣٨٤٤)، وأحمد (١٧٤١٣) كلاهما من طريق ابن لهيعة، عن مشرح بن هاعان، عن عقبة بن عامر قال: فذكره.
قال الترمذيّ: «هذا حديث غريب لا نعرفه إِلَّا من حديث ابن لهيعة عن مشرح وليس إسناده بالقوي».
وهو كما قال: فإن مشرح بن هاعان يُروي عن عقبة بن عامر أحاديث مناكير لا يتابع عليها قاله ابن حبَّان.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 492 من أصل 643 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك

  • 📜 حديث: اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: اللهم أمرتنا فتركنا ونهيتنا فركبنا ولا يسعنا إلا مغفرتك

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Thursday, November 20, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب