رجل دخل الجنة لم يصل قط

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، معتمدًا على كُتب أهل السنة والجماعة:

---

نص الحديث:

عن أبي هريرة قال: كان يقول: حدثوني عن رجل دخل الجنّة لم يصل قطّ، فإذا لم يعرفه الناس سألوه: من هو؟ فيقول: أصيرم بني عبد الأشهل عمرو بن ثابت بن وقش. قال الحصين: فقلت لمحمود بن لبيد: كيف كان شأن الأصيرم؟ قال: كان يأبى الإسلام على قومه، فلمّا كان يوم أحد وخرج رسول الله ﷺ إلى أحد، بدا له الإسلام فأسلم، فأخذ سيفه فغدا حتَّى أتى القوم فدخل في عرض الناس، فقاتل حتَّى أثبتته الجراحة، قال: فبينما رجال بني عبد الأشهل يلتمسون قتلاهم في المعركة إذا هم به، فقالوا: إنه للأصيرم، وما جاء؟ لقد تركناه وإنه لمنكر لهذا الحديث، فاسألوه ما جاء به؟ قالوا: ما جاء بك يا عمرو، أحدبا على قومك أو رغبة في الإسلام؟ قال: بل رغبة في الإسلام، آمنت بالله ورسوله وأسلمت، ثمّ أخذت سيفي فغدوت مع رسول الله ﷺ فقاتل حتَّى أصابني ما أصابني، قال: ثمّ لم يلبث أن مات في أيديهم، فذكروه لرسول الله ﷺ فقال: «إنَّه لمن أهل الجنّة».

---

1. شرح المفردات:

● أصيرم: لقب لعمرو بن ثابت، والأصيرم يعني الأصغر أو الضعيف، وقد يكون وصفًا لبعض أحواله قبل الإسلام.
● بني عبد الأشهل: قبيلته من الأنصار في المدينة.
● يأبى الإسلام على قومه: كان يرفض الإسلام مع أن قومه قد أسلموا.
● بدا له الإسلام: ظهر له الحق وشرح الله صدره للإسلام.
● غدا: خرج في الصباح.
● في عرض الناس: في وسط المقاتلين.
● أثبتته الجراحة: أصابته جراح شديدة أقعده عن القتال.
● أحدبا على قومه: أي جاء دفاعًا عن قومه وحماية لهم دون إيمان.
● لم يلبث أن مات: لم يمكث طويلاً حتى مات.

---

2. شرح الحديث:

هذا الحديث يروي قصة الصحابي الجليل عمرو بن ثابت بن وقش، الملقب بـالأصيرم، من بني عبد الأشهل من الأنصار. كان من الذين تأخروا في دخول الإسلام، بل كان يعارضه في البداية، ولكن الله تعالى هداه فأسلم في لحظة حاسمة وهي يوم غزوة أحد.
لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم إلى أحد، شرح الله صدر الأصيرم للإسلام، فأسلم في نفس اليوم، ولم يؤخر ذلك، بل أخذ سيفه وذهب مباشرة إلى ساحة القتال ليدافع عن الإسلام والمسلمين، دون أن يصلي صلاة واحدة؛ لأنه لم يكن قد تعلم الصلاة بعد، أو لم يتسن له الوقت لأدائها بسبب اندفاعه للجهاد.
قاتل الأصيرم بشجاعة نادرة حتى أصابته جراح شديدة، فوجده رجال قومه بين القتلى، فتعجبوا من وجوده لأنه كان معروفًا بمعارضته للإسلام قبل ذلك، فسألوه: هل جاء دفاعًا عن قومه فقط؟ فأخبرهم أنه أسلم إيمانًا بالله ورسوله، ثم قاتل حتى أصابته الجراح، ومات بعدها مباشرة.
عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم خبره، قال: «إنه لمن أهل الجنة»، وهذا تصريح منه صلى الله عليه وسلم بدخوله الجنة بما حصل له من الإخلاص والتضحية.

---

3. الدروس المستفادة:

● سعة رحمة الله تعالى: فالله يقبل التوبة من عباده مهما كانوا بعيدين عن الحق، ويفتح لهم أبواب التوبة حتى في اللحظات الأخيرة.
● فضل الجهاد في سبيل الله: فقد غفر الله للأصيرم ذنوبه السابقة ودخله الجنة بسبب جهاده وإيمانه، رغم أنه لم يصلّ صلاة واحدة.
● الإخلاص شرط القبول: كان إسلام الأصيرم خالصًا لله، ولم يأتِ دفاعًا عن قبيلته، بل عن عقيدته، فقبل الله منه.
● الاستبشار بتوبة العصاة: لا يجب اليأس من رحمة الله، فالتوبة ممكنة في أي وقت.
● أن الأعمال بخواتيمها: فقد ختم الله له بخير، وهو الموت في سبيل الله.

---

4. معلومات إضافية:

- هذه القصة من قصص توبة الأنصار، وهي مشهورة في كتب السير والتراجم.
- استدل به العلماء على أن من مات مجاهدًا في سبيل الله بعد إيمانه، فإنه من أهل الجنة وإن كان مقصرًا في بعض العبادات.
- يُستفاد منه أيضًا أن الجهاد قد يكفر الذنوب حتى التي قبل الإسلام إذا صحت التوبة.
- رواه الإمام أحمد في "المسند"، وابن حبان في "صحيحه"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

أسأل الله تعالى أن يوفقنا للإخلاص في القول والعمل، وأن يتقبل منا صالح الأعمال، ويجعلنا من أهل الجنة. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.