حديث: الذين يلمزون المطوعين في الصدقات
📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة
باب قوله: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٧٩)﴾
متفق عليه: رواه البخاري في التفسير (٤٦٦٨)، ومسلم في الزكاة (١٠١٨) كلاهما من طريق بشر بن خالد أبي محمد، أخبرنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن سليمان، عن أبي وائل، عن أبي مسعود قال: فذكره.

شرح الحديث:
بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو حديث عظيم له قصة عظيمة ودروس كبيرة.
أولاً. شرح المفردات:
● نَتَحامَل: أي نعمل بالأيدي ونحمل على ظهورنا (نعمل عملًا شاقًا) لنكسب المال ونتصدق به.
● أبو عقيل: هو صحابي جليل، وقيل اسمه عبد الله بن ثعلبة.
● بِنِصْفِ صاع: الصاع مكيال يساوي aproximadamente أربع حفنات باليدين، ونصفه يعتبر قليلًا في مقدار الصدقة.
● رِيَاء: أي فعل الشيء ليراه الناس ويُمدح عليه، لا لوجه الله تعالى.
● يَلْمِزُونَ: يعيبون ويطعنون.
ثانيًا. شرح الحديث:
تخيل معي الموقف، أخي الكريم: بعد أن نزل أمر الصدقة في الإسلام، كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم في حالة من الفقر والشدة، فلم يكن لديهم أموال كثيرة. ومع ذلك، كانوا متحمسين للطاعة والتنافس في الخير.
فكان الرجل منهم يعمل عملاً شاقًا (يَحْمِل الأحمال على ظهره) طوال اليوم، فيكسب قوتًا قليلًا، ثم يتصدق بجزء منه طاعة لله.
وفي أحد الأيام، جاء الصحابي الجليل أبو عقيل رضي الله عنه بنصف صاع من الطعام (وهو مقدار قليل)، وجاء رجل آخر بمقدار أكبر منه.
فقام المنافقون – الذين يظهرون الإسلام ويبطنون الكفر – بالطعن في نيات الناس وعملهم، فقالوا:
- عن صاحب الصدقة القليلة: "إن الله لغني عن صدقة هذا"، أي: ما فائدة هذا المقدار القليل؟! الله غني عنه ولا يحتاج إليه.
- وعن صاحب الصدقة الكثيرة: "وما فعل هذا الآخر إلا رياء"، أي: ما تصدق بهذا المبلغ إلا ليراه الناس ويمدحوه، لا خالصًا لوجه الله.
فأنزل الله تعالى الآية الكريمة ردًا عليهم وتثبيتًا للمؤمنين:
﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [سورة التوبة: 79].
● الْمُطَّوِّعِينَ: هم المتصدقون بكثرة بطيب نفس.
● وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ: هم الفقراء الذين يتصدقون بالقليل مما يجدون، وهو جهدهم وطاقتهم.
فالله تعالى يخبر أن المنافقين يلمزون الفريقين ويستهزئون بهم، ويعدهم بعذاب أليم.
ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر العظيمة:
1- عظمة نية المؤمن: قيمة العمل عند الله تعالى لا تكون بحجمه الظاهري، ولكن بنية صاحبه وإخلاصه لله. فرب عمل صغير تعظمه النية الخالصة، ورب عمل كبير يحبطه الرياء. نصف الصاع من رجل فريد خير عند الله من كنوز الأرض من مراء.
2- التحذير من سوء الظن بالمسلمين: من أخطر الأمراض التي تصيب المجتمع: التجسس على النيات والطعن في أعمال الناس وتصيد عثراتهم. فالنيات أمرها إلى الله، وواجبنا حمل أعمال المسلمين على أحسن المحامل.
3- الرد على المنافقين: القرآن علمنا كيف نرد على هؤلاء المشككين والمثبطين، بتذكيرهم بأن الله هو المطلع على القلوب، وهو الذي سيحاسب كل إنسان على نيته.
4- الفقه في التعامل مع الفقراء: لا يحتقرن أحدٌ صدقة الفقير لأنها قليلة، بل هي أعظم أجرًا عند الله من صدقة الغني. كما في الحديث: «دِرْهَمٌ سَبَقَ مائةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ». قالوا: كيف؟ قال: «رَجُلٌ لَهُ دِرْهَمَانِ، تَصَدَّقَ بِأَحَدِهِمَا، وَرَجُلٌ لَهُ مَالٌ عَظِيمٌ، فَأَخَذَ مِنْ عُرْضِهِ مائةَ أَلْفٍ فَتَصَدَّقَ بِهَا».
5- الغيرة على الطاعات: غيرة الصحابة على الطاعة كانت عظيمة، حتى إن الفقير كان يعمل بيديه ليتصدق، وهذا درس في السعي للخير وعدم التكاسل بحجة الفقر أو القلة.
رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:
- هذه الآية نزلت في سياق آيات التوبة التي تتحدث عن المنافقين وأخلاقهم الذميمة.
- القصة تظهر أن النفاق ليس إنكارًا صريحًا فقط، بل قد يكون في شكل همز ولمز وتثبيط للهمم والطعن في أهل الخير.
- الحديث يدعونا دائمًا إلى تجهيل رأي الناظر (أي عدم الاكتراث بمن ينتقد عمل الخير) والإخلاص لله في كل عمل.
أسأل الله أن يجعلنا من المخلصين له في السر والعلانية، وأن يقينا شرور أنفسنا ووساوس الشيطان.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تخريج الحديث
وفي رواية عند البخاري في التفسير (٤٦٦٩) من وجه آخر عن سليمان به ولفظه: كان رسول الله ﷺ يأمر بالصدقة، فيحتال أحدنا حتى يجيء بالمدّ، وإن لأحدهم اليوم مائة ألف. كأنه يُعرِّض بنفسه.
أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)
الحديث الحالي في المركز 644 من أصل 1947 حديثاً له شرح
- 619 يا جد هل لك في جلاد بني الأصفر
- 620 من يعدل إذا لم أعدل
- 621 لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب
- 622 حرمة الزكاة على الغني والقوي القادر
- 623 المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه
- 624 خذ ما أعطيت من غير أن تسأل فكل وتصدق
- 625 رسول الله ﷺ يعطي صفوان بن أمية مائة من النعم
- 626 رسول الله ﷺ يعطي الرجل وغيره أحب إليه خشية أن...
- 627 يقتلون أهل الإسلام، ويدعون أهل الأوثان يمرقون من الإسلام
- 628 المجاهد في سبيل الله والمكاتب الذي يريد الأداء والناكح الذي...
- 629 الصدقة على من عليه دين
- 630 تحملت حمالة فأتيت رسول الله أسأله فيها
- 631 الصدقة لا تحل لغني إلا لخمسة
- 632 ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنة
- 633 قول مخشي بن حمير لوددت أني أقاضي على أن يضرب...
- 634 لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع
- 635 أخذ أمتي بأخذ القرون قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع
- 636 المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا
- 637 المؤمنون في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد
- 638 جنتان من فضة وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما
- 639 أنا أعطيكم أفضل من ذلك أحل عليكم رضواني
- 640 رضواني أكبر
- 641 لئن كان هذا الرجل صادقًا لنحن أشر من الحمير
- 642 إنه سيأتيكم إنسان، فينظر إليكم بعيني شيطان، فإذا جاء فلا...
- 643 علامات المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا...
- 644 الذين يلمزون المطوعين في الصدقات
- 645 عبد الرحمن بن عوف جاء بأربعين أوقية من ذهب
- 646 عمر يأخذ بثوب النبي عند الصلاة على عبد الله بن...
- 647 إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين...
- 648 طلب ثوب من ثياب النبي للكفن والصلاة على المنافق
- 649 نار بني آدم جزء من سبعين جزءا من نار جهنم
- 650 إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة
- 651 أعظم نعمة أن لا أكون كذبت رسول الله ﷺ
- 652 خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا تجاوز الله عنهم
- 653 تخلف عشرة رهط عن النبي في غزوة تبوك
- 654 تخلف ستة عن رسول الله في تبوك
- 655 اللهم صل على آل أبي أوفى
- 656 إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار
- 657 يتلقى الرحمن الصدقة بيده ويربيها
- 658 عن أناس من الأنصار بنوا مسجدًا ضرارًا وأبو عامر يذهب...
- 659 مسجد أسس على التقوى هو مسجد المدينة.
- 660 مسجد أسس على التقوى هو مسجد الرسول
- 661 نزلت في أهل قباء: كانوا يستنجون بالماء
- 662 ائذن لي بالسياحة، قال: إن سياحة أمتي الجهاد
- 663 يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك...
- 664 قال لأبي طالب: قل لا إله إلا الله أشهد لك...
- 665 استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي
- 666 استغفار الأحياء للأموات حتى نزلت الآية
- 667 عن رجل يستغفر لأبويه وهما مشركان
- 668 يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة...
معلومات عن حديث: الذين يلمزون المطوعين في الصدقات
📜 حديث: الذين يلمزون المطوعين في الصدقات
نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: الذين يلمزون المطوعين في الصدقات
تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: الذين يلمزون المطوعين في الصدقات
تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: الذين يلمزون المطوعين في الصدقات
شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.
قراءة القرآن الكريم
الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم
Wednesday, November 19, 2025
لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب








