ما أبكي حبا للدنيا ولا كراهية للآخرة

حديث: ما أبكي حبا للدنيا ولا كراهية للآخرة

عن أنس بن مالك قال: اشتكى سلمان فعاده سعد، فرآه يبكي، فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ أليس قد صحبت رسول اللَّه ﷺ؟ أليس، أليس؟ قال سلمان: ما
أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي حبا للدنيا ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول اللَّه ﷺ عهد إلينا عهدا، فما أُراني إلا قد تعديت، قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إلي أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب ولا أُراني إلا قد تعديت، وأما أنت يا سعد، فاتّق اللَّه عند حُكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا أقسمت، وعند همك إذا هممت، قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما من نفيقة كانت عنده.

حسن: رواه ابن ماجه (٤١٠٤)، والطبراني في الكبير (٦/ ٢٧٩)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ١٩٧) كلهم من طريق الحسن بن أبي الربيع، حدّثنا عبد الرزاق، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليكم شرح هذا الحديث النافع الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه:

الحديث:

عن أنس بن مالك قال: اشتكى سلمان (الفارسي) فعاده سعد (بن أبي وقاص)، فرآه يبكي، فقال له سعد: ما يبكيك يا أخي؟ أليس قد صحبت رسول الله ﷺ؟ أليس، أليس؟ قال سلمان: ما أبكي واحدة من اثنتين، ما أبكي حبًا للدنيا ولا كراهية للآخرة، ولكن رسول الله ﷺ عهد إلينا عهدًا، فما أُراني إلا قد تعديت، قال: وما عهد إليك؟ قال: عهد إلي أنه يكفي أحدكم مثل زاد الراكب ولا أُراني إلا قد تعديت، وأما أنت يا سعد، فاتق الله عند حكمك إذا حكمت، وعند قسمك إذا أقسمت، وعند همك إذا هممت. قال ثابت: فبلغني أنه ما ترك إلا بضعة وعشرين درهما من نَفَقة كانت عنده.

1. شرح المفردات:

● اشتكى: مرض.
● فعاده: زاره في مرضه لمواساته والدعاء له.
● نَفَقة: ما يُنفَقُ على العيال من مال.
● بضعة وعشرين درهماً: ما يقارب العشرين درهماً (أي مالاً قليلاً).
● زاد الراكب: الطعام والمؤنة التي يأخذها المسافر في طريقه، وهي قليلة تكفيه فقط.
● تعديت: تجاوزت الحد الذي أُمرت به.

2. شرح الحديث:

يحكي أنس بن مالك رضي الله عنه أن سلمان الفارسي رضي الله عنه مرض، فزاره سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، فوجده يبكي. فسأله سعد متعجباً: لماذا تبكي وأنت من صحابة رسول الله ﷺ، وقد شرفك الله بصحبته؟ فأجابه سلمان أنه لا يبكي خوفاً من الموت أو حباً للدنيا، بل يبكي لأنه يخاف أن يكون قد تجاوز الحد الذي أوصاه به النبي ﷺ في القناعة والزهد.
فقد أوصى النبي ﷺ أصحابه ألا يجمعوا من الدنيا إلا بقدر "زاد الراكب" – أي المؤنة القليلة التي تكفي للمعيشة دون إسراف أو تكديس. وكان سلمان يرى أنه قد جمع أكثر من ذلك فخاف أن يكون قد تعدى الوصية.
ثم نصح سلمانُ سعداً بتقوى الله في ثلاثة مواطن:
- عند الحكم (إذا كان حاكماً أو قاضياً).
- عند القسم (إذا وزع شيئاً بين الناس).
- عند الهم (عندما ينوي فعل شيء).
وفي نهاية الحديث، بلغ الراوي ثابت البناني أن سلمان عند موته لم يترك إلا مالاً قليلاً (بضعة وعشرين درهماً) من النفقة التي كانت لديه، مما يدل على صدق زهده وتقواه.

3. الدروس المستفادة:

● الزهد في الدنيا: ينبغي للمسلم أن يقتصر في ماله ومتاعه على قدر الحاجة، ولا يغتر بالدنيا أو يجمعها بلا فائدة.
● خوف الصالحين: من علامات الإيمان الخوف من التقصير حتى مع صلاح العمل، كما كان سلمان يبكي خشية أن يكون قد قصر في وصية النبي ﷺ.
● النصيحة والتذكير: ينبغي للمسلم أن ينصح إخوانه ويذكرهم بتقوى الله، خاصة في المواقف المهمة مثل الحكم والقسم والنية.
● القناعة: الاكتفاء بالقليل وعدم الانشغال بجمع المال إلا بقدر الضرورة.

4. معلومات إضافية:

- سلمان الفارسي رضي الله عنه من أشهر الصحابة زهداً وورعاً، وكان قد أوصى أهله ألا يتركوا بعده مالاً إلا نفقة بسيطة.
- هذا الحديث يدل على حرص الصحابة على تطبيق وصايا النبي ﷺ بدقة، وخوفهم من أي تقصير.
- الوصية بـ "زاد الراكب" لا تعني الفقر أو عدم العمل، بل تعني عدم التكاثر والتكبر بالمال، والاكتفاء بما يكفي حاجة الإنسان وأسرته دون إسراف.

أسأل الله أن يجعلنا ممن يقتدون بسيرة الصحابة الكرام، ويحققون الزهد الحقيقي في الدنيا، ويلتزمون بوصايا النبي ﷺ. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه ابن ماجه (٤١٠٤)، والطبراني في الكبير (٦/ ٢٧٩)، وأبو نعيم في الحلية (١/ ١٩٧) كلهم من طريق الحسن بن أبي الربيع، حدّثنا عبد الرزاق، حدّثنا جعفر بن سليمان، عن ثابت، عن أنس، فذكره.
وإسناده حسن، من أجل الحسن بن أبي الربيع -وهو الحسن بن يحيى بن الجعد العبدي الجرجاني- وجعفر بن سليمان الضبعي، فإنهما حسنا الحديث.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 5 من أصل 227 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: ما أبكي حبا للدنيا ولا كراهية للآخرة

📜 حديث: ما أبكي حبا للدنيا ولا كراهية للآخرة

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: ما أبكي حبا للدنيا ولا كراهية للآخرة

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: ما أبكي حبا للدنيا ولا كراهية للآخرة

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: ما أبكي حبا للدنيا ولا كراهية للآخرة

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية