لن تجتمع أمتي على الضلالة أبدا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا حديث عظيم من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي يبين منزلة جماعة المسلمين واجتماعهم على الحق. وسأشرحه لك جزءاً جزءاً مستنداً إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.
الحديث: عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «لن تجتمع أمتي على الضلالة أبدًا فعليكم بالجماعة فإن يد اللَّه على الجماعة».
راوي الحديث: هو عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أحد كبار الصحابة وأعلمهم بالسنة النبوية.
مصدر الحديث: أخرجه الإمام الترمذي في سننه، والإمام الحاكم في المستدرك، وغيرهما. وحسنه الشيخ الألباني رحمه الله.

---

الشرح المفصل:

---

# 1. شرح المفردات:

* لن تجتمع: "لن" للنفي المؤكد في المستقبل، أي لا يمكن أن يحصل اجتماع.
* أمتي: هم أمة الإجابة والاستجابة، أي الذين اتبعوا النبي صلى الله عليه وسلم ودخلوا في دينه.
* على الضلالة: الضلالة هي البعد عن الحق والهدى، والوقوع في الخطأ والانحراف في الاعتقاد أو العمل.
* الجماعة: لها معنيان:
* المعنى الخاص: جماعة المسلمين وعامتهم الذين هم على الحق.
* المعنى العام: الاجتماع على الإمام (الحاكم الشرعي) وطاعته، وعدم الخروج عليه، والالتزام بجماعة المسلمين وعدم التفرق عنهم.
* فإن يد الله على الجماعة: "اليد" هنا كناية عن القوة والنصرة والحفظ والرعاية. فمعنى الحديث أن الله تعالى يتولى الجماعة بحفظه ونصره وتوفيقه.

---

# 2. شرح الحديث:

يؤكد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث حقيقة عظيمة، وهي أن هذه الأمة المحمدية معصومة من أن تجتمع بكاملها على ضلالة أو заблуждение. فإذا رأيت إجماعاً من علماء الأمة المعتبرين على مسألة من المسائل، فاعلم أنه الحق، وأن مخالفته هي الضلال.
ثم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتمسك بالجماعة والحث على لزومها، لأن في الاجتماع قوة وفي التفرق ضعف وهلاك. والمراد بالجماعة هنا هم أهل الحق والاستقامة، وهم السواد الأعظم من المسلمين الذين يتبعون الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة.
ويختم الحديث ببيان الحكمة من الأمر بلزوم الجماعة، وهي أن نصر الله ورعايته وتأييده يكون مع الجماعة المتآلفة المتعاونة على البر والتقوى، وليس مع الشذاذ المنفردين أو الفرق الضالة المنشقة عن جسد الأمة.
كما قال الإمام الشاطبي رحمه الله: "الجماعة هي الاجتماع على الإمام الموافق للكتاب والسنة".

---

# 3. الدروس المستفادة والعبر:

1- عصمة الأمة جماعة: هذا الحديث أصل من أصول الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، فهم يعتقدون أن الأمة لا تجتمع على ضلال، وهذا من رحمة الله بها.
2- وجوب لزوم جماعة المسلمين: يجب على المسلم أن يلزم جماعة المسلمين، ويحذر من الفرقة والاختلاف، وأن يطيع ولي الأمر في المعروف.
3- التمسك بالسنة عند الاختلاف: عند حصول خلاف في الرأي، يجب الرجوع إلى الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح، فما أجمع عليه العلماء فهو الحق.
4- النصرة الإلهية للجماعة: أن نصر الله وعونه وتوفيقه يكون مع الجماعة المتمسكة بدينها، فمن أراد نصر الله فليلزم جماعة المسلمين.
5- ذم الفرقة والاختلاف: الحديث يحذر من التفرق والاختلاف الذي يؤدي إلى الضعف والهوان، ويأمر بالوحدة والاجتماع على كلمة الحق.

---

# 4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذا الحديث مرتبط بحديث آخر عظيم هو قوله صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة». قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: «ما أنا عليه وأصحابي». (رواه الترمذي وحسنه). فالفرقة الناجية هي التي التزمت بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وهم الجماعة.
* ليس معنى "لزوم الجماعة" السكوت على المنكرات أو موافقة الحاكم إذا خالف الشرع، بل إن لزوم الجماعة يكون بالدعوة إلى الحق بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بالخروج والثورة التي تسبب الفتنة.
* العلماء هم ورثة الأنبياء وهم الذين يمثلون جماعة أهل الحق، فإذا أجمعوا على شيء فهو الحجة التي يجب اتباعها.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.