حديث: يتعرض من البلاء لما لا يطيق

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب لا ينبغي للمؤمن أن يُعرض نفسه لما لا يطيقه من البلاء

عن ابن عمر قال: سمعتُ الحجاج يخطب فذكر شيئًا أنكرته فذكرت مقال رسول اللَّه ﷺ: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه» قلت: يا رسول اللَّه! كيف يذل نفسه؟ قال: «يتعرض من البلاء لما لا يُطيق».

حسن: رواه الطبراني في الأوسط (٥٣٥٣) عن محمد بن أحمد بن أبى خيثمة، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى الضرير، حدّثنا شبابة، عن ورقاء بن عمر، عن عبد الكريم، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: فذكره.

عن ابن عمر قال: سمعتُ الحجاج يخطب فذكر شيئًا أنكرته فذكرت مقال رسول اللَّه ﷺ: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه» قلت: يا رسول اللَّه! كيف يذل نفسه؟ قال: «يتعرض من البلاء لما لا يُطيق».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، وأسأل الله أن ينفعنا وإياك بالعلم النافع.
هذا حديث شريف رواه الإمام أحمد في مسنده، والترمذي في جامعه، وابن حبان في صحيحه، وغيرهم، عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

أولاً. شرح المفردات:


● يَذِلَّ نَفْسَهُ: أي يحقّرها ويجعلها في موضع الذل والهوان، أو يعرّضها للأذى والمهانة.
● مِنَ البَلاءِ: البلاء هنا بمعنى الاختبار والامتحان والمشقة، سواء كان من الله تعالى ابتلاءً وامتحاناً، أو كان من الناس أذىً وضرراً.
● لِمَا لا يُطِيقُ: أي لما لا يقدر عليه، أو لما يَعْجِز عن تحمّله والصبر عليه.

ثانياً. شرح الحديث:


يخبرنا الصحابي الجليل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه سمع الحجاج بن يوسف الثقفي – وهو والٍ اشتهر بشدته وبطشه – يخطب على المنبر ويقول قولاً أنكره ابن عمر ولم يوافقه عليه (ولم يبين لنا ما هو هذا القول).
فاستحضر في ذهنه هذا الحديث النبوي الشريف، الذي ينهى فيه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنَ أن يذلّ نفسه أو يحقرها.
وسأل النبي صلى الله عليه وسلم ليفهم المعنى بدقة: "كيف يذل نفسه؟"، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بأن من صور إذلال المرء لنفسه أن "يتعرض من البلاء لما لا يطيق".
ومعنى ذلك: أن يضع الإنسان نفسه في موقف الخطر أو المشقة أو الأذى الذي يعلم سلفاً أنه لا قدرة له على تحمّله أو الخروج منه سالماً، دون وجود حاجة أو مصلحة راجحة تدفعه لذلك.
فهذا ليس من الشجاعة أو الصبر في شيء، بل هو نوع من التهوّر وإضاعة النفس، التي أمرنا الله تعالى بالحفاظ عليها.

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:


1- الحفاظ على النفس وصيانتها: من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا حفظ النفس، وحرّم الإسلام إلقاء النفس في التهلكة. قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195]. وهذا الحديث تأكيد عملي على هذا المعنى.
2- الحكمة وعدم التهوّر: الإسلام يدعو إلى الشجاعة والثبات، لكنه ينهى عن التهوّر والاستخفاف بالنفس. فليس من الشجاعة أن يتحدى الإنسان ظالماً وهو يعلم أن ذلك سيؤدي إلى هلاكه دون فائدة.
3- التعامل مع الولاة والحكام: يمكن فهم قصة ابن عمر مع الحجاج في هذا الإطار. فابن عمر رضي الله عنهما أنكر على الحجاج قوله، لكنه لم يُعلمنا أنه واجهه على الملأ أو عارضه في خطبته، مما قد يعرّضه لأذى لا طاقة له به. بل استحضر الحديث واستفاد منه في حفظ نفسه، مع بقاء إنكاره في قلبه. وهذا من فقه الصحابة رضي الله عنهم في التعامل مع ولاة الأمور، حتى في حال ظلمهم، بما يحفظ الدماء ويجنب الفتنة، مع عدم الرضا بالمنكر.
4- التفريق بين الصبر على البلاء والتعرض له: الصبر على البلاء إذا نزل بالإنسان فضيلة عظيمة وأجر كبير. أما أن يتعمد الإنسان إيقاع نفسه في البلاء ابتداءً دون ضرورة، فهذا هو المذموم في الحديث.
5- تقدير الموازنات والمصالح: على المسلم أن يوازن بين المصالح والمفاسد في أفعاله. فلا يعرّض نفسه للهلاك لأجل مصلحة صغيرة أو منفعة عابرة.

رابعاً. معلومات إضافية:


- هذا الحديث يدخل في باب "فقه الواقع" و"مراعاة المآلات"، حيث ينظر المسلم إلى عواقب أفعاله قبل الإقدام عليها.
- ينطبق هذا الحديث على مجالات كثيرة في الحياة، مثل:
* الاجتماعية: كمن يخالط من يعلم أذاهم وهو لا يستطيع دفعه.
* المالية: كمن يستدين ديناً يعلم أنه لا يستطيع سداده.
* الدعوية: كمن يوجه النقد العلني لطاغية جبار وهو في قبضته، دون حكمة أو ستار، مما يؤدي إلى القضاء عليه وعلى دعوته، مع إمكانية استخدام أساليب أخرى حكيمة.
* البدنية: كمن يعرض نفسه لأخطار لا طاقة له بها، مثل السباحة في مكان خطر.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الطبراني في الأوسط (٥٣٥٣) عن محمد بن أحمد بن أبى خيثمة، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى الضرير، حدّثنا شبابة، عن ورقاء بن عمر، عن عبد الكريم، عن مجاهد، عن ابن عمر قال: فذكره.
ورواه البزار - الكشف (٣٣٢٣) عن زكريا بن يحيى الضرير البغدادي بهذا الإسناد إلا أنه وقع في مطبوعة الكشف: «ثنا شبابة بن سوار، ثنا العلاء بن عبد الكريم، عن مجاهد». والصواب ما في الأوسط.
وقال الطبراني عقبه: «لم يرو هذا الحديث عن مجاهد إلا عبد الكريم، ولا يُروى عن ابن عمر إلا بهذا الإسناد».
قال الأعظمي: عبد الكريم هو ابن مالك الجزري فيما يظهر، وهو ثقة، وزكريا بن يحيى الضرير ترجم
له الخطيب في تاريخه (٨/ ٤٥٧)، ولم يذكر فيه جرحا أو تعديلا، لكن روى عنه جمع منهم أئمة حفاظ، فمثله يحسن حديثه ما لم يتبين العكس، وقد جوّد العراقي هذا الإسناد في تخريج الإحياء (١/ ١٥٢).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/ ٢٧٤): «رواه البزار والطبراني في الأوسط والكبير باختصار، وإسناد الطبراني في الكبير جيد، ورجاله رجال الصحيح غير زكريا بن يحيى بن أيوب الضرير، روى عن جماعة، وروى عنه جماعة، ولم يتكلم فيه أحد» اهـ.
وقع إسناده في مطبوعة الطبراني هكذا: «حدّثنا محمد بن أحمد بن أبي خيثمة، قال: حدّثنا زكريا بن يحيى المدائني، حدّثنا شبابة بن سوار، عن ورقاء بن عمر، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن ابن عمر».
كذا وقع «ابن أبي نجيح»، ويبدو أن هذا خطأ فإن الطبراني قد نص في الأوسط: «لم يروه عن مجاهد إلا عبد الكريم».
وعلى فرض صحته فإنه لا يقدح لأن ابن أبي نجيح -واسمه عبد اللَّه- ثقة أيضًا، وله ما يقوي.
وفي معناه ما روي عن حذيفة قال: قال رسول اللَّه ﷺ: «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يطيق».
رواه الترمذيّ (٢٢٥٤)، وابن ماجه (٤٠١٦)، وأحمد (٢٣٤٤٤) كلهم من حديث عمرو بن عاصم قال: حدّثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن الحسن، عن جندب، عن حذيفة، فذكره.
وقال الترمذيّ: «هذا حديث حسن غريب».
قال الأعظمي: في إسناده علي بن زيد وهو ابن جدعان ضعّفه جمهور أهل العلم.
وقد روي مرسلا عن الحسن عن النبي ﷺ وهو أصح.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 168 من أصل 409 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: يتعرض من البلاء لما لا يطيق

  • 📜 حديث: يتعرض من البلاء لما لا يطيق

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: يتعرض من البلاء لما لا يطيق

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: يتعرض من البلاء لما لا يطيق

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: يتعرض من البلاء لما لا يطيق

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب