قومي أسرع أمتي بي لحاقًا

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النبوي الشريف شرحًا وافيًا وفق منهج أهل السنة والجماعة، معتمدًا على كبار شراح الحديث.
### الحديث ومصدره
هذا الحديث رواه الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه، وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي. وهو من الأحاديث التي تُنبئ عن أمور غيبية ستقع في المستقبل.

### 1. شرح المفردات
● ذَعَرني: أفزعني وأخافني.
● أسرع أمتي بي لِحاقًا: أسرع من ينضم إليَّ ويتبعني بعد موتي. واللحاق: اللحوق والاتباع، والمقصود الموت واللحاق بالرسول ﷺ في الآخرة.
● تستحليهم المنايا: تجدهم المنايا (أي الموت) حُلْوًا سهلًا، فيموتون بكثرة وسرعة.
● تَنفِسُ عليهم أمتُهمِ: تتنفس وتتسع عليهم آجالهم. والأمت: الأجل والموت.
● دَبًى: اسم للجراد الصغير الذي لم تنبت أجنحته بعد، وهو ضعيف لا يقوى على الطيران، فيسير على الأرض ويفسد كل شيء.
● يأكلُ شدادُه ضعافه: الأقوياء منهم يظلمون الضعفاء ويستغلونهم ويأكلون حقوقهم.

### 2. شرح الحديث
السياق والمناسبة:
يدخل النبي ﷺ على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهو يردد كلامًا يثير الدهشة والخوف، وهو أن قومها (أي العرب) سيكونون أسرع الناس في اللحاق به بعد موته، أي أنهم سيموتون بكثرة وسرعة.
الشرح التفصيلي:
* قوله ﷺ: «يا عائشة، قومُكِ أسرعُ أمتي بي لِحاقًا»
يخبر النبي ﷺ زوجته عائشة - وهي عربية - أن قومها من العرب سيكونون أسرع الناس موتًا بعد وفاته، فيكثر فيهم الموت بشكل غير معتاد.
* قوله ﷺ: «تستحليهم المنايا، وتنفِسُ عليهم أمتُهمِ»
هذا هو سبب كثرة الموت فيهم، وله تفسيران جمعهما الشراح:
1- «تستحليهم المنايا»: أي أن الموت يصير في أعينهم حلواً سهلاً، لا يهابونه ولا يخافونه، إما لضعف إيمانهم وقسوة قلوبهم، أو لشدة البلاء والفتن التي يعيشون فيها فيصبح الموت راحة لهم. وهذا من علامات الساعة الصغرى.
2- «وتنفِسُ عليهم أمتُهمِ»: أي تتسع عليهم آجالهم فيعمرون ويعيشون عمرًا طويلاً، ولكن هذه الحياة الطويلة لا بركة فيها، بل هي مليئة بالشرور والفتن، حتى يتمنون الموت. وقيل: المعنى أن الموت يتنفس عليهم، أي يأتيهم سريعًا متتابعًا كالنفس.
* سؤال عائشة: «فكيف الناس بعد ذلك أو عند ذلك؟»
تسأل أم المؤمنين عن حال الناس بعد هذه الفتنة وهذه الكثرة في الموت، أي ما هو المصير النهائي.
* قوله ﷺ: «دَبًى يأكلُ شدادُه ضعافه حتى تقوم عليهم الساعة»
هذه إجابة النبي ﷺ وهي تصوير دقيق لحال آخر الزمان:
* «دَبًى»: شبه الناس بالجراد الصغير الذي يزحف على الأرض (كما فسره الراوي أبو عبد الرحمن)، وهو تشبيه بليغ يدل على:
* الكثرة الهائلة.
* الضعف والهوان وعدم القدرة على المواجهة أو الدفاع عن النفس.
* الفساد والإتلاف، كالجراد الذي يأكل الأخضر واليابس.
* «يأكلُ شدادُه ضعافه»: هذه صورة من أفظع صور الظلم والانحلال الأخلاقي، حيث يتحول المجتمع إلى غابة، يأكل القوي فيه الضعيف، ويستولي على حقوقه وأمواله دون رادع من دين أو خلق أو قانون. وهذا من أشراط الساعة الكبرى أو مما يسبقها مباشرة.
* «حتى تقوم عليهم الساعة»: أي أن هذه الحالة من الفتن والظلم والاستضعاف ستستمر وتتفاقم إلى أن تقوم الساعة على أشخاص مثل هؤلاء.

### 3. الدروس المستفادة والعبر
1- صدق نبوة محمد ﷺ: الحديث من معجزاته الإخبارية التي أخبر بها عن غيب مستقبلي، وقد وقع الكثير منه وها نحن نشاهد بعض صوره في زماننا.
2- التحذير من الفتن: الحديث تحذير شديد من الفتن التي ستأتي على الأمة، والتي من آثارها قسوة القلوب وكثرة الموت وذهاب البركة من العمر.
3- ذم الظلم والاستضعاف: ذم الإسلام لأي مجتمع يتحول إلى مجتمع الغاب، حيث لا قيمة للضعيف ولا حرمة لحقه. ويحث على نصرة المظلوم وإغاثة الملهوف.
4- الإيمان بقرب الساعة: الحديث يذكر بحقيقة قيام الساعة ويحث المسلم على الاستعداد لها بالعمل الصالح، خاصة أن من علاماتها اقترابها أن تظهر مثل هذه المفاسد العظيمة.
5- الابتلاء سنة ماضية: أن الأمة الإسلامية لن تخلو من الابتلاءات والفتن، وعلى المسلم أن يتعظ بها ويحاول أن يكون عامل خير وإصلاح، لا أن يكون جزءًا من المشكلة.

### 4. معلومات إضافية مفيدة
* هذا الحديث من جملة الأحاديث التي تُ