كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين. هذا حديثٌ مهمٌ يتعلق بمسألة فقهية دقيقة، وهي حكم الصلاة النافلة بعد صلاة العصر. سأشرحه لك جزءاً جزءاً مستنداً إلى كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

أولاً. شرح المفردات:

* مختار بن فُلفُل: هو تابعي ثقة، روى عنه الإمام مسلم في صحيحه.
* أنس بن مالك: هو الصحابي الجليل، خادم رسول الله ﷺ، وأحد المكثرين من رواية الحديث.
* التطوع بعد العصر: المقصود هو صلاة النافلة (التطوع) في الوقت الذي يكون بعد أداء فريضة العصر.
* يضرب الأيدي: كناية عن الزجر والمنع الشديد، أي كان يمنع الناس منعاً باتاً حتى كان يضرب أيديهم إذا شرعوا في الصلاة.
* على عهد النبي ﷺ: في زمن النبي ﷺ وحياته.

---

ثانياً. شرح الحديث:

يحكي لنا التابعي "مختار بن فلفل" أنه سأل الصحابي "أنس بن مالك" عن حكم الصلاة النافلة بعد صلاة العصر مباشرة.
1- جواب أنس الأول (فعل عمر رضي الله عنه):
أجابه أنس أولاً بما كان يفعله الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث كان يمنع الناس منعاً شديداً من الصلاة بعد العصر، حتى إنه كان يضرب أيدي من يفعل ذلك. وهذا الفعل من عمر رضي الله عنه يدل على أن الصلاة في هذا الوقت منهي عنها نهياً شديداً، وهو فهمه للشريعة.
2- جواب أنس الثاني (فعلهم في عهد النبي ﷺ):
ثم ذكر أنس رضي الله عنه أنهم في عهد النبي ﷺ كانوا يصلون ركعتين بعد غروب الشمس (أي بعد أذان المغرب) وقبل أن يصلوا فريضة المغرب. وهاتان الركعتان هما سنة المغرب القبلية، والتي تسمى "راتبة المغرب".
3- سؤال المختار وفهم الدقة (فعل النبي ﷺ نفسه):
لاحظ السائل (مختار) أن جواب أنس الأول عن عمر، والثاني عن فعل الصحابة، فذهب ليسأل عن الأصل والأساس، وهو فعل النبي ﷺ نفسه، فقال: أكان رسول الله ﷺ صلاهما؟ أي هل صلى النبي ﷺ هاتين الركعتين بنفسه أم لا؟
4- الجواب الحاسم من أنس (موقف النبي ﷺ):
أجاب أنس رضي الله عنه بالحقيقة التي شاهدها، فقال: "كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا، ولم ينهنا". وهذا هو جوهر الحديث وأهم نقطة فيه. فهو يخبرنا أن:
* النبي ﷺ كان يشاهدهم يصلون هذه الركعتين.
* لم يأمرهم بها، فدل على أنها ليست سنة مؤكدة أو واجبة.
* ولم ينههم عنها، فدل على أن الصلاة في هذا الوقت بالذات (بعد الغروب وقبل المغرب) جائزة ومباحة وليس فيها نهي.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والفقه في المسألة:

1- الجمع بين النصوص: هذا الحديث يُظهر براعة الصحابة ومن بعدهم من الفقهاء في جمع النصوص الظاهرة في تعارضها. فكيف نوفق بين نهي عمر رضي الله عنه (الضرب على الصلاة بعد العصر) وبين عدم نهي النبي ﷺ عن الصلاة بعد الغروب؟
* الجواب: أن النهي عن الصلاة بعد العصر ينتهي بغروب الشمس. فما دامت الشمس لم تغرب بعد، فالنهي قائم ولا تصلى نافلة مطلقة. أما إذا غربت الشمس، فإن وقت الكراهة ينتهي، ويجوز للإنسان أن يصلي قبل فريضة المغرب الركعتين (السنة القبلية) كما كان الصحابة يفعلون. وهذا هو الفقه الدقيق الذي فهمه عمر رضي الله عنه ومنعه الشديد كان للصلاة في وقت الكراهة (بعد العصر وقبل الغروب).
2- التقرير كدليل شرعي: فعل الصحابة أمام النبي ﷺ وسكوته عنه وعدم إنكاره يعتبر تقريراً منه ﷺ، وهو من سننه القولية والفعلية، فيكون حكم تلك الصلاة الإباحة والجواز.
3- مشروعية ركعتي السنة قبل المغرب: الحديث دليل على مشروعية الصلاة قبل المغرب، وهي سنة غير مؤكدة، وذهب بعض العلماء إلى استحبابها.
4- فقه عمر وعمله بالشريعة: يبين الحديث حرص الخلفاء الراشدين على تطبيق السنة ومنع ما نهت عنه، واجتهادهم في فهم النصوص.
5- أدب السائل في طلب العلم: نرى كيف أن السائل لم يقتنع بالإجابة العامة، بل ذهب يسأل عن الدليل الأصل وهو فعل النبي ﷺ، وهذا من أدب طالب العلم.

---

رابعاً. الخلاصة:

* وقت النهي: يمتد من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس.
* الحكم: النهي عن الصلاة النافلة المطلقة في هذا الوقت نهي تحريم أو كراهة شديدة على خلاف بين العلماء.
* الاستثناء: ينتهي وقت النهي بغروب الشمس، فيجوز للمسلم أن يصلي سنة المغرب القبلية (ركعتين) بعد الأذان وقبل إقامة الصلاة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.