حديث: من السائل عن الحج في كل عام؟

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب ما جاء في إثبات فرض الحجّ، وأنه مرة واحدة، وما بعده فهو تطوّع

عن أبي أمامة الباهليّ، قال: قام رسول الله في الناس، فقال: «كُتِب عليكم الحج». فقام رجلٌ من الأعراب فقال: أفي كلّ عام؟ قال: فغلق كلام رسول الله ﷺ، وأسكت واستغضب، ومكث طويلًا، ثم تكلّم فقال: «من السّائل؟». فقال الأعرابي: أنا ذا، فقال: «ويحك، ماذا يؤمنك أن أقول: نعم، والله لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم، ألا إنه إنّما أهلك الذين من قبلكم أئمّة الحرج، والله لو أني أحللتُ لكم جميع ما في الأرض، وحرّمت عليكم منها موضع خُفّ لوقعتم فيه». قال: فأنزل الله عند ذلك: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ إلى آخر الآية [سورة المائدة: ١٠١]».

حسن: رواه الطبرانيّ في الكبير (٨/ ١٨٦ - ١٨٧)، وابن جرير في تفسيره (٩/ ١٩) كلاهما من حديث أبي زيد عبد الرحمن بن أبي الغَمْر، قال: ثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى، عن صفوان بن عمرو، قال: ثني سُليم بن عامر، قال: سمعت أبا أمامة الباهليّ يقول (فذكر الحديث) واللّفظ لابن جرير.

عن أبي أمامة الباهليّ، قال: قام رسول الله في الناس، فقال: «كُتِب عليكم الحج». فقام رجلٌ من الأعراب فقال: أفي كلّ عام؟ قال: فغلق كلام رسول الله ﷺ، وأسكت واستغضب، ومكث طويلًا، ثم تكلّم فقال: «من السّائل؟». فقال الأعرابي: أنا ذا، فقال: «ويحك، ماذا يؤمنك أن أقول: نعم، والله لو قلت: نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم، ألا إنه إنّما أهلك الذين من قبلكم أئمّة الحرج، والله لو أني أحللتُ لكم جميع ما في الأرض، وحرّمت عليكم منها موضع خُفّ لوقعتم فيه». قال: فأنزل الله عند ذلك: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ إلى آخر الآية [سورة المائدة: ١٠١]».

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النافع الذي رواه الإمام أحمد في مسنده وغيره عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه:

أولاً. شرح المفردات:


● "كُتِب عليكم الحج": أي فُرض وأُوجب عليكم.
● "فغلق كلام رسول الله ﷺ": أي توقف عن الكلام وأمسك.
● "واستغضب": أي ظهر عليه الغضب.
● "ويحك": كلمة تقال للتحذير والإنكار، ومعناها: هلاكك أو ويلك.
● "ماذا يؤمنك": أي ما الذي يضمن لك أو يمنعك.
● "لوجبت": أي لصارت فريضة لازمة.
● "لكفرتم": أي لعجزتم عن القيام بها وكفرتم بسبب تركها.
● "أئمة الحرج": أي كثرة سؤالهم عن الأشياء التي تتضمن حرجًا ومشقة.
● "موضع خف": أي مكان قدم، وهو مثال على الشيء الضئيل.

ثانيًا. شرح الحديث:


يقوم النبي ﷺ في الناس ويخبرهم بأن الله تعالى قد فرض عليهم الحج، فيقوم أعرابي (من أهل البادية) ليسأل: "أفي كل عام؟" أي هل الحج مفروض كل سنة؟ فسكوت النبي ﷺ وغضبه كان لأجل خطورة هذا السؤال، إذ قد يؤدي جوابه إلى تشديد لا طاقة للناس به، ثم بعد مدة طويلة يسأل عن السائل، ويقول له: "ويحك، ما الذي يضمن لك أن أقول نعم؟ لو أجبتك بنعم لوجب الحج كل عام، ولو وجب لعجزتم عنه فكفرتم بتركه". ثم بين ﷺ أن سبب هلاك الأمم السابقة كان كثرة أسئلتهم وتعنتهم، حتى أوجبوا على أنفسهم ما يشق عليهم، ثم ضرب مثالًا بقوله: "لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض، وحرّمت عليكم منها موضع خف لوقعتم فيه" أي أن النفس مجبولة على حب المعصية والتعدي، فلو حرم عليكم شيء قليل لوقعتم فيه.

ثالثًا. الدروس المستفادة:


1- وجوب الحج: وأنه فريضة على المسلم المستطيع مرة واحدة في العمر.
2- تحذير من السؤال عن التفاصيل غير الضرورية: خاصة التي قد تؤدي إلى تشديد في الدين.
3- خطورة التعنت في الأسئلة: وأنه قد يؤدي إلى زيادة التكليف فوق الطاقة.
4- حكمة النبي ﷺ في التوقف عن الإجابة: حتى لا يوجب على الأمة ما لا تطيق.
5- التأدب مع العلماء وعدم إثارة الأسئلة التي لا حاجة لها: لأن ذلك من أسباب الهلاك.
6- أن النفس تميل إلى المحرمات: ولو كانت قليلة، فتحتاج إلى مجاهدة.

رابعًا. معلومات إضافية:


- نزلت الآية الكريمة من سورة المائدة: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ بسبب هذا الموقف، تحذيرًا للمسلمين من كثرة الأسئلة التي لا ضرورة لها.
- الحديث يدل على رحمة النبي ﷺ بأمته وحرصه على التيسير عليهم.
- فيه إشارة إلى أن بعض الأسئلة قد تكون سببًا في زيادة التكليف، فيجب على المسلم أن يراعي المصلحة في سؤاله.
أسأل الله أن يفقهنا في الدين، ويبصرنا بشرعه، ويجنبنا التعنت والغلو. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الطبرانيّ في الكبير (٨/ ١٨٦ - ١٨٧)، وابن جرير في تفسيره (٩/ ١٩) كلاهما من حديث أبي زيد عبد الرحمن بن أبي الغَمْر، قال: ثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى، عن صفوان بن عمرو، قال: ثني سُليم بن عامر، قال: سمعت أبا أمامة الباهليّ يقول (فذكر الحديث) واللّفظ لابن جرير.
وإسناده حسن جيد كما قال الحافظ الهيثميّ في: المجمع (٣/ ٢٠٤).
قال الأعظمي: وهو كما قال لأجل أبي مطيع معاوية بن يحيى وهو الأطرابلسي الشّاميّ الدّمشقيّ فإنّه صدوق، مشاه ابن معين ودُحيم وأبو داود والنسائيّ.
قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي وأبا زرعة عن أبي مطيع معاوية بن يحيى؟ قالا: «صدوق، مستقيم الحديث«وقال أبو زرعة: «ثقة».
قال أبو سعيد بن يونس: «معاوية بن يحيى الأطرابلسيّ يكنى أبا مطيع، قدم مصر، وكتب عنه وهو غير معاوية بن يحيى الصدفي الذي كان بالرّي على بيت المال، يروي عن الزهريّ».
قال الأعظمي: وهو كما قال، فإنّ معاوية بن يحيى الصّدفيّ يكنى أبا روح الشّامي الدّمشقي الذي كان علي بيت المال بالرّي من قبل المهدي غير معاوية بن يحيى الأطرابلسي الذي يكنى بأبي مطيع، فإنّ الصّدفي هذا ضعيف، ضعّفه ابن معين وأبو داود والنسائيّ والجوزجانيّ وغيرهم.
قال أبو حاتم: «ضعيف الحديث، في حديثه إنكار، روى عنه هقل بن زياد أحاديث مستقيمة
كأنّها من كتاب، روى عنه عيسي بن يونس، وإسحاق بن سليمان أحاديث مناكير كأنّها من حفظه».
وقال البخاريّ: «أحاديثه عن الزهريّ مستقيمة من كتاب، وروى عنه عيسي بن يونس، وإسحاق ابن سليمان أحاديث مناكير كأنها من حفظه».
إذا عرفنا الفرق بين معاوية بن يحيى الأطرابلسي ومعاوية بن يحيى الصّدفي بأنّ الأوّل حسن الحديث، والثاني ضعيف.
فاعلم أنه وقع الحافظ ابن حبان في خلط قبيح جدًا، فجمع بينهما في «المجروحين» (١٠٢٢) فقال: «معاوية بن يحيى الصّدفي الأطرابلسيّ، كنيته أبو مطيع، مولده بأطرابلس من سواحل دمشق، يروي عن الزهريّ، كان على بيت المال بالرّي انتقل إليها، وكان كنيته أبو روح، روى عنه عيسي بن يونس وإسحاق بن سليمان، منكر الحديث جدًا، كان يشتري الكتب ويحدّث بها، ثم تغيّر حفظه، فكان يحدّث بالوهم فيما سمع من الزهري وغيره، فجاء رواية الراويين عنه إسحاق بن سليمان وذووه كأنها مقلوبة. وفي رواية الشاميين عنه الهقل بن زياد وغيره أشياء مستقيمة تشبه حديث الثقات».
هذا الكلام كله في الصّدفي كما سبق من كلام أبي حاتم، والبخاريّ، فالذي يظهر أنه سبق قلم من ابن حبان الذي يترجم الصدفي فجاء على قلمه الأطرابلسي خطأ؛ لأنه قال: كنيته أبو مطيع ثم يقول: كنيته أبو روح. والصّدفي كنيته أبو روح.
وقد نبّه على هذا الخلط الذي وقع من ابن حبان الحافظ الدارقطني في تعليقاته على كتاب المجروحين (ص ٢٥٦ - ٢٥٧) فقال: «قد خلّط أبو حاتم في هذا الباب تخليطًا قبيحًا - هما رجلان يقال لكل واحد منهما معاوية بن يحيى الصّدفيّ، يكنى أبا روح، وهو الذي روى عن الزهري ما ذكره ها هنا وغير ذلك، وهو الذي كان على بيت المال بالري، وهو الذي روى عنه الهقل بن زياد وعيسى بن يونس وإسحاق بن سليمان الرازيّ وغيرهم.
والآخر يكنى أبا مطيع وهو الأطرابلسيّ وهو الذي روى حديث عكاف بن وداعة المذكور ها هنا، وهو الذي روى حديث خالد الحذّاء ها هنا وهو أكثر مناكير من الصّدفي، وإنما فسدت رواية الصّدفي لأنه غابت عنه كتبُه فحدّث من حفظه، وسماع الهقل بن زياد منه من كتابه، فلست ترى فيها خطأ ولا مقلوبًا، والله أعلم».
نقلًا من تعليقات الدكتور موفق عبد القادر على «الضعفاء والمتروكين» للدارقطنيّ؛ لأنّ الطبعة الهندية «للمجروحين» لا توجد في مكتبتي.
ولكن الحافظ الدارقطني نفسه وقع في وهم، فقال في الأطرابلسيّ: «ضعيف» كما في «تهذيب» المزيّ، وفي «تقريب» الحافظ: «الطرابلسيّ أقوى من الصّدفي، وعكس الدارقطنيّ».
والخلاصة: أنّ إسناد حديث أبي أمامة الباهليّ حسن؛ لأنه من رواية معاوية بن يحيي
الطرابلسيّ وهو «صدوق له أوهام» كما في التقريب، ولكن نظرًا لهذا الخلاف الذي ذكرناه قال الحافظ ابن كثير في تفسيره: «في إسناده ضعف»، والظاهر من هذا أنه لم يتبيّن له هل هو من حديث الصّدفي أو الطرابلسيّ، والله تعالى أعلم.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 6 من أصل 689 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: من السائل عن الحج في كل عام؟

  • 📜 حديث: من السائل عن الحج في كل عام؟

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: من السائل عن الحج في كل عام؟

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: من السائل عن الحج في كل عام؟

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: من السائل عن الحج في كل عام؟

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب