اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف

حديث: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف

عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير أن أبا جهل قال حين التقى القوم: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا يُعرف فأحنه الغداة، فكان المستفتِحَ.

صحيح: رواه الإمام أحمد (٢٣٦٦١) عن يزيد، أخبرنا محمد - يعني ابن إسحاق - حَدَّثَنِي الزّهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير فذكره.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر يروي قولاً لأبي جهل (عمرو بن هشام) زعيم المشركين في مكة، قبل معركة بدر الكبرى، وهو حديث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه.
أولاً: شرح المفردات:
* عبد الله بن ثعلبة بن صعير: هو أحد الصحابة رضي الله عنهم، راوي هذا الحديث.
* أبو جهل: هو عمرو بن هشام، من أشد أعداء الإسلام وأكبر الطغاة في مكة، وكنيته "أبو الحكم"، لكن المسلمين لقبوه بـ "أبي جهل" لجهله وسفهه.
* حين التقى القوم: أي حين تقابل جيش المشركين وجيش المسلمين واستعدوا للقتال في غزوة بدر.
* أقطعنا للرحم: أي نحن قاطعو الرحم، حيث كانوا يحاربون أقاربهم من المسلمين من بني عمهم.
* آتانا بما لا يعرف: أي جاءنا (محمد صلى الله عليه وسلم) بدين جديد غريب لم نعرفه من قبل.
* فأحنه الغداة: "أحنه" من الإحناء، أي أذله وأخسه واكسره في هذه المعركة التي ستحدث في الصباح (الغداة).
* فكان المستفتح: أي فكان هو المستجاب دعاؤه عليه، فاستُجيب دعاؤه ولكن ليس لصالحه، بل عليه.
ثانياً: شرح الحديث:
يخبر الصحابي عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل، وهو في صفوف المشركين يوم بدر، نظر إلى الموقف فرأى أن المسلمين هم أقاربهم وبنو عمومتهم، فخاف أن يلاموا في قتالهم، فرفع يديه متوسلاً إلى الله -وليس مؤمناً به- وقال دعاءً فيه شكوى وطلب نصر على المسلمين.
* فقوله: (اللهم أقطعنا للرحم) يعني: يا الله، إننا لم نقاطع الرحم إلا لأنهم خالفونا وتركوا ديننا، فها نحن مضطرون لقتالهم.
* وقوله: (وآتانا بما لا يعرف) يعني: وجاءنا محمد بدين جديد غريب ننكره.
* وقوله: (فأحنه الغداة) يعني: فأنت يا الله، انصرنا عليهم واذلهم وأهلكهم في المعركة الصباحية.
فكانت النتيجة المفاجئة والمحورية في الحديث أن الله تعالى استجاب دعاءه، ولكن ليس له، بل عليه. فالدعاء كان مستفتحاً (مفتاحاً) لهزيمته وهزيمة قومه، فقُتل أبو جهل وأصحابه في تلك الغداة (صباح بدر) وانتصر المسلمون.
ثالثاً: الدروس المستفادة والعبر:
1- إثبات أن الله هو الخالق المدبر المستحق للعبادة: هذا الحديث من أعجب الأدلة، حيث إن عدو الله أبو جهل في لحظة الشدة والرهبة لجأ إلى الله وحده يتوسل به، وهذا إقرار ضمني منه بربوبية الله تعالى، لكنه كان إقراراً في حالة اضطرار لا إيماناً حقيقياً.
2- حكمة الله تعالى في إجابة الدعاء: الله تعالى يجيب الدعاء لكن قد تكون الإجابة على وجه آخر لا يتوقعه الداعي، فقد يستفتح الإنسان على نفسه وهو لا يدري. فأبو جهل دعا على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فاستجاب الله دعاءه وجعله سبباً في هزيمته هو.
3- الهزيمة المعنوية لأعداء الله: يظهر الحديث أن أعداء الله في قرارة أنفسهم يعلمون ضعف حجتهم وبطلان موقفهم، حتى إنهم يلجؤون إلى الله الذي يكفرون به ليحلوا مشكلتهم.
4- أن الدعاء سلاح عظيم: حتى أعداء الدين يستخدمونه في محنهم، فما بال المسلمين الذين يؤمنون بالله ويتوكلون عليه، يجب أن يكون الدعاء حاضراً في كل أحوالهم.
5- أن النصر من عند الله: نصر المسلمين في بدر لم يكن بقوتهم العددية أو العسكرية، بل كان تأييداً ونصرة من الله تعالى، حتى إن دعاء عدوهم انقلب عليه.
رابعاً: معلومات إضافية:
* هذه القصة تظهر في غزوة بدر الكبرى، التي وقعت في السنة الثانية للهجرة.
* كان عدد المسلمين فيها حوالي ٣١٣ رجلاً، بينما كان عدد المشركين حوالي ألف مقاتل.
* قُتل أبو جهل في هذه الغزوة على يد فتيان من الأنصار، وكان مقتله إيذاناً بانتصار المسلمين.
* هذا الحديث من الأدلة على أن الكافر قد يُستجاب دعاؤه في بعض الأمور الدنيوية رحمة بالمسلمين أو تأديباً لذلك الكافر، كما قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام: 44].
نسأل الله أن يجعلنا من المستجاب دعاؤهم، وأن لا يستفتح علينا أعداؤنا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه الإمام أحمد (٢٣٦٦١) عن يزيد، أخبرنا محمد - يعني ابن إسحاق - حَدَّثَنِي الزّهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير فذكره.
وإسناده صحيح ومحمد بن إسحاق وإن كان حسن الحديث إذا صرّح ولكنه رواه أيضًا صالح بن كيسان - وهو ثقة حافظ - عن الزهري به مثله، ومن طريقه رواه النسائي في الكبرى (١١١٣٧) والحاكم (٢/ ٣٢٨) وقال: صحيح على شرط الشّيخين.
وعبد الله بن ثعلبة صحابي صغير، ولد قبل الهجرة بأربع سنين وقيل: بعد الهجرة، فالحديث مرسل صحابي وهو مقبول عند جماهير أهل العلم.
وقوله: أقطعنا: اسم تفضيل للقطع.
وقوله: آتانا: اسم تفضيل من الاتيان.
وقوله: فأحِنْه من أحانه الله - أي أهلكه. قال السدي: كان المشركون حين خرجوا من مكة إلى بدر، أخذوا بأستار الكعبة فاستنصروا الله وقالوا: اللهم انصر أعلى الجندين، وأكرم الفئتين وخير القبيلتين، فقال الله: ﴿إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ﴾ [الأنفال: ١٩].
يقول: لقد نصرت ما قلتم، وهو محمد ﷺ.

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 257 من أصل 1279 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف

📜 حديث: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا يعرف

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية