أول سورة أنزلت فيها سجدة والنجم فسجد رسول الله ﷺ

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
حياكم الله و بياكم، و نسأل الله تعالى أن يعلمنا ما ينفعنا و أن ينفعنا بما علمنا و أن يزيدنا علما وفقها في الدين، وأن يغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويجعلنا هداة مهتدين.
هذا الحديث الذي رواه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهو من كبار حفاظ الصحابة وعلمائهم، يروي لنا واقعة عظيمة من وقائع الدعوة الإسلامية في مكة، لها دلالات بالغة الأهمية.

---

أولاً. شرح المفردات:

● أول سورة أنزلت فيها سجدة: أي أول سورة في ترتيب النزول (وليس في ترتيب المصحف) اشتملت على آية تأمر بالسجود عند تلاوتها.
● والنجم: هي سورة النجم، وهي السورة الثالثة والخمسون في ترتيب المصحف.
● إلا رجلاً: استثناء، أي أن الجميع سجدوا ما عدا هذا الرجل.
● كفاً من تراب: أي حفنة من التراب بيده.
● قتل كافراً: أي مات على الكفر والشرك في حالة حرب مع المسلمين.

---

ثانياً. شرح الحديث:

1- السياق التاريخي: نزلت سورة النجم في مكة، في فترة كان المسلمون فيها قلة مستضعفة، والكفار يمارسون ضدهم أشد أنواع الإيذاء والاضطهاد. كانت هذه الحادثة في أحد المجالس التي كان يتلو فيها النبي صلى الله عليه وسلم القرآن على الناس علانية، ربما عند الكعبة.
2- حدث السجود: عندما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى في سورة النجم: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا} [النجم: 62]، امتثل لأمر ربه فسجد سجود التلاوة. وتبعاً لسنته، سجد كل من كان حاضراً من المسلمين، بل وسجد بعض من كان في المجلس من المشركين الذين تأثروا بتلاوة القرآن العظيم، كما ورد في روايات أخرى.
3- موقف أمية بن خلف: هذا الرجل هو أمية بن خلف الجمحي، أحد أشراف قريش وطغاتها، وكان من أشد الناس عداوة للإسلام والمسلمين. رفض أن يسجد لله كبرياءً وحمية جاهلية. ولكي لا يظهر بمظهر المخالف الوحيد أمام الناس، أو لينافق ويرائي، أخذ حفنة من التراب ووضع جبهته عليها ساجداً لها، متعجباً ومستهزئاً، وكأنه يقول: أسجد لكن ليس لله، وإنما لهذا التراب.
4- العاقبة: يخبرنا ابن مسعود رضي الله عنه، الذي كان شاهد عيان على هذه الواقعة، عن المصير الذي انتهى إليه هذا الرجل. فقد قُتل كافراً في غزوة بدر الكبرى (السنة الثانية للهجرة) على يد سيدنا بلال بن رباح رضي الله عنه، الذي كان أمية يعذبه أشد العذاب في مكة ليرتد عن دينه. فكانت نهايته خزيًا في الدنيا بالقتل على الكفر، وعذاباً أخروياً في نار جهنم.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- عظمة القرآن وتأثيره: أن القرآن الكريم له تأثير عجيب على النفوس، حتى أن بعض كفار قريش لم يتمالكوا أنفسهم فسجدوا مع النبي صلى الله عليه وسلم تأثراً بسماعه، وهذا من إعجازه.
2- ذم الكبر والعناد: يصور لنا الموقف سوء عاقبة الكبر والعناد أمام الحق، حيث كان سبباً في هلاك أمية بن خلف وخزيه في الدنيا والآخرة. الكبر يمنع الإنسان من الانقياد للحق даже وهو يعرفه.
3- الإيمان بالقضاء والقدر: فالحديث يظهر أن هذا الرجل كتبت عليه الشقاوة منذ تلك اللحظة، فلم ينفع معه سماع القرآن ولا رؤية المعجزة، بل زاده ذلك كبراً وعناداً.
4- الاستهزاء بالدين: التحذير من خطورة الاستهزاء بآيات الله وشرائعه، كما فعل أمية بالسجود على التراب استهزاءً، فإن عاقبته وخيمة. قال تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة: 65-66].
5- الفرق بين الانقياد الظاهري والإيمان القلبي: بعض المشركين سجدوا تأثراً لحظة، ولكن لم يدخل الإيمان قلوبهم، بينما كان سجود المسلمين ناشئاً عن إيمان ويقين. الفارق هو حقيقة الإيمان في القلب.
6- صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم: فالحديث يخبر عن غيب، وهو أن هذا الرجل سيموت كافراً، وقد تحقق ذلك، وهذا من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم.

---

رابعاً. معلومات إضافية:

● سجود التلاوة: سجود النجم هو من سجدات التلاوة التي يشرع للسامع والقارئ أن يسجدها عند المرور بآية سجدة، وهو سجود واحد يقول فيه المسلم كما يقول في سجود الصلاة: "سبحان ربي الأعلى" ويدعو.
● مصير أمية بن خلف: كما ذكر، قتله بلال رضي الله عنه في بدر، وكان من الذين ألقوا في القليب (قليب بدر) بعد القتال.
أسأل الله أن يجعلنا من المنقادين لأمره، المتواضعين لحقه، المعرضين عن الكبر والاستهزاء بدينه.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.