حديث: فتح خيبر

📚 كتب الحديث | 🔍 صحة حديث | 📖 الأحاديث الصحيحة

باب الصلح بين النَّبِيّ ﷺ وبين سهيل بن عمرو يوم الحديبية، وذكر الأحداث التي وقعت بعد الصلح

عن سلمة بن الأكوع قال: قدّمنا الحديبية مع رسول الله ﷺ ونحن أربع عشرة مائة. وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله ﷺ على جبا الركية. فإما دعا وإما بسق فيها. قال: فجاشت. فسقينا واستقينا. قال: ثمّ إن رسول الله ﷺ دعانا للبيعة في أصل الشجرة. قال: فبايعته أول الناس. ثمّ بايع وبايع. حتَّى إذا كان في وسط من الناس قال: «بايع. يا سلمة!» قال: قلت: قد بايعتك. يا رسول الله! في أول الناس. قال: «وأيضا» قال: ورآني رسول الله ﷺ عزلا - يعني ليس معه سلاح -. قال: فأعطاني رسول الله ﷺ حجفة أو درقة. ثمّ بايع. حتَّى إذا كان في آخر الناس قال: «ألا تبايعني؟ يا سلمة!» قال: قلت: قد بايعتك. يا رسول الله! في أول الناس، وفي أوسط الناس. قال: «وأيضًا» قال: فبايعته الثالثة. ثمّ قال لي: «يا سلمة! أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟» قال: قلت: يا رسول الله! لقيني عمي عامر عزلا. فأعطيته إياها. قال: فضحك رسول الله ﷺ وقال: «إنَّك كالذي قال: الأوّل: اللهم! أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي». ثمّ إن المشركين راسلونا الصلح. حتَّى مشى بعضنا في بعض. واصطلحنا. قال: وكنت تبيعًا لطلحة بن عبيد الله. أسقي فرسه، وأحسه، وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرًا إلى الله ورسوله ﷺ. قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها. فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة. فجعلوا يقعون في رسول الله ﷺ فأبغضتهم. فتحولت إلى شجرة أخرى. وعلقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي. ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا في يدي. قال: ثمّ قلت: والذي كرم وجه محمد! لا يرفع أحد منكم رأسه إِلَّا ضربت الذي فيه عيناه. قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله ﷺ. قال: وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله ﷺ على فرس مجفف. في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله ﷺ فقال: «دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه» فعفا عنهم رسول الله ﷺ. وأنزل الله: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: ٢٤] الآية كلها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة. فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني
لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله ﷺ لمن رقي هذا الجبل الليلة. كأنه طليعة للنبي ﷺ وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثًا. ثمّ قدّمنا المدينة. فبعث رسول الله ﷺ بظهره مع رباح غلام رسول الله ﷺ. وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة. أنديه مع الظهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله ﷺ. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله ﷺ أن المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثًا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل. وأرتجز. أقول:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع.
فألحق رجلًا منهم. فأصك سهما في رحله. حتَّى خلص نصل السهم إلى كتفه. قال: قلت: خذها.
وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع.
قال: فوالله! ما زلت أرميهم وأعقر بهم. فإذا رجع إلي فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته. فعقرت به. حتَّى إذا تضايق الجبل دخلوا في تضايقه، علوت الجبل. فجعلت أرديهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتَّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله ﷺ إِلَّا خلفته وراء ظهري. وخلوا بيني وبينه. ثمّ اتبعتهم أرميهم. حتَّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحًا. يستخفون. ولا يطرحون شيئًا إِلَّا جعلت عليه آراما من الحجارة. يعرفها رسول الله ﷺ وأصحابه. حتَّى إذا أتوا متضايقًا من ثنية فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري. فجلسوا يتضحون «يعني يتغدون». وجلست على رأس قرن. قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا، من هذا البرح. والله! ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتَّى انتزع كل شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إلي منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والذي كرم وجه محمد ﷺ! لا أطلب رجلًا منكم إِلَّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال: أحدهم: أنا أظن. قال: فرجعوا. فما برحت مكاني حتَّى رأيت فوارس رسول الله ﷺ يتخللون الشجر. قال: فإذا أولهم الأخرم
الأسدي. على أثره أبو قتادة الأنصاري. وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتَّى يلحق رسول الله ﷺ وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنّة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليته. فالتقى هو وعبد الرحمن. قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه. وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحول على فرسه. ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله ﷺ بعبد الرحمن. فطعنه فقتله. فوالذي كرم وجه محمد ﷺ! اتبعتهم أعدو على رجلي. حتَّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمد ﷺ ولا غبارهم شيئًا. حتَّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء. يقال: له ذا قرد. ليشربوا منه وهم عطاش. قال: فنظروا إلي أعدو ورائهم. فحليتهم عنه «يعني أجليتهم عنه» فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية. قال: فأعدو فألحق رجلًا منهم. فأصكه بسهم في نغض كتفه. قال: قلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع.
قال: يا ثكلته أمه! أكوعه بكرة. قال: قلت: نعم. يا عدو نفسه! أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنية. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله ﷺ. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن. وسطيحة فيها ماء. فتوضأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله ﷺ وهو على الماء الذي حلأتهم منه. فإذا رسول الله ﷺ قد أخذ تلك الإبل. وكل شيء استنقذته من المشركين. وكل رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله ﷺ من كبدها وسنامها. قال: قلت: يا رسول الله! خلني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إِلَّا قتلته. قال: فضحك رسول الله ﷺ حتَّى بدت نواجذه في ضوء النّار. فقال: «يا سلمة! أتراك كنت فاعلًا؟» قلت: نعم. والذي أكرمك! فقال: «إنَّهم الآن ليقرون في أرض غطفان» قال: فجاء رجل من غطفان. فقال: نحر لهم جزورا. فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله ﷺ: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجالتنا سلمة» قال: ثمّ أعطاني رسول الله ﷺ سهمين: سهم الفارس وسهم الراجل. فجمعهما لي جميعًا. ثمّ أردفني رسول الله ﷺ وراءه على العضباء. راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدًا، قال: فجعل يقول: ألا
مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريمًا، ولا تهاب شريفًا؟ قال: لا. إِلَّا أن يكون رسول الله ﷺ. قال: قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي! ذرني فلأسابق الرّجل. قال: «إنَّ شئت» قال: قلت: اذهب إليك. وثنيت رجلي فطفرت فعدوت. قال: فربطت عليه شرفًا أو شرفين أستبقي نفسي. ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفًا أو شرفين. ثمّ إني رفعت حتَّى ألحقه. قال: فأصكه بين كتفيه. قال: قلت: قد سبقت. والله! قال: أنا أظن. قال: فسبقته إلى المدينة. قال: فوالله! ما لبثنا إِلَّا ثلاث ليال حتَّى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله ﷺ. قال: فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم:
تالله! لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا.
ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الأقدام إن لاقينا.
وأنزلن سكينة علينا.
فقال رسول الله ﷺ: «من هذا؟» قال: أنا عامر. قال: «غفر لك ربك» قال: وما استغفر رسول الله ﷺ لإنسان يخصه إِلَّا استشهد. قال: فنادى عمر بن الخطّاب، وهو على جمل له: يا نبي الله! لولا ما متعتنا بعامر. قال: فلمّا قدّمنا خيبر قال: خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب.
إذا الحروب أقبلت تلهب.
قال: وبرز له عمي عامر، فقال:
قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين. فوقع سيف مرحب في ترس عامر. وذهب عامر يسفل له. فرجع سيفه على نفسه. فقطع أكحله. فكانت فيها نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النَّبِيّ ﷺ يقولون: بطل عمل عامر. قتل نفسه. قال: فأتيت النَّبِيّ ﷺ وأنا أبكي. فقلت: يا رسول الله! بطل عمل عامر؟ . قال رسول الله ﷺ: «من قال ذلك؟» قال: قلت: ناس من أصحابك. قال: «كذب من قال: ذلك. بل له أجره مرتين». ثمّ أرسلني إلى علي، وهو أرمد. فقال: «لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله» قال: فأتيت عليًا فجئت به أقوده، وهو أرمد. حتَّى
أتيت به رسول الله ﷺ. فبسق في عينيه فبرأ. وأعطاه الراية. وخرج مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب.
إذا الحروب أقبلت تلهب.
فقال عليّ:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث الغابات كريه المنظره.
أوفيهم بالصاع كيل السندره.
قال: فضرب رأس مرحب فقتله. ثمّ كان الفتح على يديه.
قال إبراهيم: حَدَّثَنَا محمد بن يحيى، حَدَّثَنَا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن عكرمة بن عمار، بهذا الحديث بطوله.

صحيح: رواه مسلم في الجهاد (١٨٠٧) من طرق عن عكرمة بن عيار، حَدَّثَنِي إياس بن سلمة، قال: حَدَّثَنِي أبي قال: فذكره بطوله.

عن سلمة بن الأكوع قال: قدّمنا الحديبية مع رسول الله ﷺ ونحن أربع عشرة مائة. وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله ﷺ على جبا الركية. فإما دعا وإما بسق فيها. قال: فجاشت. فسقينا واستقينا. قال: ثمّ إن رسول الله ﷺ دعانا للبيعة في أصل الشجرة. قال: فبايعته أول الناس. ثمّ بايع وبايع. حتَّى إذا كان في وسط من الناس قال: «بايع. يا سلمة!» قال: قلت: قد بايعتك. يا رسول الله! في أول الناس. قال: «وأيضا» قال: ورآني رسول الله ﷺ عزلا - يعني ليس معه سلاح -. قال: فأعطاني رسول الله ﷺ حجفة أو درقة. ثمّ بايع. حتَّى إذا كان في آخر الناس قال: «ألا تبايعني؟ يا سلمة!» قال: قلت: قد بايعتك. يا رسول الله! في أول الناس، وفي أوسط الناس. قال: «وأيضًا» قال: فبايعته الثالثة. ثمّ قال لي: «يا سلمة! أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟» قال: قلت: يا رسول الله! لقيني عمي عامر عزلا. فأعطيته إياها. قال: فضحك رسول الله ﷺ وقال: «إنَّك كالذي قال: الأوّل: اللهم! أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي». ثمّ إن المشركين راسلونا الصلح. حتَّى مشى بعضنا في بعض. واصطلحنا. قال: وكنت تبيعًا لطلحة بن عبيد الله. أسقي فرسه، وأحسه، وأخدمه. وآكل من طعامه. وتركت أهلي ومالي، مهاجرًا إلى الله ورسوله ﷺ. قال: فلمّا اصطلحنا نحن وأهل مكة، واختلط بعضنا ببعض، أتيت شجرة فكسحت شوكها. فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة. فجعلوا يقعون في رسول الله ﷺ فأبغضتهم. فتحولت إلى شجرة أخرى. وعلقوا سلاحهم. واضطجعوا. فبينما هم كذلك إذ نادى مناد من أسفل الوادي: يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم. قال: فاخترطت سيفي. ثمّ شددت على أولئك الأربعة وهم رقود. فأخذت سلاحهم. فجعلته ضغثا في يدي. قال: ثمّ قلت: والذي كرم وجه محمد! لا يرفع أحد منكم رأسه إِلَّا ضربت الذي فيه عيناه. قال: ثمّ جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله ﷺ. قال: وجاء عمي عامر برجل من العبلات يقال له مكرز. يقوده إلى رسول الله ﷺ على فرس مجفف. في سبعين من المشركين. فنظر إليهم رسول الله ﷺ فقال: «دعوهم. يكن لهم بدء الفجور وثناه» فعفا عنهم رسول الله ﷺ. وأنزل الله: ﴿وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ﴾ [الفتح: ٢٤] الآية كلها. قال: ثمّ خرجنا راجعين إلى المدينة. فنزلنا منزلا. بيننا وبين بني
لحيان جبل. وهم المشركون. فاستغفر رسول الله ﷺ لمن رقي هذا الجبل الليلة. كأنه طليعة للنبي ﷺ وأصحابه. قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثًا. ثمّ قدّمنا المدينة. فبعث رسول الله ﷺ بظهره مع رباح غلام رسول الله ﷺ. وأنا معه. وخرجت معه بفرس طلحة. أنديه مع الظهر. فلمّا أصبحنا إذا عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله ﷺ. فاستاقه أجمع. وقتل راعيه. قال: فقلت: يا رباح! خذ هذا الفرس فأبلغه طلحة بن عبيد الله. وأخبر رسول الله ﷺ أن المشركين قد أغاروا على سرحه. قال: ثمّ قمت على أكمة فاستقبلت المدينة. فناديت ثلاثًا: يا صباحاه! ثمّ خرجت في آثار القوم أرميهم بالنبل. وأرتجز. أقول:
أنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع.
فألحق رجلًا منهم. فأصك سهما في رحله. حتَّى خلص نصل السهم إلى كتفه. قال: قلت: خذها.
وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع.
قال: فوالله! ما زلت أرميهم وأعقر بهم. فإذا رجع إلي فارس أتيت شجرة فجلست في أصلها. ثمّ رميته. فعقرت به. حتَّى إذا تضايق الجبل دخلوا في تضايقه، علوت الجبل. فجعلت أرديهم بالحجارة. قال: فما زلت كذلك أتبعهم حتَّى ما خلق الله من بعير من ظهر رسول الله ﷺ إِلَّا خلفته وراء ظهري. وخلوا بيني وبينه. ثمّ اتبعتهم أرميهم. حتَّى ألقوا أكثر من ثلاثين بردة وثلاثين رمحًا. يستخفون. ولا يطرحون شيئًا إِلَّا جعلت عليه آراما من الحجارة. يعرفها رسول الله ﷺ وأصحابه. حتَّى إذا أتوا متضايقًا من ثنية فإذا هم قد أتاهم فلان بن بدر الفزاري. فجلسوا يتضحون «يعني يتغدون». وجلست على رأس قرن. قال الفزاري: ما هذا الذي أرى؟ قالوا: لقينا، من هذا البرح. والله! ما فارقنا منذ غلس. يرمينا حتَّى انتزع كل شيء في أيدينا. قال: فليقم إليه نفر منكم، أربعة. قال: فصعد إلي منهم أربعة في الجبل. قال: فلمّا أمكنوني من الكلام قال: قلت: هل تعرفوني؟ قالوا: لا. ومن أنت؟ قال: قلت: أنا سلمة بن الأكوع. والذي كرم وجه محمد ﷺ! لا أطلب رجلًا منكم إِلَّا أدركته. ولا يطلبني رجل منكم فيدركني. قال: أحدهم: أنا أظن. قال: فرجعوا. فما برحت مكاني حتَّى رأيت فوارس رسول الله ﷺ يتخللون الشجر. قال: فإذا أولهم الأخرم
الأسدي. على أثره أبو قتادة الأنصاري. وعلى أثره المقداد بن الأسود الكندي. قال: فأخذت بعنان الأخرم. قال: فولوا مدبرين. قلت: يا أخرم! احذرهم. لا يقتطعوك حتَّى يلحق رسول الله ﷺ وأصحابه. قال: يا سلمة! إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر، وتعلم أن الجنّة حق والنار حق، فلا تحل بيني وبين الشهادة. قال: فخليته. فالتقى هو وعبد الرحمن. قال: فعقر بعبد الرحمن فرسه. وطعنه عبد الرحمن فقتله. وتحول على فرسه. ولحق أبو قتادة، فارس رسول الله ﷺ بعبد الرحمن. فطعنه فقتله. فوالذي كرم وجه محمد ﷺ! اتبعتهم أعدو على رجلي. حتَّى ما أرى ورائي، من أصحاب محمد ﷺ ولا غبارهم شيئًا. حتَّى يعدلوا قبل غروب الشّمس إلى شعب فيه ماء. يقال: له ذا قرد. ليشربوا منه وهم عطاش. قال: فنظروا إلي أعدو ورائهم. فحليتهم عنه «يعني أجليتهم عنه» فما ذاقوا منه قطرة. قال: ويخرجون فيشتدون في ثنية. قال: فأعدو فألحق رجلًا منهم. فأصكه بسهم في نغض كتفه. قال: قلت:
خذها وأنا ابن الأكوع ... واليوم يوم الرضع.
قال: يا ثكلته أمه! أكوعه بكرة. قال: قلت: نعم. يا عدو نفسه! أكوعك بكرة. قال: وأردوا فرسين على ثنية. قال: فجئت بهما أسوقهما إلى رسول الله ﷺ. قال: ولحقني عامر بسطيحة فيها مذقة من لبن. وسطيحة فيها ماء. فتوضأت وشربت. ثمّ أتيت رسول الله ﷺ وهو على الماء الذي حلأتهم منه. فإذا رسول الله ﷺ قد أخذ تلك الإبل. وكل شيء استنقذته من المشركين. وكل رمح وبردة. وإذا بلال نحر ناقة من الإبل الذي استنقذت من القوم. وإذا هو يشوي لرسول الله ﷺ من كبدها وسنامها. قال: قلت: يا رسول الله! خلني فأنتخب من القوم مائة رجل. فأتبع القوم فلا يبقى منهم مخبر إِلَّا قتلته. قال: فضحك رسول الله ﷺ حتَّى بدت نواجذه في ضوء النّار. فقال: «يا سلمة! أتراك كنت فاعلًا؟» قلت: نعم. والذي أكرمك! فقال: «إنَّهم الآن ليقرون في أرض غطفان» قال: فجاء رجل من غطفان. فقال: نحر لهم جزورا. فلمّا كشفوا جلدها رأوا غبارا. فقالوا: أتاكم القوم، فخرجوا هاربين. فلمّا أصبحنا قال رسول الله ﷺ: «كان خير فرساننا اليوم أبو قتادة. وخير رجالتنا سلمة» قال: ثمّ أعطاني رسول الله ﷺ سهمين: سهم الفارس وسهم الراجل. فجمعهما لي جميعًا. ثمّ أردفني رسول الله ﷺ وراءه على العضباء. راجعين إلى المدينة. قال: فبينما نحن نسير. قال: وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدًا، قال: فجعل يقول: ألا
مسابق إلى المدينة؟ هل من مسابق؟ فجعل يعيد ذلك. قال: فلمّا سمعت كلامه قلت: أما تكرم كريمًا، ولا تهاب شريفًا؟ قال: لا. إِلَّا أن يكون رسول الله ﷺ. قال: قلت: يا رسول الله! بأبي أنت وأمي! ذرني فلأسابق الرّجل. قال: «إنَّ شئت» قال: قلت: اذهب إليك. وثنيت رجلي فطفرت فعدوت. قال: فربطت عليه شرفًا أو شرفين أستبقي نفسي. ثمّ عدوت في إثره. فربطت عليه شرفًا أو شرفين. ثمّ إني رفعت حتَّى ألحقه. قال: فأصكه بين كتفيه. قال: قلت: قد سبقت. والله! قال: أنا أظن. قال: فسبقته إلى المدينة. قال: فوالله! ما لبثنا إِلَّا ثلاث ليال حتَّى خرجنا إلى خيبر مع رسول الله ﷺ. قال: فجعل عمي عامر يرتجز بالقوم:
تالله! لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا.
ونحن عن فضلك ما استغنينا ... فثبت الأقدام إن لاقينا.
وأنزلن سكينة علينا.
فقال رسول الله ﷺ: «من هذا؟» قال: أنا عامر. قال: «غفر لك ربك» قال: وما استغفر رسول الله ﷺ لإنسان يخصه إِلَّا استشهد. قال: فنادى عمر بن الخطّاب، وهو على جمل له: يا نبي الله! لولا ما متعتنا بعامر. قال: فلمّا قدّمنا خيبر قال: خرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب.
إذا الحروب أقبلت تلهب.
قال: وبرز له عمي عامر، فقال:
قد علمت خيبر أني عامر ... شاكي السلاح بطل مغامر
قال: فاختلفا ضربتين. فوقع سيف مرحب في ترس عامر. وذهب عامر يسفل له. فرجع سيفه على نفسه. فقطع أكحله. فكانت فيها نفسه. قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النَّبِيّ ﷺ يقولون: بطل عمل عامر. قتل نفسه. قال: فأتيت النَّبِيّ ﷺ وأنا أبكي. فقلت: يا رسول الله! بطل عمل عامر؟ . قال رسول الله ﷺ: «من قال ذلك؟» قال: قلت: ناس من أصحابك. قال: «كذب من قال: ذلك. بل له أجره مرتين». ثمّ أرسلني إلى علي، وهو أرمد. فقال: «لأعطين الراية رجلًا يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله» قال: فأتيت عليًا فجئت به أقوده، وهو أرمد. حتَّى
أتيت به رسول الله ﷺ. فبسق في عينيه فبرأ. وأعطاه الراية. وخرج مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب ... شاكي السلاح بطل مجرب.
إذا الحروب أقبلت تلهب.
فقال عليّ:
أنا الذي سمتني أمي حيدره ... كليث الغابات كريه المنظره.
أوفيهم بالصاع كيل السندره.
قال: فضرب رأس مرحب فقتله. ثمّ كان الفتح على يديه.
قال إبراهيم: حَدَّثَنَا محمد بن يحيى، حَدَّثَنَا عبد الصمد بن عبد الوارث، عن عكرمة بن عمار، بهذا الحديث بطوله.

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فإن حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه من الأحاديث العظيمة التي تحكي أحداث صلح الحديبية وما تلاه من وقائع، وسأشرحه لكم جزءًا جزءًا مع بيان الدروس المستفادة.

أولاً. شرح المفردات:


● جبا الركية: حافة البئر.
● جاشت: فاضت وامتلأت بالماء.
● عزلا: بلا سلاح.
● حجفة أو درقة: ترس من الجلد يستخدم للوقاية.
● البيعة: المبايعة على الطاعة.
● ضغثا: مجموعة محشورة.
● يستخفون: يخفون أنفسهم بالهرب.
● يترضون: يتغدون.
● يعدو: يركض.

ثانيًا. شرح الحديث:


يحكي سلمة بن الأكوع رضي الله عنه قصة خروجه مع النبي ﷺ إلى الحديبية في عام صلح الحديبية، وكان عدد الصحابة أربع عشرة مائة، وعند البئر لم يكن فيها ماء يكفي، فجلس النبي ﷺ على حافة البئر ودعا الله أو بصب فيه من ريقه الشريف، ففاضت البئر بالماء حتى شربوا جميعًا.
ثم بايع الصحابة النبي ﷺ تحت الشجرة على عدم الفرار، وكانت بيعة الرضوان، وبايع سلمة ثلاث مرات، وأعطاه النبي ﷺ ترسًا لأنه كان بلا سلاح، لكن سلمة أعطاه لعمه عامر.
وبعد الصلح، حدث أن اعتدى أربعة من المشركين على سلمة وهو نائم، فاستل سيفه وأسرهم، وأتى بهم إلى النبي ﷺ، لكن النبي عفا عنهم.
ثم يروي سلمة قصة إغارة عبد الرحمن الفزاري على إبل النبي ﷺ، وكيف لحق بهم سلمة وحده، واستعاد الإبل، وقاتلهم حتى انهزموا، ثم جاءت نجدة المسلمين، وأثنى النبي ﷺ على سلمة وأبي قتادة.
ثم في طريق العودة إلى المدينة، سابق سلمة رجلاً من الأنصار فسبقه، ثم خرجوا إلى خيبر، واستشهد عمه عامر فيها، وقاتل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرحبًا وقتله.

ثالثًا. الدروس المستفادة:


1- كرامات النبي ﷺ: ففي معجزة الماء، حيث فاضت البئر بدعائه أو بصب الريق الشريف.
2- فضل البيعة والصبر: بيعة الرضوان كانت اختبارًا للصبر والثبات.
3- الشجاعة والإقدام: كما في قصة سلمة في استعادة إبل النبي وحده.
4- العفو عند المقدرة: كما عفا النبي ﷺ عن المشركين.
5- الإخلاص في الطاعة: كما في قصة سلمة وتفانيه في خدمة النبي ﷺ والصحابة.
6- التضحية والبذل: كما في بذل سلمة للترس لعمه.
7- الثناء على الشجعان: كما أثنى النبي ﷺ على سلمة وأبي قتادة.

رابعًا. معلومات إضافية:


- الحديث رواه البخاري ومسلم بأطول من هذا.
- سلمة بن الأكوع من الصحابة المشهورين بالشجاعة والبطولة.
- صلح الحديبية كان في السنة السادسة للهجرة.
- غزوة خيبر كانت في السنة السابعة للهجرة.
هذا والله أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
📝 تنبيه هام:
نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:
"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه مسلم في الجهاد (١٨٠٧) من طرق عن عكرمة بن عيار، حَدَّثَنِي إياس بن سلمة، قال: حَدَّثَنِي أبي قال: فذكره بطوله.

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 512 من أصل 1279 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: فتح خيبر

  • 📜 حديث: فتح خيبر

    نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.

  • 🔍 صحة حديث: فتح خيبر

    تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.

  • 📖 تخريج حديث: فتح خيبر

    تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.

  • 📚 شرح حديث: فتح خيبر

    شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.


قراءة القرآن الكريم


سورة البقرة آل عمران سورة النساء
سورة المائدة سورة يوسف سورة ابراهيم
سورة الحجر سورة الكهف سورة مريم
سورة الحج سورة القصص العنكبوت
سورة السجدة سورة يس سورة الدخان
سورة الفتح سورة الحجرات سورة ق
سورة النجم سورة الرحمن سورة الواقعة
سورة الحشر سورة الملك سورة الحاقة
سورة الانشقاق سورة الأعلى سورة الغاشية

الباحث القرآني | البحث في القرآن الكريم


Wednesday, November 19, 2025

لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب