غفر لي بهجرتي إلى نبيه

شرح الحديث:

شرح المفردات:
* الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو الدَّوْسِيُّ: صحابي جليل، من سادات قبيلة دوس، كان شاعراً مطاعاً في قومه. أسلم قبل الهجرة بمكة، ودعا قومه إلى الإسلام فاستجاب له بعضهم.
* حِصْنٌ حَصِينٌ وَمَنَعَةٌ: يقصد حصناً منيعاً وقوةً عسكريةً (رجالاً وموقعاً) يمكن أن يحتمي بها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من أذى قريش. والحصن هو المكان المرتفع المُحَصَّن.
* أَبَى: رفض.
* لِلَّذِي ذَخَرَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ: للقدر والمكانة التي أعدها الله وأخباها للأنصار في المدينة المنورة، ليكنوا هم نُصَراء الإسلام وموطن هجرته.
* هَاجَرَ إِلَيْهِ: أي هاجر الطفيل إلى المدينة المنورة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.
* اجْتَوَوُا الْمَدِينَةَ: اشْتَكَوْا وَطَأَتَها، أي لم تطب لهم أجواؤها، فمرضوا بسبب اختلاف المناخ أو وجود الحمى فيها عند قدومهم، وكانت المدينة славиت بذلك.
* جَزَعَ: ضاق صدره وضجر من شدة المرض، ولم يصبر.
* مَشَاقِصُ: جمع مِشْقَص، وهو سهم عريض الرأس كان يُستخدم للصيد، أو سكين صغيرة حادة.
* بَرَاجِمَهُ: مفردها بُرْجُوم، وهي عُقَدُ ظهور الأصابع ومفاصلها.
* فَشَخَبَتْ يَدَاهُ: سال منهما الدم بغزارة حتى مات بسبب النزف.
* هَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ: منظره جميل ولباسه حسن في المنام، مما يدل على حسن خاتمته.
* مُغَطِّيًا يَدَيْهِ: قد غطّى يديه بثوبه أو بشيء آخر.
* لن نُصْلِحَ مِنكَ ما أَفْسَدْتَ: لن نعوضك أو نرد لك ما قطعتَهُ وأهلكتَهُ بنفسك.

---

شرح الحديث:
1- عرض الحماية والمنعة: جاء الطفيل بن عمرو الدوسي إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو لا يزال في مكة، يعرض عليه حماية قبيلته (دوس) ومنعتها، ليكون له سنداً وقوة في مواجهة قريش. وهذا يدل على حب الطفيل للنبي وحرصه على نصرته.
2- رفض النبي صلى الله عليه وسلم: رفض النبي صلى الله عليه وسلم هذا العرض الكريم، لا تقليلاً من شأن الطفيل أو قومه، ولكن لأنه يعلم أن الله تعالى قد أعدَّ للدعوة مخرجاً ومكاناً آخر، وهو المدينة المنورة، وأن نُصَراءها سيكونون من الأنصار. وهذا من تمام توكل النبي صلى الله عليه وسلم على ربه وإيمانه بوعده.
3- الهجرة والمرض: بعد أن هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، هاجر إليه الطفيل ومعه رجل من قومه. فلما وصلا المدينة، لم يتحملا جوها فمرضا. وهذا الابتلاء اختبار من الله لهذين المهاجرين الجديدين.
4- الجزع والعاقبة الوخيمة: صبر الطفيل، ولكن صاحبه لم يصبر على شدة المرض والحمى، فجزع وضاق ذرعاً. وفي لحظة يأس قاتلة، أخذ سكينةً (مشاقص) فقطع بها عروق يديه فمات نزفاً. وهذا عمل محرم بإجماع المسلمين، فهو انتحار محض، وهو من كبائر الذنوب لأنه استعجال للموت واعتراض على قضاء الله.
5- الرؤيا في المنام: رأى الطفيل صاحبه في المنام بعد موته، فرآه في صورة حسنة جميلة (وهيئته حسنة)، لكنه كان يخبئ يديه تحت ثوبه. فسأله عن حاله عند ربه، فأجابه بأن الله قد غفر له بسبب هجرته في سبيله ابتغاء مرضاته ونصرة نبيه. وهنا تظهر رحمة الله الواسعة التي وسعت كل شيء.
6- سبب تغطية اليدين: عندما سأله الطفيل عن سبب إخفاء يديه، أجابه بأنه قيل له: "لن نصلح منك ما أفسدت". أي أن الله غفر له ذنبه الكبير (الانتحار) بسبب فضل الهجرة، لكنه لن يعيد له يديه التي أتلفها بنفسه في الدنيا، فستبقى على حالها في الآخرة كعلامة على ما فعل، مع أن ذلك لا يؤلمه في الجنة.
7- دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: عندما قص الطفيل هذه الرؤيا على النبي صلى الله عليه وسلم، فهم النبي منها أن هذا الرجل نال المغفرة بفضل هجرته، لكن يبقى أثر معصيته. فدعا النبي صلى الله عليه وسلم له دعاءً خاصاً: "اللَّهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِرْ". أي: اللهم اغفر له ذنبه المتعلق بيديه أيضاً. فهو دعاء بأن تتسع مغفرة الله فتشمل حتى هذا