تفسير سورة الأنبياء كاملة مختصر

  1. التفسير
  2. سور أخرى
  3. السورة mp3
تفسير القرآن | surah (الأنبياء) - تفسير سورة الأنبياء - تفاسير معتمدة | رقم السورة 21 - عدد آياتها 112 - مدنية صفحتها في القرآن 322.

قراءة و تفسير سورة الأنبياء Al-Anbiya.

bismillah & auzubillah

الأنبياء مكتوبة سورة الأنبياء mp3

اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ(1)

التفسير المختصر:
قَرُب للناس حسابهم على أعمالهم يوم القيامة، وهم في غفلة معرضون عن الآخرة؛ لانشغالهم بالدنيا عنها.
تفسير الجلالين:
 «اقترب» قرب «للناس» أهل مكة منكري البعث «حسابهم» يوم القيامة «وهم في غفلة» عنه «معرضون» عن التأهب له بالإيمان.
تفسير السعدي:
هذا تعجب من حالة الناس، وأنه لا ينجع فيهم تذكير، ولا يرعون إلى نذير، وأنهم قد قرب حسابهم، ومجازاتهم على أعمالهم الصالحة والطالحة، والحال أنهم في غفلة معرضون، أي: غفلة عما خلقوا له، وإعراض عما زجروا به.
كأنهم للدنيا خلقوا، وللتمتع بها ولدوا

مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ(2)

التفسير المختصر:
ما يأتيهم من قرآن من ربهم حديث النزول إلا استمعوه سماعًا غير نافع، بل سماع لعب غير مبالين بما فيه.
تفسير الجلالين:
 «ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث» شيئاً فشيئاً أي لفظ قرآن «إلا استمعوه وهم يلعبون» يستهزئون.
تفسير السعدي:
وأن الله تعالى لا يزال يجدد لهم التذكير والوعظ، ولا يزالون في غفلتهم وإعراضهم، ولهذا قال: مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ يذكرهم ما ينفعهم ويحثهم عليه وما يضرهم، ويرهبهم منه إِلَّا اسْتَمَعُوهُ سماعا، تقوم عليهم به الحجة، وَهُمْ يَلْعَبُونَ

لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ ۗ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَٰذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ۖ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ(3)

التفسير المختصر:
استمعوه وقلوبهم غافلة عنه، وأخفى الظالمون بالكفرِ الحديثَ الذي يتناجون به قائلين: هل هذا الذي يدَّعي أنه رسول إلا بشر مثلكم، لا ميزة له عنكم؟! وما جاء به سحر، أفتتبعونه وأنتم تدركون أنه بشر مثلكم، وأن ما جاء به سحر؟!
تفسير الجلالين:
 «لاهية» غافلة «قلوبهم» عن معناه «وأسَرُّوا النجوى» الكلام «الذين ظلموا» بدل من واو «وأسروا النجوى الذين ظلموا» «هلْ هذا» أي محمد «إلا بشر مثلكم» فما يأتي به سحر «أفتأتون السحر» تتبعونه «وأنتم تبصرون» تعلمون أنه سحر.
تفسير السعدي:
لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ أي: قلوبهم غافلة معرضة لاهية بمطالبها الدنيوية، وأبدانهم لاعبة، قد اشتغلوا بتناول الشهوات والعمل بالباطل، والأقوال الردية، مع أن الذي ينبغي لهم أن يكونوا بغير هذه الصفة، تقبل قلوبهم على أمر الله ونهيه، وتستمعه استماعا، تفقه المراد منه، وتسعى جوارحهم، في عبادة ربهم، التي خلقوا لأجلها، ويجعلون القيامة والحساب والجزاء منهم على بال، فبذلك يتم لهم أمرهم، وتستقيم أحوالهم، وتزكوا أعمالهم، وفي معنى قوله: اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ قولان: أحدهما أن هذه الأمة هي آخر الأمم، ورسولها آخر الرسل، وعلى أمته تقوم الساعة، فقد قرب الحساب منها بالنسبة لما قبلها من الأمم، لقوله صلى الله عليه وسلم " بعثت أنا والساعة كهاتين " وقرن بين إصبعيه، السبابة والتي تليها.
والقول الثاني: أن المراد بقرب الحساب الموت، وأن من مات، قامت قيامته، ودخل في دار الجزاء على الأعمال، وأن هذا تعجب من كل غافل معرض، لا يدري متى يفجأه الموت، صباحا أو مساء، فهذه حالة الناس كلهم، إلا من أدركته العناية الربانية، فاستعد للموت وما بعده.
ثم ذكر ما يتناجى به الكافرون الظالمون على وجه العناد، ومقابلة الحق بالباطل، وأنهم تناجوا، وتواطأوا فيما بينهم، أن يقولوا في الرسول صلى الله عليه وسلم، إنه بشر مثلكم، فما الذي فضله عليكم، وخصه من بينكم، فلو ادعى أحد منكم مثل دعواه، لكان قوله من جنس قوله، ولكنه يريد أن يتفضل عليكم، ويرأس فيكم، فلا تطيعوه، ولا تصدقوه، وأنه ساحر، وما جاء به من القرآن سحر، فانفروا عنه، ونفروا الناس، وقولوا: أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ هذا وهم يعلمون أنه رسول الله حقا بما شاهدوا من الآيات الباهرة ما لم يشاهد غيرهم، ولكن حملهم على ذلك الشقاء والظلم والعناد، والله تعالى قد أحاط علما بما تناجوا به، وسيجازيهم عليه

قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(4)

التفسير المختصر:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ربي يعلم ما أخفيتم من الحديث، فهو يعلم كل قول صادر من قائله في السماوات وفي الأرض، وهو السميع لأقوال عباده، العليم بأعمالهم، وسيجازيهم عليها.
تفسير الجلالين:
 «قال» لهم «ربي يعلم القول» كائناً «في السماء والأرض وهو السميع» لما أسروه «العليم» به.
تفسير السعدي:
قَلَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ أي: الخفي والجلي فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أي: في جميع ما احتوت عليه أقطارهما وَهُوَ السَّمِيعُ لسائر الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات الْعَلِيمُ بما في الضمائر، وأكنته السرائر.

بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ(5)

التفسير المختصر:
بل ترددوا بشأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، فتارة قالوا: أحلام مختلطة لا تأويل لها، وقالوا تارة: لا، بل اختلقه من غير أن يكون له أصل، وقالوا تارة: هو شاعر، وإن كان صادقًا في دعواه فليجئنا بمعجزة مثل الأولين من الرسل، فقد جاؤوا بالمعجزات، مثل عصا موسى، وناقة صالح.
تفسير الجلالين:
 «بل» للانتقال من غرض إلى آخر في المواضع الثلاثة «قالوا» فيما أتى به من القرآن هو «أضغاث أحلام» أخلاط رآها في النوم «بل افتراه» اختلقه «بل هو شاعر» فما أتى به شعر «فليأتنا بآية كما أرسل الأولون» كالناقة والعصا واليد قال تعالى:
تفسير السعدي:
يذكر تعالى ائتفاك المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم، وبما جاء به من القرآن العظيم، وأنهم سفهوه وقالوا فيه الأقاويل الباطلة المختلفة، فتارة يقولون: أضغاث أحلام بمنزلة كلام النائم الهاذي، الذي لا يحس بما يقول، وتارة يقولون: افتراه واختلقه وتقوله من عند نفسه، وتارة يقولون: إنه شاعر وما جاء به شعر.
وكل من له أدنى معرفة بالواقع، من حالة الرسول، ونظر في هذا الذي جاء به، جزم جزما لا يقبل الشك، أنه أجل الكلام وأعلاه، وأنه من عند الله، وأن أحدا من البشر لا يقدر على الإتيان بمثل بعضه، كما تحدى الله أعداءه بذلك، ليعارضوا مع توفر دواعيهم لمعارضته وعداوته، فلم يقدروا على شيء من معارضته، وهم يعلمون ذلك وإلا فما الذي أقامهم وأقعدهم وأقض مضاجعهم وبلبل ألسنتهم إلا الحق الذي لا يقوم له شيء، وإنما يقولون هذه الأقوال فيه - حيث لم يؤمنوا به - تنفيرا عنه لمن لم يعرفه، وهو أكبر الآيات المستمرة، الدالة على صحة ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وصدقه، وهو كاف شاف، فمن طلب دليلا غيره، أو اقترح آية من الآيات سواه، فهو جاهل ظالم مشبه لهؤلاء المعاندين الذين كذبوه وطلبوا من الآيات الاقتراح ما هو أضر شيء عليهم، وليس لهم فيها مصلحة، لأنهم إن كان قصدهم معرفة الحق إذا تبين دليله، فقد تبين دليله بدونها، وإن كان قصدهم التعجيز وإقامة العذر لأنفسهم، إن لم يأت بما طلبوا فإنهم بهذه الحالة - على فرض إتيان ما طلبوا من الآيات - لا يؤمنون قطعا، فلو جاءتهم كل آية، لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم.
ولهذا قال الله عنهم: فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ أي: كناقة صالح، وعصا موسى، ونحو ذلك.

مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا ۖ أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ(6)

التفسير المختصر:
ما آمنت قبل هؤلاء المقترحين قرية اقترحوا نزول الآيات فأُعطُوها كما اقترحوها، بل كذبوا بها فأهلكناهم، أفيؤمن هؤلاء؟!
تفسير الجلالين:
 «ما آمنت قبلهم من قرية» أي أهلها «أهلكناها» بتكذيبها ما أتاها من الآيات «أفهم يؤمنون» لا.
تفسير السعدي:
مَا آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أي: بهذه الآيات المقترحة، وإنما سنته تقتضي أن من طلبها، ثم حصلت له، فلم يؤمن أن يعاجله بالعقوبة.
فالأولون ما آمنوا بها، أفيؤمن هؤلاء بها؟ ما الذي فضلهم على أولئك، وما الخير الذي فيهم، يقتضي الإيمان عند وجودها؟ وهذا الاستفهام بمعنى النفي، أي: لا يكون ذلك منهم أبدا.

وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِمْ ۖ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(7)

التفسير المختصر:
وما بعثنا قبلك - أيها الرسول - إلا رجالًا من البشر نوحي إليهم، ولم نبعثهم ملائكة، فاسألوا أهل الكتاب من قبلكم إن كنتم لا تعلمون ذلك.
تفسير الجلالين:
 «وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي» وفي قراءة بالياء وفتح الحاء «إليهم» لا ملائكة «فاسألوا أهل الذكر» العلماء بالتوراة والإنجيل «إن كنتم لا تعلمون» ذلك فإنهم يعلمونه، وأنتم إلى تصديقهم أقرب من تصديق المؤمنين بمحمد.
تفسير السعدي:
تفسير الآيات من 7 الى 9 :هذا جواب لشبه المكذبين للرسول القائلين: هلا كان ملكا، لا يحتاج إلى طعام وشراب، وتصرف في الأسواق، وهلا كان خالدا؟ فإذا لم يكن كذلك، دل على أنه ليس برسول.
وهذه الشبه ما زالت في قلوب المكذبين للرسل، تشابهوا في الكفر، فتشابهت أقوالهم، فأجاب تعالى عن هذه الشبه لهؤلاء المكذبين للرسول، المقرين بإثبات الرسل قبله - ولو لم يكن إلا إبراهيم عليه السلام، الذي قد أقر بنبوته جميع الطوائف، والمشركون يزعمون أنهم على دينه وملته - بأن الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم، كلهم من البشر، الذين يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، وتطرأ عليهم العوارض البشرية، من الموت وغيره، وأن الله أرسلهم إلى قومهم وأممهم، فصدقهم من صدقهم، وكذبهم من كذبهم، وأن الله صدقهم ما وعدهم به من النجاة، والسعادة لهم ولأتباعهم، وأهلك المسرفين المكذبين لهم.
فما بال محمد صلى الله عليه وسلم، تقام الشبه الباطلة على إنكار رسالته، وهي موجودة في إخوانه المرسلين، الذين يقر بهم المكذبون لمحمد؟ فهذا إلزام لهم في غاية الوضوح، وأنهم إن أقروا برسول من البشر، ولن يقروا برسول من غير البشر، إن شبههم باطلة، قد أبطلوها هم بإقرارهم بفسادها، وتناقضهم بها، فلو قدر انتقالهم من هذا إلى إنكار نبوة البشر رأسا، وأنه لا يكون نبي إن لم يكن ملكا مخلدا، لا يأكل الطعام، فقد أجاب [الله] تعالى عن هذه الشبهة بقوله: وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ* وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ وأن البشر لا طاقة لهم بتلقي الوحي من الملائكة قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا فإن حصل معكم شك وعدم علم بحالة الرسل المتقدمين فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ من الكتب السالفة، كأهل التوراة والإنجيل، يخبرونكم بما عندهم من العلم، وأنهم كلهم بشر من جنس المرسل إليهم.
وهذه الآية وإن كان سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذكر وهم أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين، أصوله وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها، أن يسأل من يعلمها، ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم، ولم يؤمر بسؤالهم، إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه.
وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم، نهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهي له أن يتصدى لذلك، وفي هذه الآية دليل على أن النساء ليس منهن نبية، لا مريم ولا غيرها، لقوله إِلَّا رِجَالًا

وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ(8)

التفسير المختصر:
وما جعلنا الرسل الذين نرسلهم ذوي جسد لا يأكلون الطعام، بل يأكلون كما يأكل غيرهم، وما كانوا باقين في الدنيا لا يموتون.
تفسير الجلالين:
 «وما جعلناهم» أي الرسل «جسداً» بمعنى أجساداً «لا يأكلون الطعام» بل يأكلونه «وما كانوا خالدين» في الدنيا.
تفسير السعدي:
تفسير الآيات من 7 الى 9 :هذا جواب لشبه المكذبين للرسول القائلين: هلا كان ملكا، لا يحتاج إلى طعام وشراب، وتصرف في الأسواق، وهلا كان خالدا؟ فإذا لم يكن كذلك، دل على أنه ليس برسول.
وهذه الشبه ما زالت في قلوب المكذبين للرسل، تشابهوا في الكفر، فتشابهت أقوالهم، فأجاب تعالى عن هذه الشبه لهؤلاء المكذبين للرسول، المقرين بإثبات الرسل قبله - ولو لم يكن إلا إبراهيم عليه السلام، الذي قد أقر بنبوته جميع الطوائف، والمشركون يزعمون أنهم على دينه وملته - بأن الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم، كلهم من البشر، الذين يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، وتطرأ عليهم العوارض البشرية، من الموت وغيره، وأن الله أرسلهم إلى قومهم وأممهم، فصدقهم من صدقهم، وكذبهم من كذبهم، وأن الله صدقهم ما وعدهم به من النجاة، والسعادة لهم ولأتباعهم، وأهلك المسرفين المكذبين لهم.
فما بال محمد صلى الله عليه وسلم، تقام الشبه الباطلة على إنكار رسالته، وهي موجودة في إخوانه المرسلين، الذين يقر بهم المكذبون لمحمد؟ فهذا إلزام لهم في غاية الوضوح، وأنهم إن أقروا برسول من البشر، ولن يقروا برسول من غير البشر، إن شبههم باطلة، قد أبطلوها هم بإقرارهم بفسادها، وتناقضهم بها، فلو قدر انتقالهم من هذا إلى إنكار نبوة البشر رأسا، وأنه لا يكون نبي إن لم يكن ملكا مخلدا، لا يأكل الطعام، فقد أجاب [الله] تعالى عن هذه الشبهة بقوله: وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ* وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ وأن البشر لا طاقة لهم بتلقي الوحي من الملائكة قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا فإن حصل معكم شك وعدم علم بحالة الرسل المتقدمين فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ من الكتب السالفة، كأهل التوراة والإنجيل، يخبرونكم بما عندهم من العلم، وأنهم كلهم بشر من جنس المرسل إليهم.
وهذه الآية وإن كان سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذكر وهم أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين، أصوله وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها، أن يسأل من يعلمها، ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم، ولم يؤمر بسؤالهم، إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه.
وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم، نهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهي له أن يتصدى لذلك، وفي هذه الآية دليل على أن النساء ليس منهن نبية، لا مريم ولا غيرها، لقوله إِلَّا رِجَالًا

ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنجَيْنَاهُمْ وَمَن نَّشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ(9)

التفسير المختصر:
ثم حققنا لرسلنا ما وعدناهم به حيث أنقذناهم وأنقذنا من نشاء من المؤمنين من الهلاك، وأهلكنا المتجاوزين للحد بكفرهم بالله، وارتكابهم المعاصي.
تفسير الجلالين:
 «ثم صدقناهم الوعد» بإنجائهم «فأنجيناهم ومن نشاء» المصدقين لهم «وأهلكنا المسرفين» المكذبين لهم.
تفسير السعدي:
تفسير الآيات من 7 الى 9 :هذا جواب لشبه المكذبين للرسول القائلين: هلا كان ملكا، لا يحتاج إلى طعام وشراب، وتصرف في الأسواق، وهلا كان خالدا؟ فإذا لم يكن كذلك، دل على أنه ليس برسول.
وهذه الشبه ما زالت في قلوب المكذبين للرسل، تشابهوا في الكفر، فتشابهت أقوالهم، فأجاب تعالى عن هذه الشبه لهؤلاء المكذبين للرسول، المقرين بإثبات الرسل قبله - ولو لم يكن إلا إبراهيم عليه السلام، الذي قد أقر بنبوته جميع الطوائف، والمشركون يزعمون أنهم على دينه وملته - بأن الرسل قبل محمد صلى الله عليه وسلم، كلهم من البشر، الذين يأكلون الطعام، ويمشون في الأسواق، وتطرأ عليهم العوارض البشرية، من الموت وغيره، وأن الله أرسلهم إلى قومهم وأممهم، فصدقهم من صدقهم، وكذبهم من كذبهم، وأن الله صدقهم ما وعدهم به من النجاة، والسعادة لهم ولأتباعهم، وأهلك المسرفين المكذبين لهم.
فما بال محمد صلى الله عليه وسلم، تقام الشبه الباطلة على إنكار رسالته، وهي موجودة في إخوانه المرسلين، الذين يقر بهم المكذبون لمحمد؟ فهذا إلزام لهم في غاية الوضوح، وأنهم إن أقروا برسول من البشر، ولن يقروا برسول من غير البشر، إن شبههم باطلة، قد أبطلوها هم بإقرارهم بفسادها، وتناقضهم بها، فلو قدر انتقالهم من هذا إلى إنكار نبوة البشر رأسا، وأنه لا يكون نبي إن لم يكن ملكا مخلدا، لا يأكل الطعام، فقد أجاب [الله] تعالى عن هذه الشبهة بقوله: وَقَالُوا لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ وَلَوْ أَنْزَلْنَا مَلَكًا لَقُضِيَ الْأَمْرُ ثُمَّ لَا يُنْظَرُونَ* وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ وأن البشر لا طاقة لهم بتلقي الوحي من الملائكة قُلْ لَوْ كَانَ فِي الْأَرْضِ مَلَائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولًا فإن حصل معكم شك وعدم علم بحالة الرسل المتقدمين فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ من الكتب السالفة، كأهل التوراة والإنجيل، يخبرونكم بما عندهم من العلم، وأنهم كلهم بشر من جنس المرسل إليهم.
وهذه الآية وإن كان سببها خاصا بالسؤال عن حالة الرسل المتقدمين لأهل الذكر وهم أهل العلم، فإنها عامة في كل مسألة من مسائل الدين، أصوله وفروعه، إذا لم يكن عند الإنسان علم منها، أن يسأل من يعلمها، ففيه الأمر بالتعلم والسؤال لأهل العلم، ولم يؤمر بسؤالهم، إلا لأنه يجب عليهم التعليم والإجابة عما علموه.
وفي تخصيص السؤال بأهل الذكر والعلم، نهي عن سؤال المعروف بالجهل وعدم العلم، ونهي له أن يتصدى لذلك، وفي هذه الآية دليل على أن النساء ليس منهن نبية، لا مريم ولا غيرها، لقوله إِلَّا رِجَالًا

لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(10)

التفسير المختصر:
لقد أنزلنا إليكم القرآن فيه شرفكم وفخركم إن صدّقتم به، وعملتم بما فيه، أفلا تعقلون ذلك، فتسارعوا إلى الإيمان به، والعمل بما تضمنه؟!
تفسير الجلالين:
 لقد أنزلنا إليكم» يا معشر قريش «كتاباً فيه ذكركم» لأنه بلغتكم «أفلا تعقلون» فتؤمنون به.
تفسير السعدي:
لقد أنزلنا إليكم - أيها المرسل إليهم، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - كتابا جليلا، وقرآنا مبينا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أي: شرفكم وفخركم وارتفاعكم، إن تذكرتم به ما فيه من الأخبار الصادقة فاعتقدتموها، وامتثلتم ما فيه من الأوامر، واجتنبتم ما فيه من النواهي، ارتفع قدركم، وعظم أمركم، أَفَلَا تَعْقِلُونَ ما ينفعكم وما يضركم؟ كيف لا ترضون ولا تعملون على ما فيه ذكركم وشرفكم في الدنيا والآخرة، فلو كان لكم عقل، لسلكتم هذا السبيل، فلما لم تسلكوه، وسلكتم غيره من الطرق، التي فيها ضعتكم وخستكم في الدنيا والآخرة وشقاوتكم فيهما، علم أنه ليس لكم معقول صحيح، ولا رأي رجيح.
وهذه الآية، مصداقها ما وقع، فإن المؤمنين بالرسول، الذين تذكروا بالقرآن، من الصحابة، فمن بعدهم، حصل لهم من الرفعة والعلو الباهر، والصيت العظيم، والشرف على الملوك، ما هو أمر معلوم لكل أحد، كما أنه معلوم ما حصل، لمن لم يرفع بهذا القرآن رأسا، ولم يهتد به ويتزك به، من المقت والضعة، والتدسية، والشقاوة، فلا سبيل إلى سعادة الدنيا والآخرة إلا بالتذكر بهذا الكتاب.

وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ(11)

التفسير المختصر:
وما أكثَرَ القرى التي أهلكناها بسبب ظلمها بالكفر، وخلقنا بعدها قومًا آخرين!
تفسير الجلالين:
 «وكم قصمنا» أهلكنا «من قرية» أي أهلها «كانت ظالمة» كافرة «وأنشأنا بعدها قوماً آخرين».
تفسير السعدي:
يقول تعالى - محذرا لهؤلاء الظالمين، المكذبين للرسول، بما فعل بالأمم المكذبة لغيره من الرسل - وَكَمْ قَصَمْنَا ْ أي: أهلكنا بعذاب مستأصل مِنْ قَرْيَةٍ ْ تلفت عن آخرها وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ ْ

فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ(12)

التفسير المختصر:
فلما شاهد المهلَكون عذابنا المُسْتَأصِل، إذا هم من قريتهم يسرعون هربًا من الهلاك.
تفسير الجلالين:
 «فلما أحسُّوا بأسنا» شعر أهل القرية بالإهلاك «إذا هم منها يركضون» يهربون مسرعين.
تفسير السعدي:
وأن هؤلاء المهلكين، لما أحسوا بعذاب الله وعقابه، وباشرهم نزوله، لم يمكن لهم الرجوع ولا طريق لهم إلى النزوع وإنما ضربوا الأرض بأرجلهم، ندما وقلقا، وتحسرا على ما فعلوا وهروبا من وقوعه

لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَىٰ مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ(13)

التفسير المختصر:
فينادَون على وجه السخرية: لا تهربوا، وارجعوا إلى ما كنتم فيه من التنعم بملذاتكم، وإلى مساكنكم؛ لعلكم تُسألون من دنياكم شيئًا.
تفسير الجلالين:
 فقالت لهم الملائكة استهزاء «لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم» نعمتم «فيه ومساكنكم لعلكم تسألون» شيئاً من دنياكم على العادة.
تفسير السعدي:
فقيل لهم على وجه التهكم بهم: لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ ْ أي: لا يفيدكم الركوض والندم، ولكن إن كان لكم اقتدار، فارجعوا إلى ما أترفتم فيه، من اللذات، والمشتهيات، ومساكنكم المزخرفات، ودنياكم التي غرتكم وألهتكم، حتى جاءكم أمر الله.
فكونوا فيها متمكنين، وللذاتها جانين، وفي منازلكم مطمئنين معظمين، لعلكم أن تكونوا مقصودين في أموركم، كما كنتم سابقا، مسئولين من مطالب الدنيا، كحالتكم الأولى، وهيهات، أين الوصول إلى هذا؟ وقد فات الوقت، وحل بهم العقاب والمقت، وذهب عنهم عزهم، وشرفهم ودنياهم، وحضرهم ندمهم وتحسرهم؟.

قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(14)

التفسير المختصر:
قال هؤلاء الظالمون معترفين بذنبهم: يا هلاكنا وخسراننا، إنا كنا ظالمين لكفرِنا بالله.
تفسير الجلالين:
 «قالوا يا» للتنبيه «ويلنا» هلاكنا «إنا كنا ظالمين» بالكفر.
تفسير السعدي:
تفسير الآيتين 14 و 15 : قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ* فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ْأي: الدعاء بالويل والثبور، والندم، والإقرار على أنفسهم بالظلم وأن الله عادل فيما أحل بهم.
حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ْ أي: بمنزلة النبات الذي قد حصد وأنيم، قد خمدت منهم الحركات، وسكنت منهم الأصوات، فاحذروا - أيها المخاطبون - أن تستمروا على تكذيب أشرف الرسل فيحل بكم كما حل بأولئك.

فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّىٰ جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ(15)

التفسير المختصر:
فما زال اعترافهم بذنبهم ودعاؤهم على أنفسهم بالهلاك دعوتهم التي يكررونها حتى صيَّرناهم مثل الزرع المحصود، ميتين لا حَرَاكَ بهم.
تفسير الجلالين:
 «فما زالت تلك» الكلمات «دعواهم» يدعون بها ويرددونها «حتى جعلناهم حصيداً» كالزرع المحصود بالمناجل بأن قتلوا بالسيف «خامدين» ميتين كخمود النار إذا طفئت.
تفسير السعدي:
تفسير الآيتين 14 و 15 : قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ* فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ ْأي: الدعاء بالويل والثبور، والندم، والإقرار على أنفسهم بالظلم وأن الله عادل فيما أحل بهم.
حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ْ أي: بمنزلة النبات الذي قد حصد وأنيم، قد خمدت منهم الحركات، وسكنت منهم الأصوات، فاحذروا - أيها المخاطبون - أن تستمروا على تكذيب أشرف الرسل فيحل بكم كما حل بأولئك.

وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ(16)

التفسير المختصر:
وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لعبًا وعبثًا، بل خلقناهما للدلالة على قدرتنا.
تفسير الجلالين:
 «وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما لاعبين» عابثين بل دالين على قدرتنا ونافعين عبادنا.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى أنه ما خلق السماوات والأرض عبثا، ولا لعبا من غير فائدة، بل خلقها بالحق وللحق، ليستدل بها العباد على أنه الخالق العظيم، المدبر الحكيم، الرحمن الرحيم، الذي له الكمال كله، والحمد كله، والعزة كلها، الصادق في قيله، الصادقة رسله، فيما تخبر عنه، وأن القادر على خلقهما مع سعتهما وعظمهما، قادر على إعادة الأجساد بعد موتها، ليجازي المحسن بإحسانه، والمسيء بإساءته.

لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا فَاعِلِينَ(17)

التفسير المختصر:
لو أردنا اتخاذ صاحبة أو ولد لاتخذناه مما عندنا، وما كنا فاعلين ذلك لتنزهنا عنه.
تفسير الجلالين:
 «لو أردنا أن نتخذ لهواً» ما يلهى به من زوجة أو ولد «لاتخذناه من لدنا» من عندنا من الحور العين والملائكة «إن كنا فاعلين» ذلك، لكنا لم نفعله فلم نُرده.
تفسير السعدي:
لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا ْ على الفرض والتقدير المحال لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا ْ أي: من عندنا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ْ ولم نطلعكم على ما فيه عبث ولهو، لأن ذلك نقص ومثل سوء، لا نحب أن نريه إياكم، فالسماوات والأرض اللذان بمرأى منكم على الدوام، لا يمكن أن يكون القصد منهما العبث واللهو، كل هذا تنزل مع العقول الصغيرة وإقناعها بجميع الوجوه المقنعة، فسبحان الحليم الرحيم، الحكيم في تنزيله الأشياء منازلها.

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ۚ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ(18)

التفسير المختصر:
بل نرمي بالحق الذي نوحي به إلى رسولنا على باطل أهل الكفر فَيَدْحَضُه، فإذا باطلهم ذاهب زائل، ولكم - أيها القائلون باتخاذه صاحبة وولدًا - الهلاك لوصفكم له بما لا يليق به.
تفسير الجلالين:
 «بل نقذف» نرمي «بالحق» الإيمان «على الباطل» الكفر «فيدمغه» يذهبه «فإذا هو زاهق» ذاهب، ودمغه في الأصل: أصاب دماغه بالضرب وهو مقتل «ولكم» يا كفار مكة «الويْل» العذاب الشديد «مما تصفون» الله به من الزوجة أو الولد.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى، أنه تكفل بإحقاق الحق وإبطال الباطل، وإن كل باطل قيل وجودل به، فإن الله ينزل من الحق والعلم والبيان، ما يدمغه، فيضمحل، ويتبين لكل أحد بطلانه فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ ْ أي: مضمحل، فانٍ، وهذا عام في جميع المسائل الدينية، لا يورد مبطل، شبهة، عقلية ولا نقلية، في إحقاق باطل، أو رد حق، إلا وفي أدلة الله، من القواطع العقلية والنقلية، ما يذهب ذلك القول الباطل ويقمعه فإذا هو متبين بطلانه لكل أحد.
وهذا يتبين باستقراء المسائل، مسألة مسألة، فإنك تجدها كذلك، ثم قال: وَلَكُمْ ْ أيها الواصفون الله، بما لا يليق به، من اتخاذ الولد والصاحبة، ومن الأنداد والشركاء، حظكم من ذلك، ونصيبكم الذي تدركون به الْوَيْلُ ْ والندامة والخسران.
ليس لكم مما قلتم فائدة، ولا يرجع عليكم بعائدة تؤملونها، وتعملون لأجلها، وتسعون في الوصول إليها، إلا عكس مقصودكم، وهو الخيبة والحرمان

وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ وَمَنْ عِندَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ(19)

التفسير المختصر:
وله سبحانه وحده ملك السماوات وملك الأرض، ومن عنده من الملائكة لا يتكبّرون عن عبادته، ولا يتعبون منها.
تفسير الجلالين:
 «وله» تعالى «من في السماوات والأرض» ملكاً «ومن عنده» أي الملائكة مبتدأ خبره «لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون» لا يعيون.
تفسير السعدي:
أخبر أنه له ملك السماوات والأرض وما بينهما، فالكل عبيده ومماليكه، فليس لأحد منهم ملك ولا قسط من الملك، ولا معاونة عليه، ولا يشفع إلا بإذن الله، فكيف يتخذ من هؤلاء آلهة وكيف يجعل لله منها ولد؟! فتعالى وتقدس، المالك العظيم، الذي خضعت له الرقاب، وذلت له الصعاب، وخشعت له الملائكة المقربون، وأذعنوا له بالعبادة الدائمة المستمرة أجمعون، ولهذا قال: وَمَنْ عِنْدَهُ ْ أي من الملائكة لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ ْ أي: لا يملون ولا يسأمونها، لشدة رغبتهم، وكمال محبتهم، وقوة أبدانهم.

يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ(20)

التفسير المختصر:
يواظبون على تسبيح الله دائمًا، لا يملّون منه.
تفسير الجلالين:
 «يسبحون الليل والنهار لا يفترون» عنه فهو منهم كالنفس منا لا يشغلنا عنه شاغل.
تفسير السعدي:
يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ ْ أي: مستغرقين في العبادة والتسبيح في جميع أوقاتهم فليس في أوقاتهم وقت فارغ ولا خال منها وهم على كثرتهم بهذه الصفة، وفي هذا من بيان عظمته وجلالة سلطانه وكمال علمه وحكمته، ما يوجب أن لا يعبد إلا هو، ولا تصرف العبادة لغيره.

أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ(21)

التفسير المختصر:
بل اتخذ المشركون آلهة من دون الله، لا يحيون الموتى، فكيف يعبدون عاجزًا عن ذلك؟!
تفسير الجلالين:
 «أم» بمعني بل للانتقال والهمزه للإنكار «اتخذوا آلهة» كائنة «من الأرض» كحجر وذهب وفضة «هم» أي الآلهة «ينشرون» أي يحيون الموتى؟ لا، ولا يكون إلهاً إلا من يحيي الموتى.
تفسير السعدي:
لما بيَّن تعالى كمال اقتداره وعظمته، وخضوع كل شيء له، أنكر على المشركين الذين اتخذوا من دون الله آلهة من الأرض، في غاية العجز وعدم القدرة هُمْ يُنْشِرُونَ ْ استفهام بمعنى النفي، أي: لا يقدرون على نشرهم وحشرهم، يفسرها قوله تعالى: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ * وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا ْ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ* لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ ْ فالمشرك يعبد المخلوق، الذي لا ينفع ولا يضر، ويدع الإخلاص لله، الذي له الكمال كله وبيده الأمر والنفع والضر، وهذا من عدم توفيقه، وسوء حظه، وتوفر جهله، وشدة ظلمه، فإنه لا يصلح الوجود، إلا على إله واحد، كما أنه لم يوجد، إلا برب واحد.

لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ(22)

التفسير المختصر:
لو كان في السماوات والأرض معبودات متعددة سوى الله لفسدتا بتنازع المعبودات في المُلْك، والواقع خلاف ذلك، فَتَنزَّه الله رب العرش عما يصفه به المشركون كذبًا من أن له شركاء.
تفسير الجلالين:
 «لو كان فيهما» أي السماوات والأرض «آلهة إلا الله» أي غيره «لفسدتا» أي خرجتا عن نظامهما المشاهد، لوجود التمانع بينهم على وفق العادة عند تعدد الحاكم من التمانع في الشيء وعدم الاتفاق عليه «فسبحان» تنزيه «الله رب» خالق «العرش» الكرسي «عما يصفون» الكفار الله به من الشريك له وغيره.
تفسير السعدي:
ولهذا قال: لَوْ كَانَ فِيهِمَا ْ أي: في السماوات والأرض آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ْ في ذاتهما، وفسد من فيهما من المخلوقات.
وبيان ذلك: أن العالم العلوي والسفلي، على ما يرى، في أكمل ما يكون من الصلاح والانتظام، الذي ما فيه خلل ولا عيب، ولا ممانعة، ولا معارضة، فدل ذلك، على أن مدبره واحد، وربه واحد، وإلهه واحد، فلو كان له مدبران وربان أو أكثر من ذلك، لاختل نظامه، وتقوضت أركانه فإنهما يتمانعان ويتعارضان، وإذا أراد أحدهما تدبير شيء، وأراد الآخر عدمه، فإنه محال وجود مرادهما معا، ووجود مراد أحدهما دون الآخر، يدل على عجز الآخر، وعدم اقتداره واتفاقهما على مراد واحد في جميع الأمور، غير ممكن، فإذًا يتعين أن القاهر الذي يوجد مراده وحده، من غير ممانع ولا مدافع، هو الله الواحد القهار، ولهذا ذكر الله دليل التمانع في قوله: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ْومنه - على أحد التأويلين - قوله تعالى: قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا* سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ْ ولهذا قال هنا: فَسُبْحَانَ اللَّهِ ْ أي: تنزه وتقدس عن كل نقص لكماله وحده، رَبُّ الْعَرْشِ ْ الذي هو سقف المخلوقات وأوسعها، وأعظمها، فربوبية ما دونه من باب أولى، عَمَّا يَصِفُونَ ْ أي: الجاحدون الكافرون، من اتخاذ الولد والصاحبة، وأن يكون له شريك بوجه من الوجوه.

لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ(23)

التفسير المختصر:
والله هو المتفرد في ملكه وقضائه، لا يسأله أحد عما قدَّره وقضى به، وهو يسأل عباده عن أعمالهم، ويجازيهم عليها.
تفسير الجلالين:
 «لا يُسأل عما يفعل وهم يسألون» عن أفعالهم.
تفسير السعدي:
لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ْ لعظمته وعزته، وكمال قدرته، لا يقدر أحد أن يمانعه أو يعارضه، لا بقول، ولا بفعل، ولكمال حكمته ووضعه الأشياء مواضعها، وإتقانها، أحسن كل شيء يقدره العقل، فلا يتوجه إليه سؤال، لأن خلقه ليس فيه خلل ولا إخلال.
وَهُمْ ْ أي: المخلوقين كلهم يُسْأَلُونَ ْ عن أفعالهم وأقوالهم، لعجزهم وفقرهم، ولكونهم عبيدا، قد استحقت أفعالهم وحركاتهم فليس لهم من التصرف والتدبير في أنفسهم، ولا في غيرهم، مثقال ذرة.

أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ۖ هَٰذَا ذِكْرُ مَن مَّعِيَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِي ۗ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ۖ فَهُم مُّعْرِضُونَ(24)

التفسير المختصر:
بل اتخذوا من دون الله معبودات، قل - أيها الرسول - لهؤلاء المشركين: هاتوا حجتكم على استحقاقها للعبادة، فهذا الكتاب المنزل علي، والكتب المنزلة على الرسل لا حجة لكم فيها، بل معظم المشركين لا يستندون إلا إلى الجهل والتقليد، فهم معرضون عن قبول الحق.
تفسير الجلالين:
 «أم اتخذوا من دونه» تعالى أي سواه «آلهة» فيه استفهام توبيخ «قل هاتوا برهانكم» على ذلك ولا سبيل إليه «هذا ذكر من معي» أمتي وهو القرآن «وذكر من قبلي» من الأمم وهو التوراة والإنجيل وغيرهما من كتب الله ليس في واحد منها أن مع الله إلهاً مما قالوا، تعالى عن ذلك «بل أكثرهم لا يعلمون الحق» توحيد الله «فهم معرضون» عن النظر الموصل إليه.
تفسير السعدي:
رجع إلى تهجين حال المشركين، وأنهم اتخذوا من دونه آلهة فقل لهم موبخا ومقرعا: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ ْ أي: حجتكم ودليلكم على صحة ما ذهبتم إليه، ولن يجدوا لذلك سبيلا، بل قد قامت الأدلة القطعية على بطلانه، ولهذا قال: هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي ْ أي: قد اتفقت الكتب والشرائع على صحة ما قلت لكم، من إبطال الشرك، فهذا كتاب الله الذي فيه ذكر كل شيء، بأدلته العقلية والنقلية، وهذه الكتب السابقة كلها، براهين وأدلة لما قلت.
ولما علم أنهم قامت عليهم الحجة والبرهان على بطلان ما ذهبوا إليه، علم أنه لا برهان لهم، لأن البرهان القاطع، يجزم أنه لا معارض له، وإلا لم يكن قطعيا، وإن وجد في معارضات، فإنها شبه لا تغني من الحق شيئا.
وقوله: بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ ْ أي: وإنما أقاموا على ما هم عليه، تقليدا لأسلافهم يجادلون بغير علم ولا هدى، وليس عدم علمهم بالحق لخفائه وغموضه، وإنما ذلك، لإعراضهم عنه، وإلا فلو التفتوا إليه أدنى التفات، لتبين لهم الحق من الباطل تبينا واضحا جليا ولهذا قال: فَهُمْ مُعْرِضُونَ ْ

وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ(25)

التفسير المختصر:
وما بعثنا من قبلك - أيها الرسول- رسولًا إلا نوحي إليه أنه لا معبود بحق إلا أنا فاعبدوني وحدي، ولا تشركوا بي شيئًا.
تفسير الجلالين:
 «وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي» وفي قراءة بالياء وفتح الحاء «إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون» أي وحدوني.
تفسير السعدي:
ولما حول تعالى على ذكر المتقدمين، وأمر بالرجوع إليهم في بيان هذه المسألة، بيَّنها أتم تبيين في قوله: وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ْ فكل الرسل الذين من قبلك مع كتبهم، زبدة رسالتهم وأصلها، الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له، وبيان أنه الإله الحق المعبود، وأن عبادة ما سواه باطلة.

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۚ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ(26)

التفسير المختصر:
وقال المشركون: اتخذ الله الملائكة بنات، تَنَزَّه سبحانه وتَقَدَّس عما يقولونه من الكذب، بل الملائكة عباد لله، مكرمون منه، مقربون إليه.
تفسير الجلالين:
 «وقالوا اتخذ الرحمن ولداً» من الملائكة «سبحانه بل» هم «عباد مكرمون» عنده والعبودية تنافي الولادة.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى عن سفاهة المشركين المكذبين للرسول، وأنهم زعموا - قبحهم الله - أن الله اتخذ ولدا فقالوا: الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم، وأخبر عن وصف الملائكة، بأنهم عبيد مربوبون مدبرون، ليس لهم من الأمر شيء، وإنما هم مكرمون عند الله، قد أكرمهم الله، وصيرهم من عبيد كرامته ورحمته، وذلك لما خصهم به من الفضائل والتطهير عن الرذائل، وأنهم في غاية الأدب مع الله، والامتثال لأوامره.

لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ(27)

التفسير المختصر:
لا يتقدّمون ربهم بقول، فلا ينطقون به حتى يأمرهم، وهم بأمره يعملون، فلا يخالفون له أمرًا.
تفسير الجلالين:
 «لا يسبقونه بالقول» لا يأتون بقولهم إلا بعد قوله «وهم بأمره يعملون» أي بعده.
تفسير السعدي:
لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ ْ أي: لا يقولون قولا مما يتعلق بتدبير المملكة، حتى يقول الله، لكمال أدبهم، وعلمهم بكمال حكمته وعلمه.
وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ ْ أي: مهما أمرهم، امتثلوا لأمره، ومهما دبرهم عليه، فعلوه، فلا يعصونه طرفة عين، ولا يكون لهم عمل بأهواء أنفسهم من دون أمر الله

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ(28)

التفسير المختصر:
يعلم سابق أعمالهم ولاحقها، ولا يسألون الشفاعة إلا بإذنه لمن ارتضى الشفاعة له، وهم من خوفه سبحانه حذرون، فلا يخالفونه في أمر ولا نهي.
تفسير الجلالين:
 «يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم» ما عملوا وما هم عاملون «ولا يشفعون إلا لمن ارتضى» تعالى أن يشفع له «وهم من خشيته» تعالى «مشفقون» خائفون.
تفسير السعدي:
ومع هذا، فالله قد أحاط بهم علمه، فعلم مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ ْ أي: أمورهم الماضية والمستقبلة، فلا خروج لهم عن علمه، كما لا خروج لهم عن أمره وتدبيره.
ومن جزئيات وصفهم، بأنهم لا يسبقونه بالقول، أنهم لا يشفعون لأحد بدون إذنه ورضاه، فإذا أذن لهم، وارتضى من يشفعون فيه، شفعوا فيه، ولكنه تعالى لا يرضى من القول والعمل، إلا ما كان خالصا لوجهه، متبعا فيه الرسول، وهذه الآية من أدلة إثبات الشفاعة، وأن الملائكة يشفعون.
وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ْ أي: خائفون وجلون، قد خضعوا لجلاله، وعنت وجوههم لعزه وجماله.

۞ وَمَن يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَٰهٌ مِّن دُونِهِ فَذَٰلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ(29)

التفسير المختصر:
ومن يقل من الملائكة من باب الافتراض: إني معبود من دون الله، فإننا نجزيه على قوله بعذاب جهنم يوم القيامة خالدًا فيها، ومثل هذا الجزاء نجزي الظالمين بالكفر والشرك بالله.
تفسير الجلالين:
 «ومن يقل منهم إني إله من دونه» أي الله أي غيره، وهو إبليس دعا إلى عبادة نفسه وأمر بطاعتها «فذلك نجزيه جهنم كذلك» كما نجريه «نجزي الظالمين» المشركين.
تفسير السعدي:
فلما بين أنه لا حق لهم في الألوهية، ولا يستحقون شيئا من العبودية بما وصفهم به من الصفات المقتضية لذلك، ذكر أيضا أنه لا حظ لهم، ولا بمجرد الدعوى، وأن من قال منهم: إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ ْ على سبيل الفرض والتنزل فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ ْ وأي ظلم أعظم من ادعاء المخلوق الناقص، الفقير إلى الله من جميع الوجوه مشاركة الله في خصائص الإلهية والربوبية؟"

أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ(30)

التفسير المختصر:
أَوَلم يعلم الذين كفروا بالله أن السماوات والأرض كانتا مُلْتصِقتين، لا فراغ بينهما فينزل منه المطر، ففصلنا بينهما، وجعلنا من الماء النازل من السماء إلى الأرض كل شيء من حيوان أو نبات، أفلا يعتبرون بذلك، ويؤمنون بالله وحده؟!
تفسير الجلالين:
 «أوَلم» بواو وتركها «يرَ» يعلم «الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رَتقاً» سدا بمعنى مسدودة «ففتقناهما» جعلنا السماء سبعاً والأرض من سبعاً، أو فتق السماء أن كانت لا تمطر فأمطرت، وفتق الأرض أن كانت لا تنبت فأنبتت «وجعلنا من الماء» النازل من السماء والنابع من الأرض «كل شيء حي» من نبات وغيره أي فالماء سبب لحياته «أفلا يؤمنون» بتوحيدي.
تفسير السعدي:
أي: أولم ينظر هؤلاء الذين كفروا بربهم، وجحدوا الإخلاص له في العبودية، ما يدلهم دلالة مشاهدة، على أنه الرب المحمود الكريم المعبود، فيشاهدون السماء والأرض فيجدونهما رتقا، هذه ليس فيها سحاب ولا مطر، وهذه هامدة ميتة، لا نبات فيها، ففتقناهما: السماء بالمطر، والأرض بالنبات، أليس الذي أوجد في السماء السحاب، بعد أن كان الجو صافيا لا قزعة فيه، وأودع فيه الماء الغزير، ثم ساقه إلى بلد ميت; قد اغبرت أرجاؤه، وقحط عنه ماؤه، فأمطره فيها، فاهتزت، وتحركت، وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج، مختلف الأنواع، متعدد المنافع، [أليس ذلك] دليلا على أنه الحق، وما سواه باطل، وأنه محيي الموتى، وأنه الرحمن الرحيم؟ ولهذا قال: أَفَلَا يُؤْمِنُونَ ْ أي: إيمانا صحيحا، ما فيه شك ولا شرك.

وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَّعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ(31)

التفسير المختصر:
وخلقنا في الأرض جبالًا ثابتة حتى لا تضطرب بمن عليها، وجعلنا فيها مسالك وطرقًا واسعة لعلّهم يهتدون في أسفارهم إلى مقاصدهم.
تفسير الجلالين:
 «وجعلنا في الأرض رواسي» جبالاً ثوابت لـ «أن» لا «تميد» تتحرك «بهم وجعلنا فيها» الرواسي «فجاجاً» مسالك «سبلاً» بدل، طرقاً نافذة واسعة «لعلهم يهتدون» إلى مقاصدهم في الأسفار.
تفسير السعدي:
أي: ومن الأدلة على قدرته وكماله ووحدانيته ورحمته، أنه لما كانت الأرض لا تستقر إلا بالجبال، أرساها بها وأوتدها، لئلا تميد بالعباد، أي: لئلا تضطرب، فلا يتمكن العباد من السكون فيها، ولا حرثها، ولا الاستقرار بها، فأرساها بالجبال، فحصل بسبب ذلك، من المصالح والمنافع، ما حصل، ولما كانت الجبال المتصل بعضها ببعض، قد تتصل اتصالا كثيرا جدا، فلو بقيت بحالها، جبالا شامخات، وقللا باذخات، لتعطل الاتصال بين كثير من البلدان.
فمن حكمة الله ورحمته، أن جعل بين تلك الجبال فجاجا سبلا، أي: طرقا سهلة لا حزنة، لعلهم يهتدون إلى الوصول، إلى مطالبهم من البلدان، ولعلهم يهتدون بالاستدلال بذلك على وحدانية المنان.

وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَّحْفُوظًا ۖ وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ(32)

التفسير المختصر:
وجعلنا السماء سقفًا محفوظًا من السقوط من غير عَمَد، ومحفوظًا من اسْتِراق السمع، والمشركون عما في السماء من الآيات - كالشمس والقمر - معرضون لا يعتبرون.
تفسير الجلالين:
 «وجلعنا السماء سقفاً» للأرض كالسقف للبيت «محفوظاً» عن الوقوع «وهم عن آياتها» من الشمس والقمر والنجوم «معرضون» لا يتفكرون فيها فيعلمون أن خالقها لا شريك له.
تفسير السعدي:
أي: ذلك الذي ذكرنا لكم من تعظيم حرماته وشعائره، والمراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، كما قال تعالى: إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ومنها الهدايا والقربان للبيت، وتقدم أن معنى تعظيمها، إجلالها، والقيام بها، وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد، ومنها الهدايا، فتعظيمها، باستحسانها واستسمانها، وأن تكون مكملة من كل وجه، فتعظيم شعائر الله صادر من تقوى القلوب، فالمعظم لها يبرهن على تقواه وصحة إيمانه، لأن تعظيمها، تابع لتعظيم الله وإجلاله.

وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ۖ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ(33)

التفسير المختصر:
والله وحده هو الذي خلق الليل للراحة، وخلق النهار لكسب المعاش، وخلق الشمس علامة على النهار، والقمر علامة على الليل، كل من الشمس والقمر يجري في مداره الخاص به، لا ينحرف عنه ولا يميل.
تفسير الجلالين:
 «وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل» تنوينه عوض عن المضاف إليه من الشمس والقمر وتابعه وهو النجوم «في فلك» مستدير كالطاحونة في السماء «يسبحون» يسيرون بسرعة كالسابح في الماء، وللتشبيه به أتى بضمير جمع من يعقل.
تفسير السعدي:
تفسير الآيتين 32 و33 : وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا ْ للأرض التي أنتم عليها مَحْفُوظًا ْ من السقوط إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ْ محفوظا أيضا من استراق الشياطين للسمع.
وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ ْ أي: غافلون لاهون، وهذا عام في جميع آيات السماء، من علوها، وسعتها، وعظمتها، ولونها الحسن، وإتقانها العجيب، وغير ذلك من المشاهد فيها، من الكواكب الثوابت والسيارات، وشمسها، وقمرها النيرات، المتولد عنهما، الليل والنهار، وكونهما دائما في فلكهما سابحين، وكذلك النجوم، فتقوم بسبب ذلك منافع العباد من الحر والبرد، والفصول، ويعرفون حساب عباداتهم ومعاملاتهم، ويستريحون في ليلهم، ويهدأون ويسكنون وينتشرون في نهارهم، ويسعون في معايشهم، كل هذه الأمور إذا تدبرها اللبيب، وأمعن فيها النظر، جزم حزما لا شك فيه، أن الله جعلها مؤقتة في وقت معلوم، إلى أجل محتوم، يقضي العباد منها مآربهم، وتقوم بها منافعهم، وليستمتعوا وينتفعوا، ثم بعد هذا، ستزول وتضمحل، ويفنيها الذي أوجدها، ويسكنها الذي حركها، وينتقل المكلفون إلى دار غير هذه الدار، يجدون فيها جزاء أعمالهم، كاملا موفرا ويعلم أن المقصود من هذه الدار أن تكون مزرعة لدار القرار، وأنها منزل سفر، لا محل إقامة.

وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ(34)

التفسير المختصر:
وما جعلنا لأحد من البشر قبلك - أيها الرسول - البقاء في هذه الحياة؟ أفإن انقضى أجلك في هذه الحياة ومتّ فهؤلاء باقون بعدك؟! كلا.
تفسير الجلالين:
 ونزل لما قال الكفار إنَّ محمداً سيموت: «وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد» البقاء في الدنيا «أفإن مت فهم الخالدون» فيها؟ لا، فالجملة الأخيرة محل الاستفهام الإنكاري.
تفسير السعدي:
لما كان أعداء الرسول يقولون تربصوا به ريب المنون.
قال الله تعالى: هذا طريق مسلوك، ومعبد منهوك، فلم نجعل لبشر مِنْ قَبْلِكَ ْ يا محمد الْخُلْدِ ْ في الدنيا، فإذا مت، فسبيل أمثالك، من الرسل والأنبياء، والأولياء، وغيرهم.
أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ ْ أي: فهل إذا مت خلدوا بعدك، فليهنهم الخلود إذًا إن كان

كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ(35)

التفسير المختصر:
كل نفس مؤمنة أو كافرة ذائقة الموت في الدنيا، ونختبركم - أيها الناس - في الحياة الدنيا بالتكاليف والنعم والنقم، ثم بعد موتكم إلينا لا إلى غيرنا ترجعون، فنجازيكم على أعمالكم.
تفسير الجلالين:
 «كل نفس ذائقة الموت» في الدنيا «ونبلوكم» نختبركم «بالشر والخير» كفقر وغنى وسقم وصحة «فتنة» مفعول له، أي لننظر أتصبرون وتشكرون أم لا «وإلينا ترجعون» فنجازيكم.
تفسير السعدي:
بل كل من عليها فان، ولهذا قال: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ْ وهذا يشمل سائر نفوس الخلائق، وإن هذا كأس لا بد من شربه وإن طال بالعبد المدى، وعمّر سنين، ولكن الله تعالى أوجد عباده في الدنيا، وأمرهم، ونهاهم، وابتلاهم بالخير والشر، بالغنى والفقر، والعز والذل والحياة والموت، فتنة منه تعالى ليبلوهم أيهم أحسن عملا، ومن يفتتن عند مواقع الفتن ومن ينجو، وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ْ فنجازيكم بأعمالكم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ْ وهذه الآية، تدل على بطلان قول من يقول ببقاء الخضر، وأنه مخلد في الدنيا، فهو قول، لا دليل عليه، ومناقض للأدلة الشرعية.

وَإِذَا رَآكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَٰنِ هُمْ كَافِرُونَ(36)

التفسير المختصر:
وإذا رآك - أيها الرسول - هؤلاء المشركون لا يتخذونك إلا سخرية منفّرين أتباعهم بقولهم: أهذا هو الذي يسبّ آلهتكم التي تعبدونها؟! وهم مع السخرية بك جاحدون بما أنزل الله عليهم من القرآن وبما أعطاهم من النعم كافرون؛ فهم أولى بالعيب لجمعهم كل سوء.
تفسير الجلالين:
 «وإذا رآك الذين كفروا إن» ما «يتخذونك إلا هزواً» أي مهزوءاً به يقولون «أهذا الذي يذكر آلهتكم» أي يعيبها «وهم بذكر الرحمن» لهم «هم» تأكيد «كافرون» به إذا قالوا ما نعرفه.
تفسير السعدي:
وهذا من شدة كفرهم، فإن المشركين إذا رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، استهزأوا به وقالوا: أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ْ أي: هذا المحتقر بزعمهم، الذي يسب آلهتكم ويذمها، ويقع فيها، أي: فلا تبالوا به، ولا تحتفلوا به.
هذا استهزاؤهم واحتقارهم له، بما هو من كماله، فإنه الأكمل الأفضل الذي من فضائله ومكارمه، إخلاص العبادة لله، وذم كل ما يعبد من دونه وتنقصه، وذكر محله ومكانته، ولكن محل الازدراء والاستهزاء، هؤلاء الكفار، الذين جمعوا كل خلق ذميم، ولو لم يكن إلا كفرهم بالرب وجحدهم لرسله فصاروا بذلك، من أخس الخلق وأرذلهم، ومع هذا، فذكرهم للرحمن، الذي هو أعلى حالاتهم، كافرون بها، لأنهم لا يذكرونه ولا يؤمنون به إلا وهم مشركون فذكرهم كفر وشرك، فكيف بأحوالهم بعد ذلك؟ ولهذا قال: وَهُمْ بِذِكْرِ الرَّحْمَنِ هُمْ كَافِرُونَ ْ وفي ذكر اسمه الرَّحْمَنِ ْ هنا، بيان لقباحة حالهم، وأنهم كيف قابلوا الرحمن - مسدي النعم كلها، ودافع النقم الذي ما بالعباد من نعمة إلا منه، ولا يدفع السوء إلا إياه - بالكفر والشرك.

خُلِقَ الْإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ ۚ سَأُرِيكُمْ آيَاتِي فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ(37)

التفسير المختصر:
طُبِع الإنسان على العجلة، فهو يستعجل الأشياء قبل وقوعها، ومن ذلك استعجال المشركين للعذاب، سأريكم- أيها المستعجلون لعذابي - ما استعجلتموه منه، فلا تطلبوا تعجيله.
تفسير الجلالين:
 ونزل في استعجالهم العذاب «خلق الإنسان من عجل» أي أنه لكثرة عجله في أحواله كأنه خلق منه «سأريكم آياتي» مواعيدي بالعذاب «فلا تستعجلون» فيه فأراهم القتل ببدر.
تفسير السعدي:
خُلِقَ الْإِنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ ْ أي: خلق عجولا، يبادر الأشياء، ويستعجل بوقوعها، فالمؤمنون، يستعجلون عقوبة الله للكافرين، ويتباطئونها، والكافرون يتولون ويستعجلون بالعذاب، تكذيبا وعنادا، ويقولون: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ْ والله تعالى، يمهل ولا يهمل ويحلم، ويجعل لهم أجلا مؤقتا إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ ْ ولهذا قال: سَأُرِيكُمْ آيَاتِي ْ أي: في انتقامي ممن كفر بي وعصاني فَلَا تَسْتَعْجِلُونِ ْ ذلك

وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ(38)

التفسير المختصر:
ويقول الكفار المنكرون للبعث على وجه الاستعجال: متى يكون ما تَعِدُوننا به - أيها المسلمون - من البعث إن كنتم صادقين فيما تدّعونه من وقوعه؟!
تفسير الجلالين:
 «ويقولون متى هذا الوعد» بالقيامة «إن كنتم صادقين» فيه.
تفسير السعدي:
وكذلك الذين كفروا يقولون: مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ْ قالوا هذا القول، اغترارا، ولما يحق عليهم العقاب، وينزل بهم العذاب.

لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَن ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ(39)

التفسير المختصر:
لو يعلم هؤلاء الكفار المنكرون للبعث حين لا يردُّون النار عن وجوههم ولا عن ظهورهم، وأن لا ناصر ينصرهم بدفع العذاب عنهم، لو تيقّنوا ذلك لما استعجلوا العذاب.
تفسير الجلالين:
 قال تعالى: «لو يعلم الذين كفروا حين لا يكفون» يدفعون «عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم ولا هم ينصرون» يمنعون منها في القيامة وجواب لو ما قالوا ذلك.
تفسير السعدي:
لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا ْ حالهم الشنيعة حين لا يكفون عن وجوههم النار ولا عن ظهورهم، إذ قد أحاط بهم من كل جانب وغشيهم من كل مكان وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ ْ أي: لا ينصرهم غيرهم، فلا نصروا ولا انتصروا.

بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ(40)

التفسير المختصر:
لا تأتيهم هذه النار التي يُعَذَّبون بها عن علم منهم، بل تأتيهم فجأة، فلا يقدرون على ردها عنهم، ولا هم يُؤَخَّرون حتى يتوبوا فتنالهم الرحمة.
تفسير الجلالين:
 «بل تأتيهم» القيامة «بغتة فتبهتهم» تحيرهم «فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون» يمهلون لتوبة أو معذرة.
تفسير السعدي:
بَلْ تَأْتِيهِمْ ْ النار بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ ْ من الانزعاج والذعر والخوف العظيم.
فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا ْ إذ هم أذل وأضعف من ذلك.
وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ ْ أي: يمهلون، فيؤخر عنهم العذاب.
فلو علموا هذه الحالة حق المعرفة، لما استعجلوا بالعذاب، ولخافوه أشد الخوف، ولكن لما ترحل عنهم هذا العلم، قالوا ما قالوا

وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ(41)

التفسير المختصر:
ولئن سخر بك قومك فلست بِدْعًا في ذلك، فقد استهزئ برسل من قبلك - أيها الرسول - فأحاط بالكفار الذين كانوا يسخرون منهم العذابُ الذي كانوا يستهزئون به في الدنيا عندما تخوّفهم رسلهم به.
تفسير الجلالين:
 «ولقد استهزئ برسل من قبلك» فيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم «فحاق» نزل «بالذين سخروا منهم ما كانوا به يستهزءون» وهو العذاب فكذا يحيق بمن استهزأ بك.
تفسير السعدي:
ولما ذكر استهزاءهم برسوله بقولهم: أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ْ سلاه بأن هذا دأب الأمم السالفة مع رسلهم فقال: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ْ أي: نزل بهم مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ْ أي: نزل بهم العذاب، وتقطعت عنهم الأسباب، فليحذر هؤلاء، أن يصيبهم ما أصاب أولئك المكذبين.

قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَٰنِ ۗ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ(42)

التفسير المختصر:
قل - أيها الرسول - لهؤلاء المستعجلين بالعذاب: من يحفظكم بالليل والنهار مما يريد بكم الرحمن من إنزال العذاب والهلاك بكم؟ بل هم عن ذكر مواعظ ربهم وحججه معرضون، لا يتدبّرون شيئًا منها جهلًا وسفهًا.
تفسير الجلالين:
 «قل» لهم «من يكلؤكم» يحفظكم «بالليل والنهار من الرحمن» من عذابه إن نزل بكم، أي: لا أحد يفعل ذلك، والمخاطبون لا يخافون عذاب الله لإنكارهم له «بل هم عن ذكر ربهم» أي القرآن «معرضون» لا يتفكرون فيه.
تفسير السعدي:
يقول تعالى - ذاكرا عجز هؤلاء، الذين اتخذوا من دونه آلهة، وأنهم محتاجون مضطرون إلى ربهم الرحمن، الذي رحمته، شملت البر والفاجر، في ليلهم ونهارهم - فقال: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ ْ أي: يحرسكم ويحفظكم بِاللَّيْلِ ْ إذ كنتم نائمين على فرشكم، وذهبت حواسكم وَالنَّهَارِ ْ وقت انتشاركم وغفلتكم مِنَ الرَّحْمَنِ ْ أي: بدله غيره، أي: هل يحفظكم أحد غيره؟ لا حافظ إلا هو.
بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ ْ فلهذا أشركوا به، وإلا فلو أقبلوا على ذكر ربهم، وتلقوا نصائحه، لهدوا لرشدهم، ووفقوا في أمرهم.

أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا ۚ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلَا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ(43)

التفسير المختصر:
أم هل لهم آلهة تمنعهم من عذابنا؟ لا يستطيعون نصر أنفسهم بدفع ضر عنها، ولا بجلب نفع لها، ومن لا ينصر نفسه فكيف ينصر غيره؟! ولا هم يُجَارون من عذابنا.
تفسير الجلالين:
 «أم» فيها معنى الهمزة للإنكار: أي أ «لهم آلهة تمنعهم» مما يسوؤهم «من دوننا» أي ألَهم من يمنعهم منه غيرنا؟ لا «لا يستطيعون» أي الآلهة «نصر أنفسهم» فلا ينصرونهم «ولا هم» أي الكفار «منا» من عذابنا «يصحبون» يجارون، يقال صحبك الله: أي حفظك وأجارك.
تفسير السعدي:
أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا ْ أي: إذا أردناهم بسوء هل من آلهتهم، من يقدر على منعهم من ذلك السوء، والشر النازل بهم؟؟ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ ْ أي: لا يعانون على أمورهم من جهتنا، وإذا لم يعانوا من الله، فهم مخذولون في أمورهم، لا يستطيعون جلب منفعة، ولا دفع مضرة.

بَلْ مَتَّعْنَا هَٰؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ۗ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ(44)

التفسير المختصر:
بل متّعنا هؤلاء الكفار، ومتّعنا آباءهم بما بسطنا عليهم من نعمنا؛ استدراجًا لهم، حتى تَطَاوَل بهم الزمن فاغتروا بذلك، وأقاموا على كفرهم، أفلا يرى هؤلاء المغترّون بنعمنا المستعجلون بعذابنا أنا نأتي الأرض ننقصها من جوانبها بقهرنا لأهلها، وغلبتنا لهم، فيعتبروا بذلك حتى لا يقع بهم ما وقع بغيرهم؟! فليس هؤلاء غالبين، بل هم مغلوبون.
تفسير الجلالين:
 «بل متعنا هؤلاء وآباءهم» بما أنعمنا عليهم «حتى طال عليهم العمر» فاغتروا بذلك «أفلا يرون أنا نأتي الأرض» نقصد أرضهم «ننقصها من أطرافها» بالفتح على النبي «أفهم الغالبون»؟ لا، بل النبي وأصحابه.
تفسير السعدي:
والذي أوجب لهم استمرارهم على كفرهم وشركهم قوله: بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ ْ أي: أمددناهم بالأموال والبنين، وأطلنا أعمارهم، فاشتغلوا بالتمتع بها، ولهوا بها، عما له خلقوا، وطال عليهم الأمد، فقست قلوبهم، وعظم طغيانهم، وتغلظ كفرانهم، فلو لفتوا أنظارهم إلى من عن يمينهم، وعن يسارهم من الأرض، لم يجدوا إلا هالكا ولم يسمعوا إلا صوت ناعية، ولم يحسوا إلا بقرون متتابعة على الهلاك، وقد نصب الموت في كل طريق لاقتناص النفوس الأشراك، ولهذا قال: أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ْ أي: بموت أهلها وفنائهم، شيئا فشيئا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين، فلو رأوا هذه الحالة لم يغتروا ويستمروا على ما هم عليه.
أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ ْ الذين بوسعهم، الخروج عن قدر الله؟ وبطاقتهم الامتناع عن الموت؟ فهل هذا وصفهم حتى يغتروا بطول البقاء؟ أم إذا جاءهم رسول ربهم لقبض أرواحهم، أذعنوا، وذلوا، ولم يظهر منهم أدنى ممانعة؟

قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ ۚ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ(45)

التفسير المختصر:
قل - أيها الرسول -: إنما أخوّفكم - أيها الناس - من عذاب الله بالوحي الذي يوحيه إليّ ربي، ولا يسمع الصم عن الحق ما يدعون إليه سماع قبول إذا خُوِّفوا من عذاب الله.
تفسير الجلالين:
 «قل» لهم «إنما أنذركم بالوحي» من الله لا من قبل نفسي «ولا يسمع الصم الدعاء إذا» بتحقيق الهمزتين وتسهيل الثانية بينها وبين الياء «ما ينذرون» هم لتركهم العمل بما سمعوه من الإنذار كالصم.
تفسير السعدي:
أي: قُلْ ْ يا محمد، للناس كلهم: إِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِالْوَحْيِ ْ أي: إنما أنا رسول، لا آتيكم بشيء من عندي، ولا عندي خزائن الله، ولا أعلم الغيب، ولا أقول إني ملك، وإنما أنذركم بما أوحاه الله إلي، فإن استجبتم، فقد استجبتم لله، وسيثيبكم على ذلك، وإن أعرضتم وعارضتم، فليس بيدي من الأمر شيء، وإنما الأمر لله، والتقدير كله لله.
وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاءَ ْ أي: الأصم لا يسمع صوتا، لأن سمعه قد فسد وتعطل، وشرط السماع مع الصوت، أن يوجد محل قابل لذلك، كذلك الوحي سبب لحياة القلوب والأرواح، وللفقه عن الله، ولكن إذا كان القلب غير قابل لسماع الهدى، كان بالنسبة للهدى والإيمان، بمنزلة الأصم، بالنسبة إلى الأصوات فهؤلاء المشركون، صم عن الهدى، فلا يستغرب عدم اهتدائهم، خصوصا في هذه الحالة، التي لم يأتهم العذاب، ولا مسهم ألمه.

وَلَئِن مَّسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِّنْ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ(46)

التفسير المختصر:
ولئن مسّ هؤلاء المستعجلين بالعذاب نصيب من عذاب ربك - أيها الرسول - ليقولُنّ عندئذ: يا هلاكنا وخسراننا، إنا كنا ظالمين بالشرك بالله والتكذيب بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم .
تفسير الجلالين:
 «ولئن مستهم نفحة» وقعة خفيفة «من عذاب ربك ليقولن يا» للتنبيه «ويلنا» هلاكنا «إنا كنا ظالمين» بالإشراك وتكذيب محمد.
تفسير السعدي:
فلو مسهم نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ ْ أي: ولو جزءا يسيرا ولا يسير من عذابه، لَيَقُولُنَّ يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ ْ أي: لم يكن قولهم إلا الدعاء بالويل والثبور، والندم، والاعتراف بظلمهم وكفرهم واستحقاقهم للعذاب.

وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا ۖ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا ۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَاسِبِينَ(47)

التفسير المختصر:
ونَنْصِب الموازين العادلة لأهل القيامة لتوزن بها أعمالهم، فلا تُظْلَم في ذلك اليوم نفس بنقص حسناتها أو زيادة سيئاتها، وإن كان الموزون قليلًا مثل ما تزنه حبة خَرْدَل جئنا به، وكفى بنا مُحْصِين نحصي أعمال عبادنا.
تفسير الجلالين:
 «ونضع الموازين القسط» ذوات العدل «ليوم القيامة» أي فيه «فلا تظلم نفس شيئاً» من نقص حسنة أو زيادة سيئة «وإن كان» العمل «مثقال» زنة «حبة من خردل أتينا بها» بموزونها «وكفى بنا حاسبين» مُحْصين كل شيء.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى عن حكمه العدل، وقضائه القسط بين عباده إذا جمعهم في يوم القيامة، وأنه يضع لهم الموازين العادلة، التي يبين فيها مثاقيل الذر، الذي توزن بها الحسنات والسيئات، فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ ْ مسلمة أو كافرة شَيْئًا ْ بأن تنقص من حسناتها، أو يزاد في سيئاتها.
وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ ْ التي هي أصغر الأشياء وأحقرها، من خير أو شر أَتَيْنَا بِهَا ْ وأحضرناها، ليجازى بها صاحبها، كقوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ْوقالوا يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا ْ وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ْ يعني بذلك نفسه الكريمة، فكفى به حاسبا، أي: عالما بأعمال العباد، حافظا لها، مثبتا لها في الكتاب، عالما بمقاديرها ومقادير ثوابها وعقابها واستحقاقها، موصلا للعمال جزاءها.

وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً وَذِكْرًا لِّلْمُتَّقِينَ(48)

التفسير المختصر:
ولقد أعطينا موسى وهارون عليهما السلام التوراة فارقة بين الحق والباطل والحلال والحرام، وهداية لمن آمنوا بها، وتذكيرًا للمتقين لربهم.
تفسير الجلالين:
 «ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان» أي التوراة الفارقة بين الحق والباطل والحلال والحرام «وضياءً» بها «وذكراً» عظة بها «للمتقين».
تفسير السعدي:
كثيرا ما يجمع تعالى، بين هذين الكتابين الجليلين، اللذين لم يطرق العالم أفضل منهما، ولا أعظم ذكرا، ولا أبرك، ولا أعظم هدى وبيانا، [وهما التوراة والقرآن] فأخبر أنه آتى موسى أصلا، وهارون تبعا الْفُرْقَانَ ْ وهي التوراة الفارقة بين الحق والباطل، والهدى والضلال، وأنها ضِيَاءً ْ أي: نور يهتدي به المهتدون، ويأتم به السالكون، وتعرف به الأحكام، ويميز به بين الحلال والحرام، وينير في ظلمة الجهل والبدع والغواية، وَذِكْرًا لِلْمُتَّقِينَ ْ يتذكرون به، ما ينفعهم، وما يضرهم، ويتذكر به الخير والشر، وخص المتقين ْ بالذكر، لأنهم المنتفعون بذلك، علما وعملا.
ثم فسر المتقين فقال: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ْ أي: يخشونه في حال غيبتهم، وعدم مشاهدة الناس لهم، فمع المشاهدة أولى، فيتورعون عما حرم، ويقومون بما ألزم، وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ْ أي: خائفون وجلون، لكمال معرفتهم بربهم، فجمعوا بين الإحسان والخوف، والعطف هنا من باب عطف الصفات المتغايرات، الواردة على شيء واحد وموصوف واحد.

الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ(49)

التفسير المختصر:
الذين يخافون عقاب ربهم الذي يؤمنون به مع أنهم لم يشاهدوه، وهم من الساعة خائفون.
تفسير الجلالين:
 «الذين يخشون ربهم بالغيب» عن الناس أي في الخلاء عنهم «وهم من الساعة» أي أهوالها «مشفقون» خائفون.
تفسير السعدي:
ثم فسر المتقين فقال: الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ ْ أي: يخشونه في حال غيبتهم، وعدم مشاهدة الناس لهم، فمع المشاهدة أولى، فيتورعون عما حرم، ويقومون بما ألزم، وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ ْ أي: خائفون وجلون، لكمال معرفتهم بربهم، فجمعوا بين الإحسان والخوف، والعطف هنا من باب عطف الصفات المتغايرات، الواردة على شيء واحد وموصوف واحد.

وَهَٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ۚ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ(50)

التفسير المختصر:
وهذا القرآن المنزَّل على محمد صلى الله عليه وسلم ذِكْر لمن أراد أن يتذكر به وموعظة، كثير النفع والخير، أفأنتم له مع ذلك منكرون؟! غير مقرّين بما فيه، ولا عاملين به؟!
تفسير الجلالين:
 «وهذا» أي القرآن «ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون» الاستفهام فيه للتوبيخ.
تفسير السعدي:
وَهَذَا ْ أي: القرآن ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ ْ فوصفه بوصفين جليلين، كونه ذكرا يتذكر به جميع المطالب، من معرفة الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ومن صفات الرسل والأولياء وأحوالهم، ومن أحكام الشرع من العبادات والمعاملات وغيرها، ومن أحكام الجزاء والجنة والنار، فيتذكر به المسائل والدلائل العقلية والنقلية، وسماه ذكرا، لأنه يذكر ما ركزه الله في العقول والفطر، من التصديق بالأخبار الصادقة، والأمر بالحسن عقلا، والنهي عن القبيح عقلا، وكونه مباركا ْ يقتضي كثرة خيراته ونمائها وزيادتها، ولا شيء أعظم بركة من هذا القرآن، فإن كل خير ونعمة، وزيادة دينية أو دنيوية، أو أخروية، فإنها بسببه، وأثر عن العمل به، فإذا كان ذكرا مباركا، وجب تلقيه بالقبول والانقياد، والتسليم، وشكر الله على هذه المنحة الجليلة، والقيام بها، واستخراج بركته، بتعلم ألفاظه ومعانيه، وأما مقابلته بضد هذه الحالة، من الإعراض عنه، والإضراب عنه، صفحا وإنكاره، وعدم الإيمان به فهذا من أعظم الكفر وأشد الجهل والظلم، ولهذا أنكر تعالى على من أنكره فقال: أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ ْ

۞ وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ(51)

التفسير المختصر:
ولقد أعطينا إبراهيم الحجة على قومه في صغره وكنّا به عالمين، فأعطيناه ما يستحقّه في علمنا من الحجة على قومه.
تفسير الجلالين:
 «ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل» أي هداه قبل بلوغه «وكنا به عالمين» بأنه أهل لذلك.
تفسير السعدي:
لما ذكر تعالى موسى ومحمدا صلى الله عليهما وسلم، وكتابيهما قال: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ ْ أي: من قبل إرسال موسى ومحمد ونزول كتابيهما، فأراه الله ملكوت السماوات والأرض، وأعطاه من الرشد، الذي كمل به نفسه، ودعا الناس إليه، ما لم يؤته أحدا من العالمين، غير محمد، وأضاف الرشد إليه، لكونه رشدا، بحسب حاله، وعلو مرتبته، وإلا فكل مؤمن، له من الرشد، بحسب ما معه من الإيمان.
وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ ْ أي: أعطيناه رشده، واختصصناه بالرسالة والخلة، واصطفيناه في الدنيا والآخرة، لعلمنا أنه أهل لذلك، وكفء له، لزكائه وذكائه، ولهذا ذكر محاجته لقومه، ونهيهم عن الشرك، وتكسير الأصنام، وإلزامهم بالحجة

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ(52)

التفسير المختصر:
إذ قال لأبيه آزر ولقومه: ما هذه الأصنام التي صنعتموها بأيديكم، والتي أنتم مقيمون على عبادتها؟
تفسير الجلالين:
 «إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل» الأصنام «التي أنتم لها عاكفون» أي على عبادتها مقيمون.
تفسير السعدي:
إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ ْ التي مثلتموها، ونحتموها بأيديكم، على صور بعض المخلوقات الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ْ مقيمون على عبادتها، ملازمون لذلك، فما هي؟ وأي فضيلة ثبتت لها؟ وأين عقولكم، التي ذهبت حتى أفنيتم أوقاتكم بعبادتها؟ والحال أنكم مثلتموها، ونحتموها بأيديكم، فهذا من أكبر العجائب، تعبدون ما تنحتون.

قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ(53)

التفسير المختصر:
قال له قومه: وجدنا آباءنا يعبدونها، فعبدناها تأسِّيًا بهم.
تفسير الجلالين:
 «قالوا وجدنا آباءنا لها عابدين» فاقتدنيا بهم.
تفسير السعدي:
فأجابوا بغير حجة، جواب العاجز، الذي ليس بيده أدنى شبهة فقالوا: وَجَدْنَا آبَاءَنَا ْ كذلك يفعلون، فسلكنا سبيلهم، وتبعناهم على عبادتها، ومن المعلوم أن فعل أحد من الخلق سوى الرسل ليس بحجة، ولا تجوز به القدوة، خصوصا، في أصل الدين، وتوحيد رب العالمين

قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ(54)

التفسير المختصر:
قال لهم إبراهيم: لقد كنتم - أيها التابعون - أنتم وآباؤكم المتبوعون في ضلال واضح عن طريق الحق.
تفسير الجلالين:
 «قال» لهم «لقد كنتم أنتم وآباؤكم» بعبادتها «في ضلال مبين» بَيّن.
تفسير السعدي:
ولهذا قال لهم إبراهيم مضللا للجميع: لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ْ أي: ضلال بين واضح، وأي ضلال، أبلغ من ضلالهم في الشرك، وترك التوحيد؟" أي: فليس ما قلتم، يصلح للتمسك به، وقد اشتركتم وإياهم في الضلال الواضح، البين لكل أحد.

قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ(55)

التفسير المختصر:
قال له قومه: أجئتنا بالجد حين قلت ما قلت، أم أنت من الهازلين؟
تفسير الجلالين:
 «قالوا أجئتنا بالحق» في قولك هذا «أم أنت من اللاعبين» فيه.
تفسير السعدي:
قَالُوا ْ على وجه الاستغراب لقوله، والاستعظام لما قال، وكيف بادأهم بتسفيههم، وتسفيه آبائهم: أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ ْ أي: هذا القول الذي قلته، والذي جئتنا به، هل هو حق وجد؟ أم كلامك لنا، كلام لاعب مستهزئ، لا يدري ما يقول؟ وهذا الذي أرادوا، وإنما رددوا الكلام بين الأمرين، لأنهم نزلوه منزلة المتقرر المعلوم عند كل أحد، أن الكلام الذي جاء به إبراهيم، كلام سفيه لا يعقل ما يقول

قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ(56)

التفسير المختصر:
قال إبراهيم: بل جئتكم بالجد لا بالهزل، فربّكم هو ربّ السماوات والأرض الذي خلقهن على غير مثال سابق، وأنا على أنه ربكم ورب السماوات والأرض من الشاهدين، وليس لأصنامكم حظ من ذلك.
تفسير الجلالين:
 «قال بل ربكم» المستحق للعبادة «رب» مالك «السماوات والأرض الذي فطرهن» خلقهن على غير مثال سبق «وأنا على ذلكم» الذي قلته «من الشاهدين» به.
تفسير السعدي:
فرد عليهم إبراهيم ردا بين به وجه سفههم، وقلة عقولهم فقال: بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ْ فجمع لهم بين الدليل العقلي، والدليل السمعي.
أما الدليل العقلي، فإنه قد علم كل أحد حتى هؤلاء الذين جادلهم إبراهيم، أن الله وحده، الخالق لجميع المخلوقات، من بني آدم، والملائكة، والجن، والبهائم، والسماوات، والأرض، المدبر لهن، بجميع أنواع التدبير، فيكون كل مخلوق مفطورا مدبرا متصرفا فيه، ودخل في ذلك، جميع ما عبد من دون الله.
أفيليق عند من له أدنى مسكة من عقل وتمييز، أن يعبد مخلوقا متصرفا فيه، لا يملك نفعا، ولا ضرا، ولا موتا، ولا حياة، ولا نشورا، ويدع عبادة الخالق الرازق المدبر؟أما الدليل السمعي: فهو المنقول عن الرسل عليهم الصلاة والسلام، فإن ما جاءوا به معصوم لا يغلط ولا يخبر بغير الحق، ومن أنواع هذا القسم شهادة أحد من الرسل على ذلك فلهذا قال إبراهيم: وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ ْ أي: أن الله وحده المعبود وأن عبادة ما سواه باطل مِنَ الشَّاهِدِينَ ْ وأي شهادة بعد شهادة الله أعلى من شهادة الرسل؟ خصوصا أولي العزم منهم خصوصا خليل الرحمن.

وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ(57)

التفسير المختصر:
وقال إبراهيم بحيث لا يسمعه قومه: والله لأدبرنّ لأصنامكم ما تكرهون بعد أن تذهبوا عنها إلى عيدكم.
تفسير الجلالين:
 «وتالله لأكيدن أصنامهم بعد أن تولوا مدبرين».
تفسير السعدي:
ولما بين أن أصنامهم ليس لها من التدبير شيء أراد أن يريهم بالفعل عجزها وعدم انتصارها وليكيد كيدا يحصل به إقرارهم بذلك فلهذا قال: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ْ أي أكسرها على وجه الكيد بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ ْ عنها إلى عيد من أعيادهم

فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ(58)

التفسير المختصر:
فحطّم إبراهيم أصنامهم حتى صارت قطعًا صغيرة، وأبقى كبيرها رجاء أن يرجعوا إليه ليسألوه عمن حطّمها.
تفسير الجلالين:
 «فجعلهم» بعد ذهابهم إلى مجتمعهم في يوم عيد لهم «جُذاذاً» بضم الجيم وكسرها: فتاتاً بفأس «إلا كبيراً لهم» علق الفأس في عنقه «لعلهم إليه» أي إلى الكبير «يرجعون» فيرون ما فعل بغيره.
تفسير السعدي:
فلما تولوا مدبرين، ذهب إليها بخفية فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا ْ أي كسرا وقطعا، وكانت مجموعة في بيت واحد، فكسرها كلها، إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ ْ أي إلا صنمهم الكبير، فإنه تركه لمقصد سيبينه، وتأمل هذا الاحتراز العجيب، فإن كل ممقوت عند الله، لا يطلق عليه ألفاظ التعظيم، إلا على وجه إضافته لأصحابه، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كتب إلى ملوك الأرض المشركين يقول: " إلى عظيم الفرس " " إلى عظيم الروم " ونحو ذلك، ولم يقل " إلى العظيم " وهنا قال تعالى: إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ ْ ولم يقل " كبيرا من أصنامهم " فهذا ينبغي التنبيه له، والاحتراز من تعظيم ما حقره الله، إلا إذا أضيف إلى من عظمه.
وقوله: لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ْ أي ترك إبراهيم تكسير صنمهم هذا لأجل أن يرجعوا إليه، ويستملوا حجته، ويلتفتوا إليها، ولا يعرضوا عنها ولهذا قال في آخرها: فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ ْ

قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ(59)

التفسير المختصر:
فلما رجعوا ووجدوا أصنامهم قد حُطِّمت سأل بعضهم بعضًا: من حَطَّم معبوداتنا؟ إن من حطّمها لمن الظالمين، حيث حقّر ما يستحق التعظيم والتقديس.
تفسير الجلالين:
 «قالوا» بعد رجوعهم ورؤيتهم ما فعل «من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين» فيه.
تفسير السعدي:
فحين رأوا ما حل بأصنامهم من الإهانة والخزي قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ ْ فرموا إبراهيم بالظلم الذي هم أولى به حيث كسرها ولم يدروا أن تكسيره لها من أفضل مناقبه ومن عدله وتوحيده، وإنما الظالم من اتخذها آلهة، وقد رأى ما يفعل بها

قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ(60)

التفسير المختصر:
قال بعضهم: سمعنا فتى يذكرهم بسوء ويعيبهم يُدْعى إبراهيم، لعله هو الذي حطمهم.
تفسير الجلالين:
 «قالوا» أي بعضهم لبعض «سمعنا فتى يذكرهم» أي يعيبهم «يقال له إبراهيم».
تفسير السعدي:
قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ ْ أي: يعيبهم ويذمهم، ومن هذا شأنه لا بد أن يكون هو الذي كسرها أو أن بعضهم سمعه يذكر أنه سيكيدها يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ْ

قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ(61)

التفسير المختصر:
قال سادتهم: جيئوا بإبراهيم على مشهد من الناس ومرأى؛ لعلهم يشهدون على إقراره بما صنع، فيكون إقراره حجة لكم عليه.
تفسير الجلالين:
 «قالوا فأتوا به على أعين الناس» أي ظاهراً «لعلهم يشهدون» عليه أنه الفاعل.
تفسير السعدي:
فلما تحققوا أنه إبراهيم قَالُوا فَأْتُوا بِهِ ْ أي: بإبراهيم عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ ْ أي بمرأى منهم ومسمع لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ ْ أي: يحضرون ما يصنع بمن كسر آلهتهم، وهذا الذي أراد إبراهيم وقصد أن يكون بيان الحق بمشهد من الناس ليشاهدوا الحق وتقوم عليهم الحجة، كما قال موسى حين واعد فرعون: مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ْ

قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ(62)

التفسير المختصر:
فجاؤوا بإبراهيم عليه السلام فسألوه: أأنت فعلت هذا الفعل الشنيع بأصنامنا يا إبراهيم؟!
تفسير الجلالين:
 «قالوا» له بعد إتيانه «أأنت» بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ألفاً وتسهيلها وإدخال ألف بين المسهلة والأخرى وتركه «فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم».
تفسير السعدي:
فحين حضر الناس وأحضر إبراهيم قالوا له: أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا ْ أي: التكسير بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ ْ ؟ وهذا استفهام تقرير، أي: فما الذي جرأك، وما الذي أوجب لك الإقدام على هذا الأمر؟.

قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ(63)

التفسير المختصر:
قال إبراهيم - مُتَهكِّمًا بهم، مظهرًا عجز أصنامهم على مرأى من الناس -: ما فعلت ذلك، بل فعله كبير الأصنام، فاسألوا أصنامكم إن كانوا يتكلمون.
تفسير الجلالين:
 «قال» ساكتاً عن فعله «بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم» عن فاعله «إن كانوا ينطقون» فيه تقديم جواب الشرط وفيها قبله تعرض لهم بأن الصنم المعلوم عجزه عن الفعل لا يكون إلهاً.
تفسير السعدي:
فقال إبراهيم والناس شاهدون: بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا ْ أي: كسرها غضبا عليها، لما عبدت معه، وأراد أن تكون العبادة منكم لصنمكم الكبير وحده، وهذا الكلام من إبراهيم، المقصد منه إلزام الخصم وإقامة الحجة عليه، ولهذا قال: فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ ْ وأراد الأصنام المكسرة اسألوها لم كسرت؟ والصنم الذي لم يكسر، اسألوه لأي شيء كسرها، إن كان عندهم نطق، فسيجيبونكم إلى ذلك، وأنا وأنتم، وكل أحد يدري أنها لا تنطق ولا تتكلم، ولا تنفع ولا تضر، بل ولا تنصر نفسها ممن يريدها بأذى.

فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ(64)

التفسير المختصر:
فرجعوا إلى أنفسهم بالتفكر والتأمل، فتبيّن لهم أن أصنامهم لا تنفع ولا تضر، فهم ظالمون حين عبدوها من دون الله.
تفسير الجلالين:
 «فرجعوا إلى أنفسهم» بالتفكر «فقالوا» لأنفسهم «إنكم أنتم الظالمون» بعبادتكم من لا ينطق.
تفسير السعدي:
فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ ْ أي: ثابت عليهم عقولهم، ورجعت إليهم أحلامهم، وعلموا أنهم ضالون في عبادتها، وأقروا على أنفسهم بالظلم والشرك، فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ْ فحصل بذلك المقصود، ولزمتهم الحجة بإقرارهم أن ما هم عليه باطل وأن فعلهم كفر وظلم، ولكن لم يستمروا على هذه الحالة

ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ(65)

التفسير المختصر:
ثم عادوا للعناد والجحود، فقالوا: لقد أيقنت - يا إبراهيم- أن هذه الأصنام لا تنطق، فكيف تأمرنا أن نسألها؟ أرادوا ذلك حجة لهم، فكان حجة عليهم.
تفسير الجلالين:
 «ثم نكسوا» من الله «على رءُوسهم» أي ردوا إلى كفرهم وقالوا والله «لقد علمتَ ما هؤلاء ينطقون» أي فكيف تأمرنا بسؤالهم.
تفسير السعدي:
ولكن نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ ْ أي: انقلب الأمر عليهم، وانتكست عقولهم وضلت أحلامهم، فقالوا لإبراهيم: لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ ْ فكيف تهكم بنا وتستهزئ بنا وتأمرنا أن نسألها وأنت تعلم أنها لا تنطق؟ .

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ(66)

التفسير المختصر:
قال إبراهيم - منكرًا عليهم-: أفتعبدون من دون الله أصنامًا لا تنفعكم شيئًا ولا تضركم، فهي عاجزة عن دفع الضر عن نفسها، أو جلب النفع لها.
تفسير الجلالين:
 «قال أفتعبدون من دون الله» أي بدله «ما لا ينفعكم شيئاً» من رزق وغيره «ولا يضركم» شيئاً إذا لم تعبدوه.
تفسير السعدي:
فقال إبراهيم - موبخا لهم ومعلنا بشركهم على رءوس الأشهاد، ومبينا عدم استحقاق آلهتهم للعبادة-: أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ ْ فلا نفع ولا دفع.

أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(67)

التفسير المختصر:
قُبْحًا لكم، وقُبْحًا لما تعبدونه من دون الله من هذه الأصنام التي لا تنفع ولا تضر، أفلا تعقلون ذلك، وتتركون عبادتها؟!
تفسير الجلالين:
 «أف» بكسر الفاء وفتحها بمعنى مصدر أي نتناً وقبحاً «لكم ولما تعبدون من دون الله» أي غيره «أفلا تعقلون» أن هذه الأصنام لا تستحق العبادة ولا تصلح لها، وإنما يستحقها الله تعالى.
تفسير السعدي:
أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ْ أي: ما أضلكم وأخسر صفقتكم، وما أخسكم، أنتم وما عبدتم من دون الله، إن كنتم تعقلون عرفتم هذه الحال، فلما عدمتم العقل، وارتكبتم الجهل والضلال على بصيرة، صارت البهائم، أحسن حالا منكم.

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ(68)

التفسير المختصر:
فلما عجزوا عن مواجهته بالحجة لجؤوا إلى القوة، فقالوا: حرّقوا إبراهيم بالنار؛ انتصارًا لأصنامكم التي هدّمها وكسرها إن كنتم فاعلين به عقابًا رادعًا.
تفسير الجلالين:
 «قالوا حرِّقوه» أي إبراهيم «وانصروا آلهتكم» أي بتحريقه «إن كنتم فاعلين» نصرتها فجمعوا له الحطب الكثير وأضرموا النار في جميعه وأوثقوا إبراهيم وجعلوه في منجنيق ورموه في النار قال تعالى:
تفسير السعدي:
فحينئذ لما أفحمهم، ولم يبينوا حجة، استعملوا قوتهم في معاقبته، ف قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ ْ أي: اقتلوه أشنع القتلات، بالإحراق، غضبا لآلهتكم، ونصرة لها.
فتعسا لهم تعسا، حيث عبدوا من أقروا أنه يحتاج إلى نصرهم، واتخذوه إلها

قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ(69)

التفسير المختصر:
فأوقدوا نارًا ورموه فيها، فقلنا: يا نار، كوني بردًا وسلامًا على إبراهيم، فكانت كذلك، فلم يُصَب بأذى.
تفسير الجلالين:
 (قلنا يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم) فلم تحرق منه غير وثاقه، وذهبت حرارتها وبقيت إضاءتها وبقوله "" وسلاماً "" سلم من الموت ببردها.
تفسير السعدي:
فانتصر الله لخليله لما ألقوه في النار وقال لها: كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ْ فكانت عليه بردا وسلاما، لم ينله فيها أذى، ولا أحس بمكروه.

وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ(70)

التفسير المختصر:
وأراد قوم إبراهيم عليه السلام به كيدًا بأن يحرقوه، فأبطلنا كيدهم، وجعلناهم هم الهالكين المغلوبين.
تفسير الجلالين:
 «وأرادوا به كيداً» وهو التحريق «فجعلناهم الأخسرين» في مرادهم.
تفسير السعدي:
وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا ْ حيث عزموا على إحراقه، فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ ْ أي: في الدنيا والآخرة، كما جعل الله خليله وأتباعه، هم الرابحين المفلحين.

وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ(71)

التفسير المختصر:
وأنقذناه وأنقذنا لوطًا، وأخرجناهما إلى أرض الشام التي باركنا فيها؛ بما بعثنا فيها من الأنبياء، وبما بثثناه فيها للمخلوقات من الخيرات.
تفسير الجلالين:
 «ونجيناه ولوطاً» ابن أخيه هاران من العراق «إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين» بكثرة الأنهار والأشجار وهي الشام نزل إبراهيم بفلسطين ولوط بالمؤتفكة وبينهما يوم.
تفسير السعدي:
وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا ْ وذلك أنه لم يؤمن به من قومه إلا لوط عليه السلام قيل: إنه ابن أخيه، فنجاه الله، وهاجر إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ْ أي: الشام، فغادر قومه في " بابل " من أرض العراق، وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ْ ومن بركة الشام، أن كثيرا من الأنبياء كانوا فيها، وأن الله اختارها، مهاجرا لخليله، وفيها أحد بيوته الثلاثة المقدسة، وهو بيت المقدس.

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ(72)

التفسير المختصر:
ووهبنا له إسحاق حين دعا ربه أن يرزقه ولدًا، ووهبنا له يعقوب زيادة، وكلٌّ من إبراهيم وابنيه إسحاق ويعقوب صَيَّرناهم صالحين مطيعين لله.
تفسير الجلالين:
 «ووهبنا له» أي لإبراهيم وكان سأل ولداً كما ذكر في الصافات «إسحاق ويعقوب نافلة» أي زيادة على المسؤول أو هو ولد الولد «وكلاً» أي هو وولداه «جعلنا صالحين» أنبياء.
تفسير السعدي:
وَوَهَبْنَا لَهُ ْ حين اعتزل قومه إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ْ ابن إسحاق نَافِلَةً ْ بعدما كبر، وكانت زوجته عاقرا، فبشرته الملائكة بإسحاق، وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ْ ويعقوب، هو إسرائيل، الذي كانت منه الأمة العظيمة، وإسماعيل بن إبراهيم، الذي كانت منه الأمة الفاضلة العربية، ومن ذريته، سيد الأولين والآخرين.
وَكُلَا ْ من إبراهيم وإسحاق ويعقوب جَعَلْنَا صَالِحِينَ ْ أي: قائمين بحقوقه، وحقوق عباده

وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ(73)

التفسير المختصر:
وصيَّرناهم أئمة يهتدي بهم الناس في الخير، يدعون الناس إلى عبادة الله وحده بإذن منه تعالى، وأوحينا إليهم أن افعلوا الخيرات، وائتوا بالصلاة على أكمل وجه، وأدّوا الزكاة، وكانوا لنا مُنْقادين.
تفسير الجلالين:
 «وجعلناهم أئمة» بتحقيق الهمزتين وإبدال الثانية ياء يقتدى بهم في الخير «يهدون» الناس «بأمرنا» إلى ديننا «وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة» أي أن تفعل وتقام وتؤتى منهم ومن أتباعهم، وحذف هاء إقامة تخفيف «وكانوا لنا عابدين».
تفسير السعدي:
ومن صلاحهم، أنه جعلهم أئمة يهدون بأمره، وهذا من أكبر نعم الله على عبده أن يكون إماما يهتدي به المهتدون، ويمشي خلفه السالكون، وذلك لما صبروا، وكانوا بآيات الله يوقنون.
وقوله: يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ْ أي: يهدون الناس بديننا، لا يأمرون بأهواء أنفسهم، بل بأمر الله ودينه، واتباع مرضاته، ولا يكون العبد إماما حتى يدعو إلى أمر الله.
وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ْ يفعلونها ويدعون الناس إليها، وهذا شامل لجميع الخيرات كلها، من حقوق الله، وحقوق العباد.
وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ْ هذا من باب عطف الخاص على العام، لشرف هاتين العبادتين وفضلهما، ولأن من كملهما كما أمر، كان قائما بدينه، ومن ضيعهما، كان لما سواهما أضيع، ولأن الصلاة أفضل الأعمال، التي فيها حقه، والزكاة أفضل الأعمال، التي فيها الإحسان لخلقه.
وَكَانُوا لَنَا ْ أي: لا لغيرنا عَابِدِينَ ْ أي: مديمين على العبادات القلبية والقولية والبدنية في أكثر أوقاتهم، فاستحقوا أن تكون العبادة وصفهم، فاتصفوا بما أمر الله به الخلق، وخلقهم لأجله.

وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ ۗ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ(74)

التفسير المختصر:
ولوطًا أعطيناه فصل القضاء بين الخصوم، وأعطيناه علمًا بأمر دينه، وسلّمناه من العذاب الذي أنزلناه على قريته (سَدُوم) التي كان أهلها يأتون الفاحشة، إنهم كانوا قوم فساد خارجين عن طاعة ربهم.
تفسير الجلالين:
 «ولوطاً آتيناه حكماً» فصلاً بين الخصوم «وعلماً ونجيناه من القرية التي كانت تعمل» أي أهلها الأعمال «الخبائث» من اللواط والرمي بالبندق واللعب بالطيور وغير ذلك «إنهم كانوا قوم سوء» مصدر ساءه نقيض سرَّه «فاسقين».
تفسير السعدي:
هذا ثناء من الله على رسوله (لوط) عليه السلام بالعلم الشرعي، والحكم بين الناس، بالصواب والسداد، وأن الله أرسله إلى قومه، يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عما هم عليه من الفواحش، فلبث يدعوهم، فلم يستجيبوا له، فقلب الله عليهم ديارهم وعذبهم عن آخرهم لأنهم قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ ْ كذبوا الداعي، وتوعدوه بالإخراج، ونجى الله لوطا وأهله، فأمره أن يسري بهم ليلا، ليبعدوا عن القرية، فسروا ونجوا، من فضل الله عليهم ومنته.

وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(75)

التفسير المختصر:
وأدخلناه في رحمتنا إذ أنجيناه من العذاب الذي أصاب قومه، إنه من الصالحين الذين يأتمرون بأمرنا، وينتهون بنهينا.
تفسير الجلالين:
 «وأدخلناه في رحمتنا» بأن أنجيناه من قومه «إنه من الصالحين».
تفسير السعدي:
وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا ْ التي من دخلها، كان من الآمنين، من جميع المخاوف، النائلين كل خير وسعادة، وبر، وسرور، وثناء، وذلك لأنه من الصالحين، الذين صلحت أعمالهم وزكت أحوالهم، وأصلح الله فاسدهم، والصلاح هو السبب لدخول العبد برحمة الله، كما أن الفساد، سبب لحرمانه الرحمة والخير، وأعظم الناس صلاحا، الأنبياء عليهم السلام ولهذا يصفهم بالصلاح، وقال سليمان عليه السلام: وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ ْ

وَنُوحًا إِذْ نَادَىٰ مِن قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ(76)

التفسير المختصر:
واذكر - أيها الرسول - قصة نوح؛ إذ نادى الله من قبلِ إبراهيم ولوط، فاستجبنا له بإعطائه ما طلب، فأنقذناه وأنقذنا أهله المؤمنين من الغَمِّ العظيم.
تفسير الجلالين:
 (و) اذكر (نوحاً) وما بعده بدل منه (إذ نادى) دعا على قومه بقوله "" رب لا تذر "" إلخ (من قبل) أي قبل إبراهيم ولوط (فاستجبنا له فنجيناه وأهله) الذين في سفينته (من الكرب العظيم) أي الغرق وتكذيب قومه له.
تفسير السعدي:
تفسير الآيتين 76 و77 :أي: واذكر عبدنا ورسولنا، نوحا عليه السلام، مثنيا مادحا، حين أرسله الله إلى قومه، فلبث فيهم ألف سنة، إلا خمسين عاما، يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عن الشرك به، ويبدي فيهم ويعيد، ويدعوهم سرا وجهارا، وليلا ونهارا، فلما رآهم لا ينجع فيهم الوعظ، ولا يفيد لديهم الزجر، نادى ربه وقال: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ْ فاستجاب الله له، فأغرقهم، ولم يبق منهم أحدا، ونجى الله نوحا وأهله، ومن معه من المؤمنين، في الفلك المشحون، وجعل ذريته هم الباقين، ونصرهم الله على قومه المستهزئين.

وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ(77)

التفسير المختصر:
ونجيناه من مكر القوم الذين كذبوا بما أيّدناه به من الآيات الدالة على صدقه، إنهم كانوا قوم فساد وشر، فأهلكناهم أجمعين بالغرق.
تفسير الجلالين:
 «ونصرناه» منعناه «من القوم الذين كذبوا بآياتنا» الدالة على رسالته أن لا يصلوا إليه بسوء «إنهم كانوا قوم سوء فأغرقناهم أجمعين».
تفسير السعدي:
تفسير الآيتين 76 و77 :أي: واذكر عبدنا ورسولنا، نوحا عليه السلام، مثنيا مادحا، حين أرسله الله إلى قومه، فلبث فيهم ألف سنة، إلا خمسين عاما، يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عن الشرك به، ويبدي فيهم ويعيد، ويدعوهم سرا وجهارا، وليلا ونهارا، فلما رآهم لا ينجع فيهم الوعظ، ولا يفيد لديهم الزجر، نادى ربه وقال: رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ْ فاستجاب الله له، فأغرقهم، ولم يبق منهم أحدا، ونجى الله نوحا وأهله، ومن معه من المؤمنين، في الفلك المشحون، وجعل ذريته هم الباقين، ونصرهم الله على قومه المستهزئين.

وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ(78)

التفسير المختصر:
واذكر - أيها الرسول - قصة داود وابنه سليمان عليهما السلام إذ يحكمان في قضية رُفِعَت إليهما بشأن خصمين؛ لأحدهما غنم انتشرت ليلًا في حَرْث الآخر فأفسدته، وكنّا لحكم داود وسليمان شاهدين، لم يغب عنا من حكمهما شيء.
تفسير الجلالين:
 «و» اذكر «داود وسليمان» أي قصتهما ويبدل منهما «إذ يحكمان في الحرث» هو زرع أو كرم «إذ نفشت فيه غنم القوم» أي رعته ليلاً بلا راع بأن انفلتت «وكنا لحكمهم شاهدين» فيه استعمال ضمير الجمع لاثنين، قال داود لصاحب الحرث رقاب الغنم، وقال سليمان: ينتفع بدرها ونسلها وصوفها إلى أن يعود الحرث كما كان بإصلاح صاحبها فيردها إليه.
تفسير السعدي:
أي: واذكر هذين النبيين الكريمين " داود " و " سليمان " مثنيا مبجلا، إذ آتاهما الله العلم الواسع والحكم بين العباد، بدليل قوله: إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ أي: إذ تحاكم إليهما صاحب حرث، نفشت فيه غنم القوم الآخرين، أي: رعت ليلا، فأكلت ما في أشجاره، ورعت زرعه، فقضى فيه داود عليه السلام، بأن الغنم تكون لصاحب الحرث، نظرا إلى تفريط أصحابها، فعاقبهم بهذه العقوبة، وحكم فيها سليمان بحكم موافق للصواب، بأن أصحاب الغنم يدفعون غنمهم إلى صاحب الحرث فينتفع بدرها وصوفها ويقومون على بستان صاحب الحرث، حتى يعود إلى حاله الأولى، فإذا عاد إلى حاله، ترادا ورجع كل منهما بما له، وكان هذا من كمال فهمه وفطنته عليه السلام

فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا ۚ وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ ۚ وَكُنَّا فَاعِلِينَ(79)

التفسير المختصر:
ففهّمنا القضية سليمان دون أبيه داود، وكلًّا من داود وسليمان أعطيناه النبوّة والعلم بأحكام الشرع، لم نخص به سليمان وحده، وطوّعنا مع داود الجبال تسبّح بتسبيحه، وطوّعنا له الطير، وكنا فاعلين لذلك التفهيم وإعطاء الحكم والعلم والتسخير.
تفسير الجلالين:
 «ففهمناها» أي الحكومة «سليمان» وحكمهما باجتهاد ورجع داود إلى سليمان وقيل بوحي والثاني ناسخ للأول «وكلا» منهما «آتينا» ه «حكماً» نبوة «وعلماً» بأمور الدين «وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير» كذلك سخرا للتسبيح معه لأمره به إذا وجد فترة لينشط له «وكنا فاعلين» تسخير تسبيحهما معه، وإن كان عجباً عندكم: أي مجاوبته للسيد داود.
تفسير السعدي:
فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ أي: فهمناه هذه القضية، ولا يدل ذلك، أن داود لم يفهمه الله في غيرها، ولهذا خصها بالذكر بدليل قوله: وَكُلَا من داود وسليمان آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وهذا دليل على أن الحاكم قد يصيب الحق والصواب وقد يخطئ ذلك، وليس بمعلوم إذا أخطأ مع بذل اجتهاده.
ثم ذكر ما خص به كلا منهما فقال: وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وذلك أنه كان من أعبد الناس وأكثرهم لله ذكرا وتسبيحا وتمجيدا، وكان قد أعطاه [الله] من حسن الصوت ورقته ورخامته، ما لم يؤته أحدا من الخلق، فكان إذا سبح وأثنى على الله، جاوبته الجبال الصم والطيور البهم، وهذا فضل الله عليه وإحسانه فلهذا قال: وَكُنَّا فَاعِلِينَ

وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ ۖ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ(80)

التفسير المختصر:
وعلّمنا داود دون سليمان صناعة الدروع لتحميكم من فتك السلاح بأجسامكم، فهل أنتم - أيها الناس - شاكرون لهذه النعمة التي أنعم الله بها عليكم؟!
تفسير الجلالين:
 «وعلمناه صنعة لَبُوس» وهي الدرع لأنها تلبس، وهو أول من صنعها وكان قبلها صفائح «لكم» في جملة الناس «لنحصنكم» بالنون لله وبالتحتانية لداود وبالفوقانية للبوس «من بأسكم» حربكم مع أعدائكم «فهل أنتم» يا أهل مكة «شاكرون» نعمتي بتصديق الرسول: أي اشكروني بذلك.
تفسير السعدي:
وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ أي: علم الله داود عليه السلام، صنعة الدروع، فهو أول من صنعها وعلمها وسرت صناعته إلى من بعده، فألان الله له الحديد، وعلمه كيف يسردها والفائدة فيها كبيرة، لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ أي: هي وقاية لكم، وحفظ عند الحرب، واشتداد البأس.
فَهَلْ أَنْتُمْ شَاكِرُونَ نعمة الله عليكم، حيث أجراها على يد عبده داود، كما قال تعالى: وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ يحتمل أن تعليم الله لداود صنعة الدروع وإلانتها أمر خارق للعادة، وأن يكون - كما قاله المفسرون-: إن الله ألان له الحديد، حتى كان يعمله كالعجين والطين، من دون إذابة له على النار، ويحتمل أن تعليم الله له، على جاري العادة، وأن إلانة الحديد له، بما علمه الله من الأسباب المعروفة الآن، لإذابتها، وهذا هو الظاهر، لأن الله امتن بذلك على العباد وأمرهم بشكرها، ولولا أن صنعته من الأمور التي جعلها الله مقدورة للعباد، لم يمتن عليهم بذلك، ويذكر فائدتها، لأن الدروع التي صنع داود عليه السلام، متعذر أن يكون المراد أعيانها، وإنما المنة بالجنس، والاحتمال الذي ذكره المفسرون، لا دليل عليه إلا قوله: وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ وليس فيه أن الإلانة من دون سبب، والله أعلم بذلك.

وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۚ وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ(81)

التفسير المختصر:
وطوّعنا لسليمان الريح شديدة الهبوب تجري بأمره إذا أمرها إلى أرض الشام التي باركنا فيها بما بعثنا فيها من الأنبياء، وبما بسط فيها من الخيرات، وكنا بكل شيء عالمين، لا يخفى علينا منه شيء.
تفسير الجلالين:
 «و» سخرنا «لسليمان الريح عاصفة» وفي آية أخرى: رخاء، أي شديدة الهبوب وخفيفته حسب إرادته «تجري بأمره إلى الأرض التي باركنا فيها» وهي الشام «وكنا بكل شيء عالمين» من ذلك علم الله تعالى بأن ما يعطيه سليمان يدعوه إلى الخضوع لربه ففعله تعالى على مقتضى علمه.
تفسير السعدي:
وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ أي: سخرناها عَاصِفَةً أي: سريعة في مرورها، تَجْرِي بِأَمْرِهِ حيث دبرت امتثلت أمره، غدوها شهر ورواحها شهر إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وهي أرض الشام، حيث كان مقره، فيذهب على الريح شرقا وغربا، ويكون مأواها ورجوعها إلى الأرض المباركة، وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ قد أحاط علمنا بجميع الأشياء، وعلمنا من داود وسليمان، ما أوصلناهما به إلى ما ذكرنا.

وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَٰلِكَ ۖ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ(82)

التفسير المختصر:
وسخّرنا من الشياطين من يغوصون له في البحار يستخرجون اللآلئ وغيرها، ويعملون غير ذلك من الأعمال كالبناء، وكنا لأعدادهم وأعمالهم حافظين، لا يفوتنا شيء من ذلك.
تفسير الجلالين:
 «و» سخرنا «من الشياطين من يغوصون له» يدخلون في البحر فيُخرجون منه الجواهر لسليمان «ويعلمون عملاً دون ذلك» أي سوى الغوص من البناء وغيره «وكنا لهم حافظين» من أن يُفسدوا ما عملوا، لأنهم كانوا إذا فرغوا من عمل قبل الليل أفسدوه إن لم يشتغلوا بغيره.
تفسير السعدي:
وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وهذا أيضا من خصائص سليمان عليه السلام، أن الله سخر له الشياطين والعفاريت، وسلطه على تسخيرهم في الأعمال، التي لا يقدر على كثير منها غيرهم، فكان منهم من يغوص له في البحر، ويستخرج الدر، واللؤلؤ، وغير ذلك، ومنهم من يعمل له مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ وسخر طائفة منهم، لبناء بيت المقدس، ومات، وهم على عمله، وبقوا بعده سنة، حتى علموا موته، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ أي: لا يقدرون على الامتناع منه وعصيانه، بل حفظهم الله له، بقوته وعزته، وسلطانه.

۞ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ(83)

التفسير المختصر:
واذكر - أيها الرسول - قصة أيوب عليه السلام، إذ دعا ربه سبحانه حين أصابه البلاء قائلًا: يا رب، إني أُصِبْت بالمرض وفَقْدِ الأهل، وأنت أرحم الراحمين جميعًا، فاصرف عنّي ما أصابني من ذلك.
تفسير الجلالين:
 «و» اذكر «أيوب» ويبدل منه «إذ نادى ربه» لما ابتلي بفقد جميع ماله وولده وتمزيق جسده وهجر جميع الناس له إلا زوجته سنين ثلاثا أو سبعاً أو ثماني عشرة وضيق عيشه «أني» بفتح الهمزة بتقدير الياء «مسنيَ الضر» أي الشدة «وأنت أرحم الراحمين».
تفسير السعدي:
أي: واذكر عبدنا ورسولنا، أيوب - مثنيا معظما له، رافعا لقدره - حين ابتلاه، ببلاء شديد، فوجده صابرا راضيا عنه، وذلك أن الشيطان سلط على جسده، ابتلاء من الله، وامتحانا فنفخ في جسده، فتقرح قروحا عظيمة ومكث مدة طويلة، واشتد به البلاء، ومات أهله، وذهب ماله، فنادى ربه: رب أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فتوسل إلى الله بالإخبار عن حال نفسه، وأنه بلغ الضر منه كل مبلغ

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ ۖ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَىٰ لِلْعَابِدِينَ(84)

التفسير المختصر:
فأجبنا دعوته، وصرفنا عنه ما أصابه من ضر، وأعطيناه ما فَقَدَ من أهله وأولاده، وأعطيناه مثلهم معهم، كل ذلك فعلناه رحمة من عندنا، وتذكيرًا لكل منقاد لله بالعبادة؛ ليصبر كما صبر أيوب.
تفسير الجلالين:
 «فاستجبنا له» نداءه «فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله» أولاده الذكور والإناث بأن أحيوا له وكل من الصنفين ثلاث أو سبع «ومثلهم معهم» من زوجته وزيد في شبابها، وكان له أندر للقمح وأندر للشعير فبعث الله سحابتين أفرغت إحداهما على أندر القمح الذهب وأفرغت الأخرى على أندر الشعير الورق حتى فاض «رحمة» مفعول له «من عندنا» صفة «وذكرى للعابدين» ليصبروا فيثابوا.
تفسير السعدي:
وبرحمة ربه الواسعة العامة فاستجاب الله له، وقال له: ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ فركض برجله فخرجت من ركضته عين ماء باردة فاغتسل منها وشرب، فأذهب الله عنه ما به من الأذى، وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ أي: رددنا عليه أهله وماله.
وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ بأن منحه الله العافية من الأهل والمال شيئا كثيرا، رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا به، حيث صبر ورضي، فأثابه الله ثوابا عاجلا قبل ثواب الآخرة.
وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ أي: جعلناه عبرة للعابدين، الذين ينتفعون بالعبر، فإذا رأوا ما أصابه من البلاء، ثم ما أثابه الله بعد زواله، ونظروا السبب، وجدوه الصبر، ولهذا أثنى الله عليه به في قوله: إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ فجعلوه أسوة وقدوة عندما يصيبهم الضر.

وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ(85)

التفسير المختصر:
واذكر - أيها الرسول - إسماعيل وإدريس وذا الكفل عليهم السلام، كل واحد منهم من الصابرين على البلاء، وعلى القيام بما كلّفهم الله به.
تفسير الجلالين:
 «و» اذكر «إسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين» على طاعة الله وعن معاصيه.
تفسير السعدي:
تفسير الآيتين 85 و 86 :أي: واذكر عبادنا المصطفين، وأنبياءنا المرسلين بأحسن الذكر، وأثن عليهم أبلغ الثناء، إسماعيل بن إبراهيم، وإدريس، وذا الكفل، نبيين من أنبياء بني إسرائيل كُلٌّ من هؤلاء المذكورين مِنَ الصَّابِرِينَ والصبر: هو حبس النفس ومنعها، مما تميل بطبعها إليه، وهذا يشمل أنواع الصبر الثلاثة: الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة، فلا يستحق العبد اسم الصبر التام، حتى يوفي هذه الثلاثة حقها.
فهؤلاء الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، قد وصفهم الله بالصبر، فدل أنهم وفوها حقها، وقاموا بها كما ينبغي، ووصفهم أيضا بالصلاح، وهو يشمل صلاح القلب، بمعرفة الله ومحبته، والإنابة إليه كل وقت، وصلاح اللسان، بأن يكون رطبا من ذكر الله، وصلاح الجوارح، باشتغالها بطاعة الله وكفها عن المعاصي.
فبصبرهم وصلاحهم، أدخلهم الله برحمته، وجعلهم مع إخوانهم من المرسلين، وأثابهم الثواب العاجل والآجل، ولو لم يكن من ثوابهم، إلا أن الله تعالى نوه بذكرهم في العالمين، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين، لكفى بذلك شرفا وفضلا.

وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا ۖ إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ(86)

التفسير المختصر:
وأدخلناهم في رحمتنا، فجعلناهم أنبياء، وأدخلناهم الجنة، إنهم من عباد الله الصالحين الذين عملوا بطاعة ربهم، وصلحت سرائرهم وعلانياتهم.
تفسير الجلالين:
 «وأدخلناهم في رحمتنا» من النبوة «إنهم من الصالحين» لها وسمي ذا الكفل لأنه تكفل بصيام جميع نهاره وقيام جميع ليله وأن يقضي بين الناس ولا يغضب فوفى بذلك وقيل لم يكن نبيا.
تفسير السعدي:
تفسير الآيتين 85 و 86 :أي: واذكر عبادنا المصطفين، وأنبياءنا المرسلين بأحسن الذكر، وأثن عليهم أبلغ الثناء، إسماعيل بن إبراهيم، وإدريس، وذا الكفل، نبيين من أنبياء بني إسرائيل كُلٌّ من هؤلاء المذكورين مِنَ الصَّابِرِينَ والصبر: هو حبس النفس ومنعها، مما تميل بطبعها إليه، وهذا يشمل أنواع الصبر الثلاثة: الصبر على طاعة الله والصبر عن معصية الله، والصبر على أقدار الله المؤلمة، فلا يستحق العبد اسم الصبر التام، حتى يوفي هذه الثلاثة حقها.
فهؤلاء الأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، قد وصفهم الله بالصبر، فدل أنهم وفوها حقها، وقاموا بها كما ينبغي، ووصفهم أيضا بالصلاح، وهو يشمل صلاح القلب، بمعرفة الله ومحبته، والإنابة إليه كل وقت، وصلاح اللسان، بأن يكون رطبا من ذكر الله، وصلاح الجوارح، باشتغالها بطاعة الله وكفها عن المعاصي.
فبصبرهم وصلاحهم، أدخلهم الله برحمته، وجعلهم مع إخوانهم من المرسلين، وأثابهم الثواب العاجل والآجل، ولو لم يكن من ثوابهم، إلا أن الله تعالى نوه بذكرهم في العالمين، وجعل لهم لسان صدق في الآخرين، لكفى بذلك شرفا وفضلا.

وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَٰهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ(87)

التفسير المختصر:
واذكر - أيها الرسول - قصة صاحب الحوت يونس عليه السلام، إذ ذهب دون إذن من ربه مغاضبًا قومه لتماديهم في العصيان، فظن أننا لن نُضَيِّق عليه؛ بعقابه على ذهابه، فابتُلِي بشدة الضيق والحبس حين التقمه الحوت، فدعا في ظلمات بطن الحوت والبحر والليل؛ مُقرًّا بذنبه تائبًا إلى الله منه، فقال: لا معبود بحق غيرك، تنزهتَ وتقدستَ، إني كنت من الظالمين.
تفسير الجلالين:
 «و» اذكر «ذا النون» صاحب الحوت وهو يونس بن متى ويبدل منه «إذ ذهب مغاضباً» لقومه أي غضبان عليهم مما قاسى منهم ولم يؤذن له في ذلك «فظن أن لن نقدر عليه» أي نقضي عليه بما قضيناه من حبسه في بطن الحوت، أو نضيق عليه بذلك «فنادى في الظلمات» ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت «أن» أي بأن «لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين» في ذهابي من بين قومي بلا إذن.
تفسير السعدي:
أي: واذكر عبدنا ورسولنا ذا النون وهو: يونس، أي: صاحب النون، وهي الحوت، بالذكر الجميل، والثناء الحسن، فإن الله تعالى أرسله إلى قومه، فدعاهم، فلم يؤمنوا فوعدهم بنزول العذاب بأمد سماه لهم.
[فجاءهم العذاب] ورأوه عيانا، فعجوا إلى الله، وضجوا وتابوا، فرفع الله عنهم العذاب كما قال تعالى: فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ وقال: وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ وهذه الأمة العظيمة، الذين آمنوا بدعوة يونس، من أكبر فضائله.
ولكنه عليه الصلاة والسلام، ذهب مغاضبا، وأبق عن ربه لذنب من الذنوب، التي لم يذكرها الله لنا في كتابه، ولا حاجة لنا إلى تعيينها [لقوله: إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ وَهُوَ مُلِيمٌ أي: فاعل ما يلام عليه] والظاهر أن عجلته ومغاضبته لقومه وخروجه من بين أظهرهم قبل أن يأمره الله بذلك، ظن أن الله لا يقدر عليه، أي: يضيق عليه في بطن الحوت أو ظن أنه سيفوت الله تعالى، ولا مانع من عروض هذا الظن للكمل من الخلق على وجه لا يستقر، ولا يستمر عليه، فركب في السفينة مع أناس، فاقترعوا، من يلقون منهم في البحر؟ لما خافوا الغرق إن بقوا كلهم، فأصابت القرعة يونس، فالتقمه الحوت، وذهب به إلى ظلمات البحار، فنادى في تلك الظلمات: لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فأقر لله تعالى بكمال الألوهية، ونزهه عن كل نقص، وعيب وآفة، واعترف بظلم نفسه وجنايته.

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ۚ وَكَذَٰلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ(88)

التفسير المختصر:
فأجبنا دعوته، ونجّيناه من كرب الشدة بإخراجه من الظلمات، ومن بطن الحوت، ومثل إنجاء يونس من كربه هذا ننجي المؤمنين إذا وقعوا في كرب ودعوا الله.
تفسير الجلالين:
 «فاستجبنا له ونجيناه من الغم» بتلك الكلمات «وكذلك» كما نجيناه «ننجي المؤمنين» من كربهم إذا استغاثوا بنا داعين.
تفسير السعدي:
: فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ أي: الشدة التي وقع فيها.
وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ وهذا وعد وبشارة، لكل مؤمن وقع في شدة وغم، أن الله تعالى سينجيه منها، ويكشف عنه ويخفف، لإيمانه كما فعل ب " يونس " عليه السلام.

وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ(89)

التفسير المختصر:
واذكر - أيها الرسول - قصة زكريا عليه السلام إذ دعا ربه سبحانه قائلًا: رب، لا تتركني منفردًا لا ولد لي، وأنت خير الباقين، فارزقني ولدًا يبقى بعدي.
تفسير الجلالين:
 «و» اذكر «زكريا» ويبدل منه «إذ نادى ربه» بقوله «رب لا تذرني فرداً» أي بلا ولد يرثني «وأنت خير الوارثين» الباقي بعد فناء خلقك.
تفسير السعدي:
أي: واذكر عبدنا ورسولنا زكريا، منوها بذكره، ناشرا لمناقبه وفضائله، التي من جملتها، هذه المنقبة العظيمة المتضمنة لنصحه للخلق، ورحمة الله إياه، وأنه نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا أي: قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا* وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا* يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا من هذه الآيات علمنا أن قوله رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا أنه لما تقارب أجله، خاف أن لا يقوم أحد بعده مقامه في الدعوة إلى الله، والنصح لعباد الله، وأن يكون في وقته فردا، ولا يخلف من يشفعه ويعينه، على ما قام به، وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ أي: خير الباقين، وخير من خلفني بخير، وأنت أرحم بعبادك مني، ولكني أريد ما يطمئن به قلبي، وتسكن له نفسي، ويجري في موازيني ثوابه.

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَىٰ وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ ۚ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا ۖ وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ(90)

التفسير المختصر:
فأجبنا له دعوته، وأعطيناه يحيى ولدًا، وأصلحنا زوجه، فصارت ولودًا بعد أن كانت لا تلد، إن زكريا وزوجه وابنه كانوا يسارعون إلى فعل الخيرات، وكانوا يدعوننا راغبين فيما عندنا من الثواب، خائفين مما عندنا من العقاب، وكانوا لنا مُتَضرِّعين.
تفسير الجلالين:
 «فاستجبنا له» نداءه «ووهبنا له يحيى» ولداً «وأصلحنا له زوجه» فأتت بالولد بعد عقمها «إنهم» أي من ذُكر من الأنبياء «كانوا يسارعون» يبادرون «في الخيرات» الطاعات «ويدعوننا رغباً» في رحمتنا «ورهباً» من عذابنا «وكانوا لنا خاشعين» متواضعين في عبادتهم.
تفسير السعدي:
فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى النبي الكريم، الذي لم يجعل الله له من قبل سميا.
وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ بعدما كانت عاقرا، لا يصلح رحمها للولادة فأصلح الله رحمها للحمل، لأجل نبيه زكريا، وهذا من فوائد الجليس، والقرين الصالح، أنه مبارك على قرينه، فصار يحيى مشتركا بين الوالدين.
ولما ذكر هؤلاء الأنبياء والمرسلين، كلا على انفراده، أثنى عليهم عموما فقال: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ أي: يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق الذي ينبغي ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها، إلا انتهزوا الفرصة فيها، وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا أي: يسألوننا الأمور المرغوب فيها، من مصالح الدنيا والآخرة، ويتعوذون بنا من الأمور المرهوب منها، من مضار الدارين، وهم راغبون راهبون لا غافلون، لاهون ولا مدلون، وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ أي: خاضعين متذللين متضرعين، وهذا لكمال معرفتهم بربهم.

وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ(91)

التفسير المختصر:
واذكر - أيها الرسول - قصة مريم عليها السلام التي صانت فرجها من الزنى، فأرسل الله إليها جبريل عليه السلام، فنفخ فيها فحملت بعيسى عليه السلام، وكانت هي وابنها عيسى علامة للناس على قدرة الله، وأنه لا يعجزه شيء حيث خلقه من غير أب.
تفسير الجلالين:
 «و» اذكر مريم «التي أحصنت فرجها» حفظته من أن ينال «فنفخنا فيها من روحنا» أي جبريل حيث نفخ في جيب درعها فحملت بعيسى «وجعلناها وابنها آية للعالمين» الإنس والجن والملائكة حيث ولدته من غير فحل.
تفسير السعدي:
أي: واذكر مريم، عليها السلام، مثنيا عليها مبينا لقدرها، شاهرا لشرفها فقال: وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا أي: حفظته من الحرام وقربانه، بل ومن الحلال، فلم تتزوج لاشتغالها بالعبادة، واستغراق وقتها بالخدمة لربها.
وحين جاءها جبريل في صورة بشر سوي تام الخلق والحسن قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا فجازاها الله من جنس عملها، ورزقها ولدا من غير أب، بل نفخ فيها جبريل عليه السلام، فحملت بإذن الله.
وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ حيث حملت به، ووضعته من دون مسيس أحد، وحيث تكلم في المهد، وبرأها مما ظن بها المتهمون وأخبر عن نفسه في تلك الحالة، وأجرى الله على يديه من الخوارق والمعجزات ما هو معلوم، فكانت وابنها آية للعالمين، يتحدث بها جيلا بعد جيل، ويعتبر بها المعتبرون.

إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ(92)

التفسير المختصر:
إن هذه ملتكم - أيها الناس - ملة واحدة، وهي التوحيد الذي هو دين الإسلام، وأنا ربكم، فأخلصوا العبادة لي وحدي.
تفسير الجلالين:
 «إن هذه» أي ملة الإسلام «أمتكم» دينكم أيها المخاطبون أي يجب أن تكونوا عليها «أمة واحدة» حال لازمة «وأنا ربكم فاعبدون» وحدون.
تفسير السعدي:
ولما ذكر الأنبياء عليهم السلام، قال مخاطبا للناس: إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً أي: هؤلاء الرسل المذكورون هم أمتكم وائمتكم الذين بهم تأتمون، وبهديهم تقتدون، كلهم على دين واحد، وصراط واحد، والرب أيضا واحد.
ولهذا قال: وَأَنَا رَبُّكُمْ الذي خلقتكم، وربيتكم بنعمتي، في الدين والدنيا، فإذا كان الرب واحدا، والنبي واحدا، والدين واحدا، وهو عبادة الله، وحده لا شريك له، بجميع أنواع العبادة كان وظيفتكم والواجب عليكم، القيام بها، ولهذا قال: فَاعْبُدُونِ فرتب العبادة على ما سبق بالفاء، ترتيب المسبب على سببه.

وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ ۖ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ(93)

التفسير المختصر:
وتفرّق الناس، فصار منهم الموحّد والمشرك والكافر والمؤمن، وكل هؤلاء المتفرقين إلينا وحدنا راجعون يوم القيامة، فنجازيهم على أعمالهم.
تفسير الجلالين:
 «وتَقطَّعوا» أي بعض المخاطبين «أمرهم بينهم» أي تفرقوا أمر دينهم متخالفين فيه، وهم طوائف اليهود والنصارى قال تعالى: «كل إلينا راجعون» أي فنجازيه بعمله.
تفسير السعدي:
وكان اللائق، الاجتماع على هذا الأمر، وعدم التفرق فيه، ولكن البغي والاعتداء، أبيا إلا الافتراق والتقطع.
ولهذا قال: وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ أي: تفرق الأحزاب المنتسبون لاتباع الأنبياء فرقا، وتشتتوا، كل يدعي أن الحق معه، والباطل مع الفريق الآخر و كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وقد علم أن المصيب منهم، من كان سالكا للدين القويم، والصراط المستقيم، مؤتما بالأنبياء وسيظهر هذا، إذا انكشف الغطاء، وبرح الخفاء، وحشر الله الناس لفصل القضاء، فحينئذ يتبين الصادق من الكاذب، ولهذا قال: كُلٌّ من الفرق المتفرقة وغيرهم إِلَيْنَا رَاجِعُونَ أي: فنجازيهم أتم الجزاء

فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ(94)

التفسير المختصر:
فمن عمل منهم الأعمال الصالحات وهو مؤمن بالله ورسله واليوم الآخر فلا جحود لعمله الصالح، بل يشكر الله له ثوابه فيضاعفه له، ويجده في كتاب عمله يوم يبعث، فيسرّ به.
تفسير الجلالين:
 «فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران» أي لا جحود «لسعيه وإنا له كاتبون» بأن نأمر الحفظة بكتبه فنجازيه عليه.
تفسير السعدي:
ثم فصل جزاءه فيهم، منطوقا ومفهوما، فقال: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ أي: الأعمال التي شرعتها الرسل وحثت عليها الكتب وَهُوَ مُؤْمِنٌ بالله وبرسله، وما جاءوا به فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ أي: لا نضيع سعيه ولا نبطله، بل نضاعفه له أضعافا كثيرة.
وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ أي: مثبتون له في اللوح المحفوظ، وفي الصحف التي مع الحفظة.
أي: ومن لم يعمل من الصالحات، أو عملها وهو ليس بمؤمن، فإنه محروم، خاسر في دينه، ودنياه.

وَحَرَامٌ عَلَىٰ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ(95)

التفسير المختصر:
ومستحيل على أهل قرية أهلكناها بسبب كفرها أن يرجعوا إلى الدنيا؛ ليتوبوا وتُقْبل توبتهم.
تفسير الجلالين:
 «وحرام على قرية أهلكناها» أريد أهلها «أنهم لا» زائدة «يرجعون» أي ممتنع رجوعهم إلى الدنيا.
تفسير السعدي:
أي: يمتنع على القرى المهلكة المعذبة، الرجوع إلى الدنيا، ليستدركوا ما فرطوا فيه فلا سبيل إلى الرجوع لمن أهلك وعذب، فليحذر المخاطبون، أن يستمروا على ما يوجب الإهلاك فيقع بهم، فلا يمكن رفعه، وليقلعوا وقت الإمكان والإدراك.

حَتَّىٰ إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ(96)

التفسير المختصر:
لا يرجعون أبدًا حتى إذا فُتِح سدّ يأجوج ومأجوج، وهم يومئذ من كل مرتفع من الأرض يخرجون مسرعين.
تفسير الجلالين:
 «حتى» غاية لامتناع رجوعهم «إذا فتحت» بالتخفيف والتشديد «يأجوج ومأجوج» بالهمز وتركه اسمان أعجميان لقبيلتين، ويقدر قبله مضاف أي سدهما وذلك قرب القيامة «وهم من كل حدب» مرتفع من الأرض «ينسلُون» يسرعون.
تفسير السعدي:
هذا تحذير من الله للناس، أن يقيموا على الكفر والمعاصي، وأنه قد قرب انفتاح يأجوج ومأجوج، وهما قبيلتان عظيمتان من بني آدم، وقد سد عليهم ذو القرنين، لما شكي إليه إفسادهم في الأرض، وفي آخر الزمان، ينفتح السد عنهم، فيخرجون إلى الناس في هذه الحالة والوصف، الذي ذكره الله من كل من مكان مرتفع، وهو الحدب ينسلون أي: يسرعون.
وفي هذا دلالة على كثرتهم الباهرة، وإسراعهم في الأرض، إما بذواتهم، وإما بما خلق الله لهم من الأسباب التي تقرب لهم البعيد، وتسهل عليهم الصعب، وأنهم يقهرون الناس، ويعلون عليهم في الدنيا، وأنه لا يد لأحد بقتالهم.

وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَٰذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ(97)

التفسير المختصر:
واقتربت القيامة بخروجهم، وظهرت أهوالها وشدائدها، فإذا أبصار الكفار مفتوحة من شدّة هولها يقولون: يا هلاكنا، قد كنا في الدنيا في لهو وانشغال عن الاستعداد لهذا اليوم العظيم، بل كنا ظالمين بالكفر وارتكاب المعاصي.
تفسير الجلالين:
 «واقترب الوعد الحق» أي يوم القيامة «فإذا هي» أي القصة «شاخصة أبصار الذين كفروا» في ذلك اليوم لشدته، يقولون «يا» للتنبيه «ويلنا» هلاكنا «قد كنا» في الدنيا «في غفلة من هذا» اليوم «بل كنا ظالمين» أنفسنا بتكذيبنا للرسل.
تفسير السعدي:
وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ أي: يوم القيامة الذي وعد الله بإتيانه، ووعده حق وصدق، ففي ذلك اليوم ترى أبصار الكفار شاخصة، من شدة الأفزاع والأهوال المزعجة، والقلاقل المفظعة، وما كانوا يعرفون من جناياتهم وذنوبهم، وأنهم يدعون بالويل والثبور، والندم والحسرة، على ما فات ويقولون ل : قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا اليوم العظيم، فلم نزل فيها مستغرقين، وفي لهو الدنيا متمتعين، حتى أتانا اليقين، ووردنا القيامة، فلو كان يموت أحد من الندم والحسرة، لماتوا.
بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ اعترفوا بظلمهم، وعدل الله فيهم، فحينئذ يؤمر بهم إلى النار، هم وما كانوا يعبدون .

إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ(98)

التفسير المختصر:
إنكم - أيها المشركون - وما تعبدونه من دون الله من الأصنام، وممن يرضى بعبادتكم له من الإنس والجن - وقود جهنم، أنتم ومعبوداتكم لها داخلون.
تفسير الجلالين:
 «إنكم» يا أهل مكة «وما تعبدون من دون الله» أي غيره من الأوثان «حصب جهنم» وقودها «أنتم لها واردون» داخلون فيها.
تفسير السعدي:
أي: إنكم أيها العابدون مع الله آلهة غيره حَصَبُ جَهَنَّمَ أي: وقودها وحطبها أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ وأصنامكم.

لَوْ كَانَ هَٰؤُلَاءِ آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ۖ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ(99)

التفسير المختصر:
لو كانت هذه المعبودات آلهة تُعْبَد بحق ما دخلوا النار مع من عبدوهم، وكل من العابدين والمعبودين في النار، ماكثون فيها أبدًا لا يخرجون منها.
تفسير الجلالين:
 «لو كان هؤلاء» الأوثان «آلهة» كما زعمتم «ما وردوها» دخلوها «وكل» من العابدين والمعبودين «فيها خالدون».
تفسير السعدي:
والحكمة في دخول الأصنام النار، وهي جماد، لا تعقل، وليس عليها ذنب، بيان كذب من اتخذها آلهة، وليزداد عذابهم، فلهذا قال: لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وهذا كقوله تعالى: لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كَانُوا كَاذِبِينَ وكل من العابدين والمعبودين فيها، خالدون، لا يخرجون منها، ولا ينتقلون عنها.

لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ(100)

التفسير المختصر:
لهم فيها - من شدة ما يلاقونه من الآلام - تنفس شديد، وهم في النار لا يسمعون الأصوات من شدة الهول المُفْزِع الذي أصابهم.
تفسير الجلالين:
 «لهم» للعابدين «فيها زفير وهم فيها لا يسمعون» شيئاً لشدة غليانها. ونزل لما قال ابن الزبعري عبد عزير والمسيح والملائكة فهم في النار على مقتضى ما تقدم.
تفسير السعدي:
لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ من شدة العذاب وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ صم بكم عمي، أولا يسمعون من الأصوات غير صوتها، لشدة غليانها، واشتداد زفيرها وتغيظها.
ودخول آلهة المشركين النار، إنما هو الأصنام، أو من عبد، وهو راض بعبادته.

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَٰئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ(101)

التفسير المختصر:
ولما قال المشركون: (إنّ عيسى والملائكة الذين عُبِدوا سيدخلون النار) قال الله: إن الذين سبق في علم الله أنهم من أهل السعادة مثل عيسى عليه السلام مبعدون عن النار.
تفسير الجلالين:
 «إن الذين سبقت لهم منا» المنزلة «الحسنى» ومنهم من ذكر «أولئك عنها مبعدون».
تفسير السعدي:
تفسير الآيتين 101 و102 :وأما المسيح، وعزير، والملائكة ونحوهم، ممن عبد من الأولياء، فإنهم لا يعذبون فيها، ويدخلون في قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أي: سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله، وفي اللوح المحفوظ وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة.
أُولَئِكَ عَنْهَا أي: عن النار مُبْعَدُونَ فلا يدخلونها، ولا يكونون قريبا منها، بل يبعدون عنها، غاية البعد، حتى لا يسمعوا حسيسها، ولا يروا شخصها، وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ من المآكل، والمشارب، والمناكح والمناظر، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مستمر لهم ذلك، يزداد حسنه على الأحقاب.

لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا ۖ وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ(102)

التفسير المختصر:
لا يصل إلى سَمْعِهم صوتُ جهنم، وهم فيما اشتهته أنفسهم من النعيم والملذات ماكثون، لا ينقطع نعيمهم أبدًا.
تفسير الجلالين:
 «لا يسمعون حسيسها» صوتها «وهم في ما اشتهت أنفسهم» من النعيم «خالدون».
تفسير السعدي:
تفسير الآيتين 101 و102 :وأما المسيح، وعزير، والملائكة ونحوهم، ممن عبد من الأولياء، فإنهم لا يعذبون فيها، ويدخلون في قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أي: سبقت لهم سابقة السعادة في علم الله، وفي اللوح المحفوظ وفي تيسيرهم في الدنيا لليسرى والأعمال الصالحة.
أُولَئِكَ عَنْهَا أي: عن النار مُبْعَدُونَ فلا يدخلونها، ولا يكونون قريبا منها، بل يبعدون عنها، غاية البعد، حتى لا يسمعوا حسيسها، ولا يروا شخصها، وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ من المآكل، والمشارب، والمناكح والمناظر، مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، مستمر لهم ذلك، يزداد حسنه على الأحقاب.

لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَٰذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ(103)

التفسير المختصر:
لا يخيفهم الهول العظيم حين تطبق النار على أهلها، وتستقبلهم الملائكة بالتهنئة قائلين: هذا يومكم الذي كنتم توعدون به في الدنيا، وتبشّرون بما تلاقون فيه من النعيم.
تفسير الجلالين:
 «لا يحزنهم الفزع الأكبر» وهو أن يؤمر بالعبد إلى النار «وتتلقاهم» تستقبلهم «الملائكة» عند خروجهم من القبور يقولون لهم «هذا يومكم الذي كنتم توعدون» في الدنيا.
تفسير السعدي:
لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ أي: لا يقلقهم إذا فزع الناس أكبر فزع، وذلك يوم القيامة، حين تقرب النار، تتغيظ على الكافرين والعاصين فيفزع الناس لذلك الأمر وهؤلاء لا يحزنهم، لعلمهم بما يقدمون عليه وأن الله قد أمنهم مما يخافون.
وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ إذا بعثوا من قبورهم، وأتوا على النجائب وفدا، لنشورهم، مهنئين لهم قائلين: هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فليهنكم ما وعدكم الله، وليعظم استبشاركم، بما أمامكم من الكرامة، وليكثر فرحكم وسروركم، بما أمنكم الله من المخاوف والمكاره.

يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ ۚ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ۚ وَعْدًا عَلَيْنَا ۚ إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ(104)

التفسير المختصر:
يوم نطوي السماء مثل طيّ الصحيفة على ما فيها، ونحشر الخلق على هيئتهم التي خلقوا بها أول مرة، وعدنا بذلك وعدًا لا خُلْف فيه، إنا كنا منجزين ما نعد به.
تفسير الجلالين:
 «يوم» منصوب باذكر مقدراً قبله «نطوي السماء كطي السجل» اسم ملك «للكتاب» صحيفة ابن آدم عند موته واللام زائدة أو السجل الصحيفة والكتاب بمعنى المكتوب واللام بمعنى على وفي قراءة للكتب جمعاً «كما بدأنا أول خلق» من عدم «نُعيده» بعد إعدامه فالكاف متعلقة بنعيد وضميره عائد إلى أول وما مصدرية «وعداً علينا» منصوب بوعدنا مقدراً قبله وهو مؤكد لمضمون ما قبله «إنا كنا فاعلين» ما وعدناه.
تفسير السعدي:
يخبر تعالى أنه يوم القيامة يطوي السماوات - على عظمها واتساعها - كما يطوي الكاتب للسجل أي: الورقة المكتوب فيها، فتنثر نجومها، ويكور شمسها وقمرها، وتزول عن أماكنها كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ أي: إعادتنا للخلق، مثل ابتدائنا لخلقهم، فكما ابتدأنا خلقهم، ولم يكونوا شيئا، كذلك نعيدهم بعد موتهم.
وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ننفذ ما وعدنا، لكمال قدرته، وأنه لا تمتنع منه الأشياء.

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ(105)

التفسير المختصر:
ولقد كتبنا في الكتب التي أنزلناها على الرسل من بعد ما كتبناه في اللوح المحفوظ: أن الأرض يرثها عباد الله الصالحون العاملون بطاعته، وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
تفسير الجلالين:
 «ولقد كتبنا في الزبور» بمعنى الكتاب أي كتب الله المنزلة «من بعد الذكر» بمعنى أم الكتاب الذي عند الله «أن الأرض» أرض الجنة «يرثها عبادي الصالحون» عام في كل صالح.
تفسير السعدي:
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ وهو الكتاب المزبور، والمراد: الكتب المنزلة، كالتوراة ونحوها مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أي: كتبناه في الكتب المنزلة، بعد ما كتبنا في الكتاب السابق، الذي هو اللوح المحفوظ، وأم الكتاب الذي توافقه جميع التقادير المتأخرة عنه والمكتوب في ذلك: أَنَّ الْأَرْضَ أي: أرض الجنة يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ الذين قاموا بالمأمورات، واجتنبوا المنهيات، فهم الذين يورثهم الله الجنات، كقول أهل الجنة: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ ويحتمل أن المراد: الاستخلاف في الأرض، وأن الصالحين يمكن الله لهم في الأرض، ويوليهم عليها كقوله تعالى: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ الآية.

إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ(106)

التفسير المختصر:
إن فيما أنزلناه من الوعظ لمنفعة وكفاية لقوم عابدين ربهم بما شرعه لهم، فهم الذين ينتفعون به.
تفسير الجلالين:
 «إن في هذا» القرآن «لبلاغاً» كفاية في دخول الجنة «لقوم عابدين» عاملين به.
تفسير السعدي:
يثني الله تعالى على كتابه العزيز " القرآن " ويبين كفايته التامة عن كل شيء، وأنه لا يستغنى عنه فقال: إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ أي: يتبلغون به في الوصول إلى ربهم، وإلى دار كرامته، فوصلهم إلى أجل المطالب، وأفضل الرغائب.
وليس للعابدين، الذين هم أشرف الخلق، وراءه غاية، لأنه الكفيل بمعرفة ربهم، بأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وبالإخبار بالغيوب الصادقة، وبالدعوة لحقائق الإيمان، وشواهد الإيقان، المبين للمأمورات كلها، والمنهيات جميعا، المعرف بعيوب النفس والعمل، والطرق التي ينبغي سلوكها في دقيق الدين وجليله، والتحذير من طرق الشيطان، وبيان مداخله على الإنسان، فمن لم يغنه القرآن، فلا أغناه الله، ومن لا يكفيه، فلا كفاه الله.

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ(107)

التفسير المختصر:
وما بعثناك - يا محمد - رسولًا إلا رحمة لجميع الخلق؛ لما تتصف به من الحرص على هداية الناس وإنقاذهم من عذاب الله.
تفسير الجلالين:
 «وما أرسلناك» يا محمد «إلا رحمة» أي للرحمة «للعالمين» الإنس والجن بك.
تفسير السعدي:
ثم أثنى على رسوله، الذي جاء بالقرآن فقال: وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ فهو رحمته المهداة لعباده، فالمؤمنون به، قبلوا هذه الرحمة، وشكروها، وقاموا بها، وغيرهم كفرها، وبدلوا نعمة الله كفرا، وأبوا رحمة الله ونعمته.

قُلْ إِنَّمَا يُوحَىٰ إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ(108)

التفسير المختصر:
قل - أيها الرسول -: إنما يُوحَى إلي من ربي أنما معبودكم بحق معبود واحد، لا شريك له وهو الله، فانقادوا للإيمان به، والعمل بطاعته.
تفسير الجلالين:
 «قل إنما يوحى إليَّ أنما إلهكم إله واحد» أي ما يوحى إليَّ في أمر الإله إلا وحدانيته «فهل أنتم مسلمون» منقادون لما يوحى إليَّ من وحدانية الإله والاستفهام بمعنى الأمر.
تفسير السعدي:
قُلْ يا محمد إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ الذي لا يستحق العبادة إلا هو، ولهذا قال: فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ أي: منقادون لعبوديته مستسلمون لألوهيته، فإن فعلوا فليحمدوا ربهم على ما منَّ عليهم بهذه النعمة التي فاقت المنن.

فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَىٰ سَوَاءٍ ۖ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ(109)

التفسير المختصر:
فإن أعرض هؤلاء عما جئتهم به، فقل - أيها الرسول - لهم: أعلمتكم أنني وإياكم على أمر مستوٍ بيني وبينكم من المفاصلة، ولست أعلم متى ينزل بكم ما وعد الله به من عذابه.
تفسير الجلالين:
 «فإن تولوا» عن ذلك «فقل آذنتكم» أعلمتكم بالحرب «على سواء» حال من الفاعل والمفعول، أي مستوين في علمه لا أستبد به دونكم لتتأهبوا «وإن» ما «أدري أقريب أم بعيد ما توعدون» من العذاب أو القيامة المشتملة عليه وإنما يعلمه الله.
تفسير السعدي:
فَإِنْ تَوَلَّوْا عن الانقياد لعبودية ربهم، فحذرهم حلول المثلات، ونزول العقوبة.
فَقُلْ آذَنْتُكُمْ أي: أعلمتكم بالعقوبة عَلَى سَوَاءٍ أي علمي وعلمكم بذلك مستو، فلا تقولوا - إذا أنزل بكم العذاب: مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلَا نَذِيرٍ بل الآن، استوى علمي وعلمكم، لما أنذرتكم، وحذرتكم، وأعلمتكم بمآل الكفر، ولم أكتم عنكم شيئا.
وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ أي: من العذاب لأن علمه عند الله، وهو بيده، ليس لي من الأمر شيء.

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ(110)

التفسير المختصر:
إن الله يعلم ما أعلنتم من القول، ويعلم ما تكتمونه منه، لا يخفى عليه شيء من ذلك، وسيجزيكم عليه.
تفسير الجلالين:
 «إنه» تعالى «يعلم الجهر من القول» والفعل منكم ومن غيركم «ويعلم ما تكتمون» أنتم وغيركم من السر.

وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ(111)

التفسير المختصر:
ولست أدري لعل إمهالكم بالعذاب اختبار لكم، واستدراج، وتمتيع لكم إلى أمد مقدّر في علم الله؛ لتتمادوا في كفركم وضلالكم.
تفسير الجلالين:
 «وإن» ما «أدري لعله» أي ما أعلمتكم به ولم يعلم وقته «فتنة» اختبار «لكم» ليرى كيف صنعكم «ومتاع» تمتع «إلى حين» أي انقضاء آجالكم وهذا مقابل للأول المترجى بلعل وليس الثاني محلا للترجي.
تفسير السعدي:
وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ أي: لعل تأخير العذاب الذي استعجلتموه شر لكم، وأن تتمتعوا في الدنيا إلى حين، ثم يكون أعظم لعقوبتكم.

قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ ۗ وَرَبُّنَا الرَّحْمَٰنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ(112)

التفسير المختصر:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم داعيًا ربه: رب، افصل بيننا وبين قومنا الذين أصرّوا على الكفر بالقضاء الحق، وبربنا الرحمن نستعين على ما تقولون من الكفر والتكذيب.
تفسير الجلالين:
 (قل) وفي قراءة قال (رب احكم) بيني وبين مكذبي (بالحق) بالعذاب لهم أو النصر عليهم، فعذبوا ببدر وأحد وحنين والأحزاب والخندق ونصر عليهم (وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون) من كذبكم على الله في قولكم "" اتخذ ولداً "" وعلي في قولكم: ساحر، وعلى القرآن في قولكم: شعر.
تفسير السعدي:
قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ أي: بيننا وبين القوم الكافرين، فاستجاب الله هذا الدعاء، وحكم بينهم في الدنيا قبل الآخرة، بما عاقب الله به الكافرين من وقعة " بدر " وغيرها.
وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ أي: نسأل ربنا الرحمن، ونستعين به على ما تصفون، من قولكم سنظهر عليكم، وسيضمحل دينكم، فنحن في هذا، لا نعجب بأنفسنا، ولا نتكل على حولنا وقوتنا، وإنما نستعين بالرحمن، الذيناصية كل مخلوق بيده، ونرجوه أن يتم ما استعناه به من رحمته، وقد فعل، ولله الحمد.


الجلالين&الميسر تفسير ابن كثير تفسير القرطبي
التفسير المختصر تفسير الطبري تفسير السعدي
Al-Anbiya إعراب الأنبياء تفسير الشوكاني

تفسير المزيد من سور القرآن الكريم :

تفسير البقرة آل عمران تفسير النساء
تفسير المائدة تفسير يوسف تفسير ابراهيم
تفسير الحجر تفسير الكهف تفسير مريم
تفسير الحج تفسير القصص العنكبوت
تفسير السجدة تفسير يس تفسير الدخان
تفسير الفتح تفسير الحجرات تفسير ق
تفسير النجم تفسير الرحمن تفسير الواقعة
تفسير الحشر تفسير الملك تفسير الحاقة
تفسير الانشقاق تفسير الأعلى تفسير الغاشية

تحميل سورة الأنبياء بصوت أشهر القراء :

سورة الأنبياء  بصوت أحمد العجمي
أحمد العجمي
سورة الأنبياء  بصوت سعد الغامدي
سعد الغامدي
سورة الأنبياء  بصوت سعود الشريم
سعود الشريم
سورة الأنبياء  بصوت عبد الباسط عبد الصمد
عبد الباسط
سورة الأنبياء  بصوت فارس عباد
فارس عباد
سورة الأنبياء  بصوت ماهر المعيقلي
ماهر المعيقلي
سورة الأنبياء  بصوت محمد صديق المنشاوي
المنشاوي
سورة الأنبياء  بصوت الحصري
الحصري
سورة الأنبياء  بصوت العفاسي
مشاري العفاسي
سورة الأنبياء  بصوت ياسر الدوسري
ياسر الدوسري


لا تنسنا من دعوة صالحة بظهر الغيب