لا ندخل بيتا فيه كلب ولا صورة

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لحديث السيدة عائشة رضي الله عنها، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

---

الحديث بلفظ آخر واضح:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: "وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام في ساعة يأتيه فيها، فجاءت تلك الساعة ولم يأته، وفي يد رسول الله صلى الله عليه وسلم عصا، فألقاها من يده وقال: «ما يخلف الله وعده ولا رسله»، ثم التفت فإذا جرو كلب تحت سريره، فقال: «يا عائشة، متى دخل هذا الكلب ها هنا؟» فقالت: والله ما دريت (أي: ما علمت)، فأمر به فأخرج، فجاء جبريل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وعدتني فجلست لك فلم تأت؟»، فقال: منعني الكلب الذي كان في بيتك، إنا لا ندخل بيتًا فيه كلب ولا صورة".
(رواه مسلم في صحيحه)

---

١. شرح المفردات:

● واعد: وعد واتفق على موعد.
● جِرو كلب: صغير الكلب.
● ما يخلف الله وعده: لا يُخلِف الله ما وعد به.
● ولا رسله: ولا رسله يخلفون وعودهم.
● ما دريت: ما علمت، من الجهل بوجود الكلب.
● منعني: حال بيني وبين الدخول.

---

٢. شرح الحديث:

يحدثنا هذا الحديث عن موقف عظيم الدلالة، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم في انتظار المَلَك جبريل عليه السلام في وقتٍ متفق عليه بينهما، فلم يحضر جبريل في الوقت المحدد.
فألقى النبي صلى الله عليه وسلم العصا التي كانت في يده، معبرًا عن شيء من الانفعال البريء الذي لا يبلغ حد التسخط، ثم نطق بكلمة عظيمة هي "ما يخلف الله وعده ولا رسله"، أي أن الله تعالى لا يخلف وعده، ورسله -ومنهم جبريل- لا يخلفون مواعيدهم أيضًا، مما يدل على ثقته بالله وبرسله.
ثم التفت النبي صلى الله عليه وسلم ليبحث عن سبب هذا التأخير، فوجد جرو كلب تحت سريره، فسأل السيدة عائشة عن وقت دخوله، فأخبرته أنها لا تعلم بوجوده، فأمر بإخراجه من البيت.
وبمجرد إخراج الكلب، حضر جبريل عليه السلام على الفور، وفسر للنبي صلى الله عليه وسلم سبب تأخره، وهو وجود الكلب في البيت، معللًا ذلك بأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب أو صورة.

---

٣. الدروس المستفادة والعبر:

1- الثقة المطلقة في وعد الله ووعود رسله: تصرف النبي صلى الله عليه وسلم هو أعلى مثال للثبات واليقين، حيث رد الأمر إلى حكمة الله تعالى مباشرة دون قلق أو شك.
2- تحري أسباب الخلل: لم يقتصر النبي على الثقة فقط، بل بادر بالبحث عن السبب الدنيوي وراء عدم مجيء جبريل، مما يعلمنا الجمع بين التوكل على الله والأخذ بالأسباب.
3- تحريم اقتناء الكلاب في البيوت دون حاجة: الحديث أصل من أصول تحريم إدخال الكلاب وتربيتها داخل البيوت، لِما فيه من منعٍ لدخول الملائكة التي تنزل بالرحمة والبركة. ويستثنى من ذلك كلب الصيد أو الحراسة أو الماشية، على خلاف بين الفقهاء في مكان إقامته.
4- تحريم تعليق الصور ذات الأرواح: قرن الحديث بين منع دخول الملائكة للبيت إذا كان فيه كلب أو صورة، مما يدل على تحريم تعليق الصور التي لها ظل (أي مجسمة) أو التي تمثل كائنات ذات أرواح (إنسان، حيوان)، لما فيه من مشابهة لأفعال المشركين ومعصية لله تعالى.
5- الأخلاق الرفيعة في المعاملة: سؤال النبي صلى الله عليه وسلم للسيدة عائشة كان بأدب جم، ولم يوجه لها لوماً مباشراً، مما يعلمنا كيفية معاملة أهل البيت وتحرّي اللطف حتى في مواقف العتاب.
6- طهارة البيت من المعاصي: البيت الذي تريد أن تنزل فيه البركة والرحمة يجب أن يكون خاليًا من المعاصي والمخالفات الشرعية، كوجود الكلاب والصور.

---

٤. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث أخذ منه العلماء كراهة شديدة أو تحريم إدخال الكلاب إلى البيوت، وهو قول جمهور العلماء.
- الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، كما في الحديث الذي يأمر بإخراج الأذى من الطريق، ووجود الكلاب والصور مما تنفر منه الطبائع السليمة وتتأذى منه الملائكة.
- الفقهاء استدلوا بهذا الحديث على أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب، حتى ولو كان مربوطًا في زاوية منه، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإخراجه فورًا.
- هذا الحكم خاص ببيوت السكنى، أما الكلاب المُعدة للحاجة كالصيد أو حراسة الماشية أو الزرع، فيجوز اقتناؤها ولكن في أماكن مخصصة خارج البيت غالبًا.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.