أضع الحصى في كفي لأسجد عليه من شدة الحر

شرح الحديث:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أهلاً وسهلاً بك، وأسأل الله أن يوفقنا جميعاً لتفهم سنة نبينا الكريم والعمل بها.
هذا حديث صحيح رواه الإمام البخاري في صحيحه، وهو من الأحاديث التي تُظهر يسر الإسلام وسماحته، ورحمة النبي ﷺ بأمته وشفقته عليهم.

---

شرح الحديث:

الراوي: هو الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، وهو من أكثر الصحابة رواية للحديث.
السياق: كان هذا في المدينة المنورة، حيث يشتد الحر فيها في فصل الصيف، وكان المسجد النبوي وقتها بسيطاً، سقفه من جذوع النخل، ولم يكن مفروشاً بالسجاد أو المبردات كما هو الحال اليوم، بل كانت أرضه من الرمل والحصى.

---

1. شرح المفردات:

* أصلي الظهر: أي أصلي صلاة الظهر في وقتها.
* قبضة من الحصى: حفنة من الحصى الصغير الذي كان موجوداً في أرض المسجد.
* لتبرد في كفي: يأخذ الحصى في يمهله قبل السجود حتى تفقد حرارتها من شدة وهج الشمس.
* أضعها لجبهتي: يضع هذا الحصى البارد في الموضع الذي ستسجد عليه جبهته.
* أسجد عليها: يسجد على هذا الحصى الذي أصبح بارداَ.
* لشدة الحر: بسبب شدة حرارة الأرض من الشمس، مما يجعل السجود عليها مؤلماً ومتعباً.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يصف لنا الصحابي جابر بن عبد الله رضي الله عنه حالة عملية من حياته مع رسول الله ﷺ، حيث كانوا يصلون صلاة الظهر في حر الشمس القائظ. وكانت الأرض ساخنة جداً لدرجة أن السجود عليها مباشرة فيه مشقة كبيرة. فكان جابر يأخذ حفنة من الحصى الموجود في المسجد ويقبض عليها بيده ليمتص حرارتها، ثم يفرشها في مكان سجوده ليسجد عليها، فتصبح أكثر برودة وأقل حرارة، مما يخفف عنه ألم السجود على الأرض الساخنة. والمهم أن هذا كان يحدث وهو يصلي خلف النبي ﷺ، مما يدل على أن النبي كان يرى هذا الفعل ويقرّه.

---

3. الدروس المستفادة والفَوائد:

هذا الحديث العظيم يحمل في طياته العديد من الدروس والعبر:
1- يسر الإسلام ورفع الحرج: الشرع الحكيم جاء بما تُطاق وتستطيعه النفوس، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها. فالمشقة في العبادة تدفع إلى التيسير ورفع الحرج. والسجود على الأرض واجب، ولكن إذا سبب أذىً، جاز للإنسان أن يتقي هذا الأذى بما يخففه.
2- جواز اتقاء الأذى في الصلاة: يجوز للمصلي أن يتخذ وسيلة تمنع عنه الأذى الحاصل من مكان سجوده، سواء كان ذلك بسبب الحر الشديد، أو البرد القارس، أو وجود شيء مؤذٍ.
3- سعة علم النبي ﷺ وشفقته: النبي ﷺ كان يرى أصحابه وهم يفعلون ذلك أثناء الصلاة ولم ينكر عليهم، بل أقرهم على ذلك. وهذا دليل على سماحته ومراعاته لأحوالهم، وأنه لا ينكر إلا المنكر.
4- الإبداع في حل المشاكل: يعلمنا الصحابة كيف كانوا يتعاملون مع المشقات بعبقرية عملية وبسيطة، باستخدام المتاح حولهم من أدوات بسيطة (كالحصى) لحل مشكلة تعترضهم في عبادتهم.
5- بيان حال الصحابة في عبادة الله: الحديث يصور لنا مدى اجتهاد الصحابة في العبادة، حيث كانوا يصلون في شدة الحر، ولم يمنعهم ذلك من أداء الصلاة في جماعة مع رسول الله ﷺ، بل تحملوا المشقة وابتكروا حلاً لها.
6- الفقه في مسألة السجود: يستنبط الفقهاء من هذا الحديث جواز السجود على شيء غير الأرض مباشرة إذا كان متصلاً بها، كالحصى الذي هو جزء من أرض المسجد. كما أنه ليس من شرط السجود أن تمس الجبهة الأرض مباشرة دون حائل إذا كان الحائل طاهراً وموجوداً لأجل الحاجة.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذا الفعل (تبريد الحصى للسجود عليه) كان من الأفعال التي يفعلها عدد من الصحابة وليس جابراً فقط، وقد وردت روايات أخرى عن غيره.
* لو أن إنساناً في زماننا وجد مكان سجوده ساخناً جداً (مثل مصلى على شاطئ البحر مثلاً) فلا حرج عليه أن يضع منديلاً طاهراً أو سجادة صغيرة يتقي بها حر الأرض، اقتداءً بهذا الفعل الذي أقرّه النبي ﷺ.
* الحديث من الأدلة على أن الأصل في السجود هو مباشرة الجبهة للأرض، ولكنها ليست مباشرة مطلقة، بل يجوز أن يكون بينها وبين الأرض حائل لأجل حاجة أو مصلحة.
أسأل الله تعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما ينفعنا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.