صلاة الوسطى هي صلاة العصر

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
حياكم الله و بياكم، ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي ذكر رواه الإمام أحمد في مسنده، وهو حديث صحيح، وفيه بيان عظيم لأمر مهم من أمور الدين، وهو تحديد الصلاة الوسطى التي ورد الحث على المحافظة عليها في قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ} [البقرة: 238].
وفيما يلي شرح وافٍ للحديث، وفق الخطوات المطلوبة:

---

1. شرح المفردات:

* كُهيل بن حرملة: راوٍ من التابعين، ثقة.
* أقبل حتى نزل دمشق: أي جاء إلى مدينة دمشق وسكن فيها.
* أبو كلثوم الدوسي: صحابي جليل، من أهل الصفة، نزل دمشق.
* فتذاكروا الصلاة الوسطى: أي تحدثوا وتناقشوا في تعيين أي الصلوات هي الصلاة الوسطى.
* بفناء بيت رسول الله ﷺ: الفناء هو الصحن أو الساحة أمام البيت.
* الرجل الصالح: وصف للخير والصلاح والديانة.
* أبو هاشم بن عتبة: صحابي جليل، من السابقين إلى الإسلام، شهد بدراً.
* جريئًا عليه: أي كان جريئاً في سؤال النبي ﷺ، لا يستحيي ولا يهاب في طلب العلم، وهذه الجرأة محمودة لأنها في الخير وطلب العلم النافع.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبرنا الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه أنه عندما قدم إلى دمشق، نزل عند صحابي آخر هو أبو كلثوم الدوسي، فجلسا يتذكران أيام النبي ﷺ. وتطرق حديثهما إلى مسألة "الصلاة الوسطى" التي اختلف فيها الصحابة، كما اختلف فيها من بعدهم.
ثم يحكي أبو هريرة قصة وقعت لهم في زمن النبي ﷺ، حيث اجتمع عدد من الصحابة - وفيهم أبو هريرة - في ساحة بيت النبي ﷺ، واختلفوا في تعيين الصلاة الوسطى، كما اختلف أنت وأصحابك في دمشق.
وكان ضمن них الصحابي الجليل الشجاع أبو هاشم بن عتبة رضي الله عنه، فقام ودخل على رسول الله ﷺ ليسأله عن هذه المسألة مباشرة، وكان معروفاً بجرأته في سؤال النبي ﷺ عن أمور الدين التي تشكل على الناس. ثم خرج إليهم وأخبرهم بأن النبي ﷺ قد بين لهم أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.

---

3. الدروس المستفادة منه:

هذا الحديث العظيم يحوي كنوزاً من الفوائد والعبر، منها:
* فضل الصحابة وحرصهم على العلم: يظهر من الحديث حرص الصحابة رضي الله عنهم على فهم دينهم، وعدم تركهم لأي إشكال دون أن يبينوه، وهذا من توفيق الله لهم وعلامة على صدق إيمانهم.
* الجرأة في طلب العلم النافع: جرأة أبي هاشم بن عتبة كانت محمودة لأنها كانت في مسألة دينية يحتاج إليها الناس، فلم يمنعه الحياء أو الهيبة من سؤال النبي ﷺ عن الحكم الشرعي.
* الرد على من يطعن في الصحابة: الحديث يظهر كيف كان الصحابة يتذاكرون المسائل الدينية بعد النبي ﷺ ليتعاونوا على تذكير بعضهم البعض وتثبيت العلم.
* بيان أن الخلاف ليس جديداً: اختلف الصحابة في هذه المسألة كما يختلف الناس بعدهم، ولكن المهم هو الرجوع إلى الدليل الصحيح.
* الحل الأمثل للخلافات العلمية: الطريق الصحيح لحل الخلاف هو الرجوع إلى الكتاب والسنة، كما فعل الصحابة برجوعهم إلى النبي ﷺ، وهو قدوتنا في ذلك.
* تحديد الصلاة الوسطى: الحديث دليل صريح من سنة النبي ﷺ على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، وهذا قول جمهور العلماء. وقد وردت أحاديث أخرى تؤكد هذا المعنى.
* مكانة صلاة العصر: هذا التخصيص يدل على عظم شأن صلاة العصر، وأنها تحتاج إلى مزيد عناية ومحافظة، خاصة وأنها تقع في وقت انشغال الناس بأعمالهم وتجارهم.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* اختلف العلماء قديماً وحديثاً في تعيين الصلاة الوسطى على أكثر من عشرين قولاً، ولكن أرجحها وأصحها هو أنها صلاة العصر، بدلالة هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة.
* من الحِكَم في كونها العصر: أنها تقع في آخر النهار، وقد يغفل عنها الإنسان وينشغل بها، فخصها الله بالذكر تأكيداً على المحافظة عليها.
* ورد الوعيد الشديد في حق من يضيع صلاة العصر، فقال النبي ﷺ: «مَنْ تَرَكَ صَلَاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ» رواه البخاري. وهذا يؤكد أهميتها.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على المحافظة على الصلوات في أوقاتها، خاصة الصلاة الوسطى، وأن يتقبل منا صالح الأعمال.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.