حافظوا على الصلوات وصلاة العصر

شرح الحديث:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،
أهلاً بك أيها السائل الكريم، وأسأل الله أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح، ولفهم كتابه وسنة نبيه ،وأن يعلمنا ما ينفعنا وينفعنا بما علمنا، وأن يزيدنا علماً وفقهاً وتوفيقاً وأجراً إنه هو الكريم الوهاب.
هذا الحديث الذي رواه الصحابي الجليل البراء بن عازب رضي الله عنه، وهو حديث صحيح أخرجه الإمام مسلم في صحيحه، يروي لنا قصة نزول آية الصلاة الوسطى، وهو من الأحاديث المهمة التي تبين جانباً من جوانب التشريع الإسلامي المتدرج ومسألة النسخ في القرآن الكريم.

---

أولاً. شرح المفردات:

● نزلت هذه الآية: المقصود أن الله تعالى أنزلها على النبي صلى الله عليه وسلم.
● فقرأناها ما شاء الله: أي تلقيناها وتمعنا في حكمها وتلاوتها مدة من الزمن.
● نسخها الله: النسخ في الاصطلاح الشرعي هو رفع حكم شرعي بدليل شرعي متأخر. وهو من رحمة الله تعالى بتدرجه في التشريع.
● الصلاة الوسطى: الصلاة التي هي أوسط الصلوات مكاناً أو زماناً أو فضلاً.
● كان جالساً عند شقيق له: أي كان الرجل جالساً مع صاحب له أو قريب له.

---

ثانياً. المعنى الإجمالي للحديث:

يخبرنا الصحابي البراء بن عازب رضي الله عنه أن الله تعالى أنزل في بداية الأمر أمراً بالمحافظة على جميع الصلوات، ثم نسخ ذلك الحكم وأنزل أمراً خاصاً بالمحافظة على الصلوات وعلى صلاة العصر بشكل منفرد، لشدة تأكيدها وأهميتها. ثم نسخ الله تعالى ذلك أيضاً، وأنزل الآية الكريمة التي نقرأها اليوم في سورة البقرة: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} [البقرة: 238]. فجاء التعميم (الصلوات) مع التأكيد على صلاة معينة هي (الصلاة الوسطى).
وفي هذا المجلس، لما سمع رجل هذا الشرح من البراء، ظن أن قوله تعالى (والصلاة الوسطى) هي نفس صلاة العصر التي ذكرت في الآية المنسوخة سابقاً، فأراد البراء أن يبين له أن المسألة ليست كذلك، وأن الحكم قد تغير بالنسخ، وأن كيفية النزول كانت على هذه الصورة المتدرجة.

---

ثالثاً. الدروس المستفادة والعبر:

1- حكمة التشريع المتدرج: يظهر من الحديث حكمة الله تعالى في تشريع الأحكام، حيث كان ينزلها تدريجياً حسبما تقتضيه مصالح العباد، حتى تصل إلى صورتها النهائية الثابتة. وهذا من رحمة الله بهذه الأمة.
2- ثبوت وقوع النسخ في الشريعة: الحديث دليل واضح على وقوع النسخ في القرآن الكريم، وهو أمر مقرر عند أهل السنة والجماعة. والنسخ ليس عيباً، بل هو دليل على عناية الله تعالى بتشريعه، ومراعاة حال المكلفين.
3- مكانة صلاة العصر: يؤكد الحديث على العناية الفائقة بصلاة العصر، حتى إن الله خصها بالذكر في مرحلة من مراحل التشريع. وهذا يعضد ما ورد في أحاديث أخرى عن فضل المحافظة عليها وعن الوعيد الشديد على من يضيعها.
4- أهمية فهم النصوص في سياقها: رد البراء على الرجل يعلمنا أن فهم النص الشرعي يجب أن يكون في إطاره الصحيح، ومعرفة تاريخ نزوله ووروده، وعدم إسقاط معنى منسوخ على نص ثابت. وهذا من أدب طلب العلم.
5- بيان أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر: على الرغم من أن البراء أنكر على الرجل استنتاجه في تلك اللحظة (لأنه فهم أن البراء يقول إن الآية الحالية تنص على العصر صراحة)، إلا أن جمهور العلماء -استناداً إلى أحاديث أخرى صحيحة- قد اتفقوا على أن المقصودة بالصلاة الوسطى في الآية الكريمة {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} هي صلاة العصر. فقد جاء في صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: "شغلونا عن الصلاة الوسطى، صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً".

---

رابعاً. معلومات إضافية مفيدة:

- الحديث يدل على أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يعلمون الناس كيف نزل القرآن، ويبينون لهم الناسخ والمنسوخ، حرصاً على فهم الدين correctly.
- النسخ في هذا الحديث هو نسخ للتلاوة والحكم معاً، أي أن الآية التي كانت تأمر بالمحافظة على الصلوات وصلاة العصر خاصة قد رفع حكمها ولفظها من المصحف، وحل محلها الآية الموجودة الآن.
- هذا النوع من العلم (أسباب النزول والناسخ والمنسوخ) من أهم العلوم التي يحتاجها المفسر والفقيه لفهم القرآن فهمًا صحيحاً.
أسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحافظين على الصلوات،尤其 الصلاة الوسطى، وأن يفقهنا في ديننا. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.