فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد، فإليك شرح هذا الحديث النبوي الشريف شرحًا وافيًا، مستندًا إلى كلام أهل العلم المعتبرين من أهل السنة والجماعة.

---

نص الحديث:

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "عَجَبُ مِمَّنْ يَتَقَدَّمُ الشَّهْرَ! وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إِذَا رَأَيْتُمُ الْهِلَالَ فَصُومُوا، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ فَأَفْطِرُوا. فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ".

---

1. شرح المفردات:

* عَجَبُ: استنكار وتعجب من فعلٍ لا ينبغي أن يقع.
* يَتَقَدَّمُ الشَّهْرَ: أي يبدأ الصوم قبل رؤية هلال رمضان، أو يفطر قبل رؤية هلال شوال، اعتمادًا على حسابٍ أو ظنٍ دون الرجوع إلى الرؤية الشرعية.
* غُمَّ عَلَيْكُمْ: أي خفي عليكم الهلال وامتُحنتم بغيم أو قتر أو دخان يحول دون رؤيته.
* فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ: أي أتموا عدة شهر شعبان (إذا كان الغيم في أوله) أو شهر رمضان (إذا كان الغيم في آخره) إلى ثلاثين يومًا.

---

2. المعنى الإجمالي للحديث:

يستنكر الصحابي الجليل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما - وهو حبر الأمة وترجمان القرآن - فعل من يبدأ صوم رمضان أو يفطر في عيد الفطر بناء على حساب النجوم أو التقديرات الفلكية أو مجرد التخمين، دون اعتماد على الرؤية البصرية للهلال التي أمر بها النبي ﷺ.
ثم يستدل على استنكاره هذا بقول النبي ﷺ الذي يبين فيه المنهج الشرعي الواضح لبدء الصوم ونهايته، وهو:
* القاعدة الأصلية: الاعتماد على الرؤية البصرية بالعين المجردة (أو بما يعين عليها كالمنظار)، فإذا رأينا هلال رمضان وجب علينا الصوم، وإذا رأينا هلال شوال وجب علينا الفطر والإفطار.
* الحكم عند العذر: إذا حجب الغيم أو القتر الهلال ولم نتمكن من رؤيته، نلجأ إلى إكمال العدة، فنتم شهر شعبان ثلاثين يومًا ثم نصوم، ونتم شهر رمضان ثلاثين يومًا ثم نفطر.
فالحديث يرفض أي محاولة للاستغناء عن الرؤية الشرعية بالحساب الفلكي في إثبات الشهور القمرية، خاصة فيما يتعلق بالعبادات كالصوم والإفطار.

---

3. الدروس المستفادة والفقه المستنبط:

1- وجوب اعتماد الرؤية البصرية في إثبات هلالي رمضان وشوال: هذا هو مذهب جمهور العلماء من أهل السنة والجماعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة). وهو الظاهر من الحديث الصريح.
2- بطلان العمل بالحساب الفلكي في إثبات الهلال للصوم والفطر: لأن النبي ﷺ ربط الحكم بالرؤية البصرية لا بالعلم الحسابي، وهو ﷺ يعلم أن الحساب موجود، فلو كان له اعتبار لذكره. وقال ﷺ: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ، لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا" يعني مرة تسعة وعشرين ومرة ثلاثين. فجعل العبرة بالرؤية أو إكمال العدة.
3- حكمة التشريع: في هذا التكليف تيسير على الأمة، فليس كل الناس يعرفون الحساب الفلكي، بينما الرؤية أمر ممكن للعامة والخاصة. وفيه أيضًا إخراج للأمة من الخلاف إلى الاجتماع على رؤية واحدة.
4- الرد على من يحتج بعلم الفلك: لا ينكر أحد دقة الحسابات الفلكية في معرفة ولادة القمر ومساره، ولكن الشرع علق الحكم على الرؤية المنظورة، والتي قد تتأخر عن وقت الولادة لوجود عوائق طبيعية. فالعلم الفلكي يخبرنا بإمكانية الرؤية من عدمها، ولكن الحكم الشرعي لا يثبت إلا بالرؤية الفعلية أو إكمال العدة عند عدم التمكن منها.
5- وجوب إكمال عدة شهر شعبان ثلاثين يومًا عند عدم رؤية هلال رمضان due to clouds: وهذا فيه سد للذرائع ومنع للاختلاف.
6- وجوب صوم يوم الثلاثين من شعبان إذا لم تُرَ الهلال due to clouds: لأنه يصبح يوم الشك، وقد نهى النبي ﷺ عن صوم يوم الشك. فإكمال شعبان ثلاثين يحول دون وقوع في صوم يوم النحر (أول أيام العيد) عن جهل.

---

4. معلومات إضافية مفيدة:

* هذا الحديث أخرجه الإمام مسلم في "صحيحه" وهو من أصح كتب الحديث.
* الفرق بين "الحساب" و"الرؤية": الحساب يثبت ولادة القمر astronomically، أما الرؤية فهي إدراكه بالبصر بعد الولادة. وقد يولد القمر ولكن لا يُرى due to factors like the angle of the crescent, its brightness, and weather conditions.
* العلماء متفقون على أن الحساب الفلكي معتبر في كثير من الشؤون كحساب المواقيت اليومية للصلاة، ولكنهم اختلفوا في إثبات الأهلة للعبادات، والراجح - والله أعلم - هو قول الجمهور بوجوب اعتماد الرؤية وعدم الاكتفاء بالحساب، عملاً بهذا الحديث وغيره.
والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نب