إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة

حديث: إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة

عن جابر بن عبد الله، أَنَّهُ حَجَّ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ يَوْمَ سَاقَ الْبُدْنَ مَعَهُ وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا، فَقَالَ لَهُم: «أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ بِطَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَصِّرُوا، ثُمَّ أَقِيمُوا حَلالا حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجَّ وَاجْعَلُوا الَّتِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً»، فقالوا: كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج؟ فقال: «افعلوا ما أمرتكم، فلولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم، ولكن لا يحل مني حرام
حتى يبلغ الهدي محله» ففعلوا.

متفق عليه: رواه البخاريّ في الحجّ (١٥٦٨) ومسلم في الحج (١٢١٦/ ١٤٣) كلاهما من حديث أبي نعيم (هو الفضل ابن دكين)، حدّثنا أبو شهاب، قال: قدمت مكة بعمرة فدخلنا قبل التروية بثلاثة أيام، فقال لي أناسٌ من أهل مكة: تصير حجّتُك مكيّة!، فدخلتُ على عطاء أستفتيه، فقال: حدثني جابر بن عبد الله، فذكره بتمامه.

تخريج الحديث كاملاً ⏬

شرح الحديث:

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد،
فأقدم لكم شرحًا وافيًا لهذا الحديث النبوي الشريف، الذي رواه الإمام البخاري في صحيحه، معتمدًا على كبار شراح الحديث من أهل السنة والجماعة.

أولاً. شرح المفردات:

● ساق البُدْنَ: البُدْن هي الإبل، وساقها يعني أنه قدم بها هديًا للحج.
● أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا: أهلوا يعني أَحرموا، والمفرد: هو الذي أحرم بالحج فقط دون العمرة.
● أَحِلُّوا مِنْ إِحْرَامِكُمْ: أي اخرجوا من حالة الإحرام إلى الحل بحلق الشعر أو تقصيره والتحلل من محظورات الإحرام.
● طَوَافِ الْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: هما الركنان الأساسيان للعمرة.
● يَوْمُ التَّرْوِيَةِ: هو اليوم الثامن من ذي الحجة، وسُمي بذلك لأن الحجاج كانوا يرتوون فيه من الماء استعدادًا ليوم عرفة.
● مُتْعَةً: هنا يقصد تمتع الحج، وهو أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ثم يحل منها، ثم يحرم بالحج في نفس العام.
● حتى يبلغ الهدي محله: أي حتى يذبح الهدي في منى يوم النحر.

ثانيًا. شرح الحديث:

يحدثنا الصحابي الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن مجموعة من الصحابة قدموا مع النبي صلى الله عليه وسلم لأداء فريضة الحج، وكانوا قد أحرموا بالحج فقط (إحرامًا مُفْرَدًا). وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد ساق معه الهدي (الإبل) ليذبحها في الحج.
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يتحللوا من إحرامهم بأن يطوفوا حول الكعبة ويسعوا بين الصفا والمروة (أي يؤدوا مناسك العمرة كاملة)، ثم يقصروا من شعرهم (وهو رمز التحلل من الإحرام)، فيصبحوا حلالاً (أي في حالة إباحة كاملة)، ويبقون على ذلك حتى يوم التروية (اليوم الثامن من ذي الحجة).
ثم في يوم التروية، يأمرهم أن يُحرموا من جديد، ولكن هذه المرة بالحج. وبذلك تصبح العمرة التي أدوها أولاً هي عمرة التمتع، والحج الذي سيؤدونه هو حج التمتع، ويجب عليهم بعد ذلك ذبح هدي (شاة) لأنهم أصبحوا متمتعين.
استغرب الصحابة من هذا الأمر، لأنهم قد سموا (نووا) في ابتداء إحرامهم "الحج" فقط، فكيف يحولونه الآن إلى "عمرة"؟ فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم مؤكدًا: "افعلوا ما أمرتكم". ثم بين لهم سبب عدم فعله هو لذلك، فقال: "لولا أني سقت الهدي لفعلت مثل الذي أمرتكم"، أي أن سبب امتناعه عن التحلل هو أنه ساق الهدي معه، والمُهِلُّ بالحج الذي ساق الهدي لا يتحلل من إحرامه حتى يذبح هديه يوم النحر. فكان إحرام النبي صلى الله عليه وسلم حجًّا قارنًا (جمع بين الحج والعمرة بإحرام واحد)، وليس مُفْرَدًا مثلهم.

ثالثًا. الدروس المستفادة والعبر:

1- وجوب طاعة النبي صلى الله عليه وسلم واتباع أمره دون تردد: فقد أمر الصحابة بأمر خالف ظاهر ما كانوا عليه، فاستفسروا أولاً ثم امتثلوا مباشرة عندما أمرهم، وهذا هو نموذج الطاعة المطلقة للشرع.
2- بيان صورة من صور النسك (حج التمتع): وهو أن يحرم المسلم بالعمرة في أشهر الحج، فيحل منها، ثم يحرم بالحج من موضعه في العام نفسه. وهذا الحديث أصل كبير في باب التمتع.
3- الفارق بين من ساق الهدي ومن لم يسقه: فمن ساق الهدي معه لا يجوز له التحلل من إحرامه حتى يبلغ الهدي محله (يذبح)، بخلاف من لم يسق الهدي.
4- حكمة النبي صلى الله عليه وسلم وحرصه على تعليم أمته: حيث بين لهم سبب عدم فعله للتمتع، لئلا يظنوا أن هناك تفاضلاً بين فعله وفعلهم، وإنما السبب هو اختلاف الحالتين (من ساق الهدي ومن لم يسقه).
5- جواز تحويل الإحرام المفرد إلى عمرة للتمتع: وهذا ما فعله الصحابة بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وهو دليل على مشروعيته.

رابعًا. معلومات إضافية مفيدة:

- هذا الحديث من الأحاديث الأساسية التي يستدل بها الفقهاء على مشروعية حج التمتع وبيان كيفيته.
- الأمر النبوي للصحابة بالتحلل كان خاصًا بهذه الواقعة، وقد نُسخ بعد ذلك، حيث أصبح من أحرم مفردًا أو قارنًا يلزمه البقاء على إحرامه، ولا يتحلل بعمرة كما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم في هذه المرة. وهذا من دقائق الفقه في هذه المسألة.
- الحديث يظهر سماحة الإسلام ويسره، حيث شرع للمسلم أنواعًا من النسك ليتيسر عليه أداء المناسك حسب حاله.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

📝 تنبيه هام:

نرحب بتصويباتكم! إذا وجدت أي خطأ في نص الحديث أو السند أو الشرح، فيرجى إبلاغنا عبر صفحة الاتصال:

📧 التواصل للإبلاغ عن خطأ

"مَنْ سَنَّ فِي الإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا"

تخريج الحديث

رواه البخاريّ في الحجّ (١٥٦٨) ومسلم في الحج (١٢١٦/ ١٤٣) كلاهما من حديث أبي نعيم (هو الفضل ابن دكين)، حدّثنا أبو شهاب، قال: قدمت مكة بعمرة فدخلنا قبل التروية بثلاثة أيام، فقال لي أناسٌ من أهل مكة: تصير حجّتُك مكيّة!، فدخلتُ على عطاء أستفتيه، فقال: حدثني جابر بن عبد الله، فذكره بتمامه.
وفي رواية أخرى عند البخاري (١٦٥١) من طريق حبيب المعلم، عن عطاء، به، بلفظ: «فأمر النبيُّ ﷺ أصحابه أن يجعلوها عمرة ويطوفوا، ثم يقصِّروا ويحلُّوا إلّا من كان معه الهدي ...».

العودة إلى الأعلى

أحاديث لها شرح في هذا الكتاب (عرض 50 حديثاً حول الحديث الحالي)

الحديث الحالي في المركز 335 من أصل 689 حديثاً له شرح

معلومات عن حديث: إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة

📜 حديث: إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة

نص الحديث الشريف كاملاً مع ذكر الرواة وسند الحديث المتصل بسلسلة الإسناد الصحيحة حتى النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
🔍 صحة حديث: إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة

تحليل درجة صحة الحديث من حيث السند والمتن وفق معايير علم الحديث، مع بيان حكم العلماء عليه من حيث القبول والرد.
📖 تخريج حديث: إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة

تخريج الحديث من مصادر السنة النبوية المعتمدة وكتب الصحاح والسنن، مع ذكر أماكن وروده في المصادر الحديثية المختلفة.
📚 شرح حديث: إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج واجعلوا التي قدمتم بها متعة

شرح وافي للمعاني والمفردات والفوائد المستنبطة من الحديث، مع بيان الأحكام الشرعية والعبر المستفادة لتطبيقها في الحياة العملية.

قراءة القرآن الكريم

سورة البقرة	آل عمران	سورة النساء
سورة المائدة	سورة يوسف	سورة ابراهيم
سورة الحجر	سورة الكهف	سورة مريم
سورة الحج	سورة القصص	العنكبوت
سورة السجدة	سورة يس	سورة الدخان
سورة الفتح	سورة الحجرات	سورة ق
سورة النجم	سورة الرحمن	سورة الواقعة
سورة الحشر	سورة الملك	سورة الحاقة
سورة الانشقاق	سورة الأعلى	سورة الغاشية